انطلقت الأحد الماضي، أعمال المسح الأثري في موقع الشويحطية في منطقة الجوف بعد صدور موافقة رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز على ذلك، إذ تم تشكيل فريق علمي متخصص في الآثار والمجالات السياحية المختلفة. وقال المدير العام لفرع الهيئة في الجوف الدكتور جهز برجس الشمري إن المشروع يهدف إلى رصد الظواهر والمعطيات الأثرية والاهتمام في المواقع الأثرية وإيجاد مسارات سياحية في المنطقة تخدم التنمية السياحية، وإضافة فرص وظيفية واستثمارية جديدة تساهم في حراك اقتصادي في المنطقة، من خلال طرح برنامج متكامل لتحسين وتطوير البنية التحتية السياحية لاستقطاب السواح والزوار لزيارة تلك المواقع الأثرية المرتبطة في البعد الحضاري للمملكة. وأشار الشمري إلى أهمية وتميز موقع الشويحطية، فهو «أقدم مواقع الاستيطان البشري في الجزيرة العربية، وتعود القطع الحجرية المكتشفة في الموقع حتى الآن إلى عصر الأولدوان الذي يتجاوز تاريخه مليون عام». وتبعد قرية الشويحطية 45 كيلومتراً شمال غربي مدينة سكاكا، وتحوي موقعاً أثرياً يقع على بعد كيلو ونصف الكيلو إلى الجنوب الغربي منها، يعد أقدم مكان استوطنه الإنسان في شبه الجزيرة العربية، وتدل على ذلك الشواهد الأثرية التي تبين أن المنطقة مرت في فترة من الازدهار التاريخي منذ العصرين الآشوري والبابلي، الذي يجيء فيهما بداية ذكر المنطقة في المصادر المدونة. ويعود تاريخ الموقع إلى مليون وربع مليون سنة، وهي من الآثار التي تعود إلى العصر الباليوليشي. والموقع عبارة عن تجمع لأدوات حجرية منتشرة على ضفاف وادي الشويحطية، ومجموعة من المواقع الأثرية غير الظاهرة على سطح الأرض، وبيّنت الاكتشافات الأثرية أنها احتوت على مواقع لتصنيع الأدوات الحجرية التي استخدمت في توفير الماء والطعام وسبل العيش، وتوضح استقرار الإنسان في هذا المكان. وذكر عضو مجلس الشورى الدكتور خليل إبراهيم المعيقل في كتابه «بحوث في آثار منطقة الجوف»، أن الإنسان استوطن منطقة الجوف منذ اقدم فترات الاستيطان في جزيرة العرب خلال عصور ما قبل التاريخ أو ما تسمى «العصور الحجرية»، وأثبتت المواقع الأثرية التي تعود إلى هذه الحقبة والتي عثر عليها في الجوف أن الإنسان استوطن هذا الجزء من جزيرة العرب منذ أقدم عصور ما قبل التاريخ (العصر الحجري الأعلى 1.000000 - 1.250000 سنة). فيما يرى عالم الآثار الدكتور عبدالرحمن الأنصاري أن الحضارة العربية انتقلت من شمال الجزيرة العربية إلى جنوبها، وليس كما هو شائع بأنها جاءت من جنوب الجزيرة العربية، ويبرر الأنصاري ذلك بقوله إن «الحضارة التي اكتشفت في جنوب الجزيرة العربية كانت متكاملة في الوقت الذي تؤكد الحفريات وجود الحضارة الإنسانية في منطقة الجوف منذ أكثر من مليون سنة، ما يعني أن الحضارة الإنسانية لهذه المنطقة من العالم بدأت من هنا». ويذهب الأنصاري إلى أن منطقة الجوف عرفت في تاريخها الغابر خمس ملكات، وأنه لا بد أن تكون بلقيس واحدة منهن، وهاجرت مع من هاجر إلى جنوب الجزيرة العربية، مضيفاً أن الكتابة العربية انتقلت هي الأخرى من شمال الجزيرة العربية «دومة الجندل» إلى مكة المكرمة، مشيراً إلى دلائل وشواهد تؤكد ثراء الشمال بحضارته وإنسانه. وعثر على بعض القطع التي تعود إلى حقبة العصر الحجري القديم التي ترجع إلى فترة ما قبل مليون عام وهي معروضة في متحفي دومة الجندل ودار الجوف للعلوم. وأشار الدكتور حسن السندي في بحث نشرته مجلة «أطلال» إلى دراسة جيولوجية لعمر ما قبل التاريخ في الشويحطية، مؤكداً أن عدداً من الأدلة الأثرية تؤكد فكرة وجود أجيال عدة من الحياة البشرية في هذا الجزء من العام منذ مليون ونصف مليون سنة على الأقل، وتشير الأدوات وطريقة صنعها إلى أن الشويحطية كانت موطناً لعدد من الأجيال البشرية في أربع فترات على الأقل من العصور الحجرية. ونشرت «أطلال» أيضاً بحثاً بعنوان: «الهجرات المبكرة التي تمت في العصر الحديث الأدنى (البلايستوسيني) داخل المملكة العربية السعودية» للدكتور نورمان هويلن والدكتور ديفيدبيز، وخلاصته أنه في أوائل ربيع العام 1985، أرسلت الإدارة العامة للآثار والمتاحف في الرياض فريقاً من الأثريين إلى موقع الشويحطية فاكتشف موقعاً فيها جمع الفريق منه 97 قطعة من الأدوات الحجرية، ظهر أن 57 أداة منها تبدو بالغة القدم، وأنها مشابهة من حيث النوع والتواتر الزمني للأدوات الحجرية التي اكتشفت في شرق أفريقيا وتتكون أساساً من الحصى والرقائق المصنوعة من الكوارتزيت مطلية بطبقة سميكة من غشاء العتق. وشجع ذلك إدارة الآثار على إرسال بعثة إلى الشويحطية للقيام بمزيد من تقصي الحقائق في العام 1985، وقضى الفريق نحو شهرين في الموقع، وعثروا على 15 موقعاً آخر مساوية من حيث القدم للموقع السابق، وهي قريبة من بعضها إذ يبعد الموقع عن الآخر نحو 400 متر. وجمع الفريق 1884 قطعة من الملتقطات السطحية من هذه المواقع، ووجد أن 1517 منها بالغة القدم وجميعها أدوات حجرية وبقايا آدمية وحيوانية وأنها تغطي السنوات الأولى من عمر الإنسان وقدرت أعمارها من مليون و900 ألف سنة إلى مليون سنة. وتم تأكيد هذه التواريخ بواسطة «البوتاسيوم - أرجون» وتتبع الأنشطار والحدود المغناطيسية القديمة وكانت الأدوات التي عثر عليها مختلفة منها السواطير بأشكال مختلفة، وأدوات قرصية الشكل وكروية الشكل وشبه كروية وثنائية الوجه، ومنها ما هو على شكل مكشط ومنقاش ومخرز ومطرقة حجرية ونواة حجرية ورقائق مستعملة وغير مستعملة.
مشاركة :