بوتين رئيس إلى الأبد؟

  • 3/21/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا خصم يتحدى فلاديمير بوتين في الانتخابات. ويرسم حجم فوزه ومستوى المشاركة ملامح ولايته المقبلة. وأوكل إلى المعدين الاستراتيجيين الروس تقديم فوز بوتين على أنه فوز شعبي وباهر، وإخراج صورة الاقتراع على صورة تنافس ديموقراطي ولكنه، والحق يقال، أقرب إلى عرض سلطوي عمودي يهبط من أعلى. والمفاجأة اليتيمة في الانتخابات كانت ترشح ممثل للحزب الشيوعي والصحافية المعارضة كسينيا سوبتشاك. والأخيرة لا تدعو الناخبين إلى الاقتراع لها، بل الانتخاب «ضد الكل». وقيَّد القضاء يد المعارض البارز أليكسي نافالني، فلم يعد في وسعه الترشح. ويميل الجيل الشاب إليه، وهذا المحامي الذي يسعى إلى مكافحة الفساد يدعو إلى مقاطعة الانتخابات. لذا، في مواجهة تمنع الشباب المُدني، نفخ فلاديمير بوتين في مصدر شعبيته اليتيم: النزاع الأوكراني، ورمى إلى استمالة أصواتهم في انتخابات 18 آذار (مارس). وموعد الانتخابات هو ذكرى ضم القرم قبل 3 أعوام. ومع مرور الوقت، خبت الحماسة لعملية القرم، وتدهور السياق الاقتصادي المحلي والديبلوماسي. ويبدو أن التشاؤم والصدوع بواقع الأمور يغلبان على الروس. فالأمل في تحسن الأحوال المعيشية يقتصر على 35 في المئة من الروس. والموظفون الروس مكلفون تشجيع الناخبين ممن يميلون إلى البقاء في المنزل على الاقتراع. ونقلت صحيفة «أر بي كا» اليومية خبراً عن توفير نقل مشترك يقل الناخبين إلى مكاتب الاقتراع، والتقاط صور «سلفي» أمام معازل الاقتراع. وبعد 18 عشر عاماً من حكمه المتواصل، «مشكلة بوتين الرئيسية هي ترسيخ مشروعيته والظهور في مظهر الزعيم المُجمع عليه»، يقول أستاذ العلوم الاجتماعية في مدرسة الاقتصاد العليا، نيكولاي بيتروف. ويحتاج بوتين إلى مشروعية متينة وراسخة لتفادي انفضاض النخب عنه. وهؤلاء ضمانة استقرار سلطته.   عزلة ديبلوماسية وعلى رغم نجاحاتها العسكرية في سورية وأوكرانيا، تُقيد روسيا بوتين عقوبات غربية، ومنتخبها الوطني أُقصي من الألعاب الشتوية الأولمبية المقبلة بسبب تعاطي المنشطات. وفي نهاية الجاري، يُنتظر أن يقر الكونغرس الأميركي إجراءات اقتصادية جديدة تقتص من روسيا جزاء «تدخلها» في الحملة الانتخابية. وترى موسكو أن مثل هذه الإجراءات أكثر ثقلاً من الرد الانتقامي الأوروبي الذي سبق أن أقرته بروكسيل. وعلى خلاف ما يشتهي الكرملين، لم يُفلح في تحويل تدخله العسكري في سورية إلى نصر ديبلوماسي. وهذه الأجواء السلبية تشرّع باب فرص أمام بوتين من جهة، وتقيد يده من جهة أخرى. فهي ذريعة إلى شد لحمة الرأي العام الروسي من طريق خطابة معادية للغرب، ولو كلفه ذلك خسارة وسائل تطوير اقتصاد بلاده نتيجة غياب التعاون مع الغرب. وعلى رغم غلبة المشاعر المعادية لروسيا في أميركا، يعلن زعيم الكرملين انه يؤيد استئناف العلاقات مع الغرب من دون أن يُقدم على تنازل أو مساومة. فتطبيع العلاقات مع أميركا «مسألة لا تعود إلينا»، أعلن فلاديمير بوتين في 10 الشهر الجاري حين اتهم واشنطن بتمويل معارضه أليكسي نافالني. وبعد تكبد آثار العقوبات الغربية وهبوط أسعار النفط، يتعافى الاقتصاد الروسي، ولكن من دون العودة إلى مستوياته العالية في العقد الأول من حكم بوتين. وعلى رغم الإعلان عن إصلاح بنيوي، لم تبادر الحكومة إلى مثل هذا الإصلاح الذي يساهم في تقويض اعتماد البلاد على الوقود والطاقة. وتردد المستثمرون الأجانب عن العمل في السوق الروسية يكبح عملية نقل التكنولوجيات إلى روسيا التي تمس حاجتها إليها. وعلى رغم أن أسعار الخام ترتفع، تعجز الموازنة العامة عن تمويل برنامج التحديث الطموح، فصندوق النقد السيادي الثاني في البلاد أعلن قبل أيام إغلاق أبواب، إثر تبدد احتياطيه المالي. ويحث الليبراليون الحكومة على إصلاح نظام التقاعد المتداعي، ولكن الكرملين يتردد في الإقدام على مثل هذه الخطوة، ويخشى خسارة قاعدته الشعبية في أوساط الناخبين المتمسكين بالضمانات الاجتماعية. و «على رغم عملهم في شركات خاصة في قطاع التعدين، لم يبارح عمال المناجم العالم السوفياتي»، يقول بوريس ماكاركين، رئيس مركز سياسات التكنولوجيا. ويرى ماكاركين أن النموذج الاقتصادي الروسي هو التحدي الأبرز في ولاية بوتين الرابعة. ففي سياق توتر العلاقات مع الغرب، يسع الكرملين تعزيز قبضة الدولة: إيلاء الأولوية لقطاع التسلح وتمويل مستوى المعيشة الاقتصادي والشعبي الهزيل من طريق عائدات النفط. وفي مطلع الجاري، اعلن الرئيس المرشح إلى ولاية رابعة، رفع الحد الأدنى للرواتب في الأول من آذار (مارس) 2018، من حوالى 139 يورو شهرياً إلى 163 يورو. والى اليوم، المرشح الأكثر حظاً في الانتخابات الروسية لم يعلن برنامجه للسنوات الست القادمة. وفي عقده الأول في الحكم، أقصى بوتين الأوليغارشيين، ورأى أن نفوذهم السياسي ضخم، ورسخ قبضة الدولة ومال إلى نظام استبدادي. وفي 2008، رفعت ولاية ديمتري ميدفيديف لواء التحديث، وولاية 2012 البوتينية، (رفعت) لواء «السيادة الموطدة». ولكن منذ الأزمة الأوكرانية وتظاهرات شتاء 2011- 2012، يربط بوتين أكثر فأكثر مصير روسيا بمصيره. «روسيا هي بوتين وبوتين هو روسيا»، لازمة رئيس الدوما، فياتشيسلاف فولودين. ومثلما كانت الحال في العهد السوفياتي، أوجه الشبه تتعاظم بين هذه الانتخابات و«مرحلة إدارية انتقالية». لكن هل بوتين رئيس إلى الأبد؟ السؤال لن يطرح نظرياً قبل 2024، موعد انتهاء رئاسة بوتين استناداً إلى الدستور، بل إن هذه المسألة هي شاغل دوائر السلطة المتوقع ما أن تنتهي الانتخابات، وتطوى نشوة كأس العالم. ويرى خبراء في شؤون الكرملين أن الحُكم على وزير المالية السابق، أليكسي أوليوكاييف، هو مرآة نزاع بين الحاشية مقدمةً لخلافته. ويتواجه في النزاع هذا الصقور والليبراليين. وسرّب رئيس الوزراء والرئيس السابق بين 2008 و2012، ديمتري ميدفيديف، نبأ رغبته في الرئاسة من جديد. وفي مرحلة الاضطرابات هذه، الطموحات تتعاظم، والمخاطر أمام فلاديمير بوتين تتكاثر، فهو إذا لم يفلح في الإمساك بمقاليد السباق هذا، يرجح أن يشدد القيود على المجتمع، وأن يتفاقم القمع. ويرجح دارس شؤون السياسة، يفغيني مينتشنكو، أن ينسحب بوتين شكلياً من السلطة وأن يبسط نفوذه غير الرسمي ويمسك بمقاليد البلاد من وراء الكواليس. ومن ينتظر تداول السلطة عليه الصبر، فحماسته ليست في محلها.     * باحث، وخبير في شؤون القوانين الدستورية، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 15/1/2018، إعداد منال نحاس

مشاركة :