اليوم العالمي للشعر: حين يصمت الجميع يتكلم الشعراء

  • 3/21/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تقام في الـ21 من مارس احتفالات عالمية باليوم العالمي للشعر، تقدم خلالها تظاهرات شعرية في مختلف بقاع العالم، في الفضاءات الثقافية والساحات العامة، وفي المؤسسات التعليمية وغيرها. أما في المغرب، فيتحول الحدث إلى احتفالية كبرى، بطقوسها الخاصة، حيث تفتتح الأمسيات بتلاوة “رسالة اليونسكو”، و”كلمة الشاعر”، التي كتبها هذه السنة الشاعر الأرجنتيني هوغو موخيكا، قبل أن يصدح الشعراء المغاربة بقصائدهم في هذا اليوم العالمي، في شتى اللقاءات التي تقام بتنسيق مع بيت الشعر في المغرب. الكون بيت للشعر بالنسبة إلى الشعراء، يصبح الكون كله بيتا للشعر، في يومه العالمي. الشاعر المغربي مراد القادري، رئيس بيت الشعر في المغرب، الذي كان وراء هذه المبادرة، أكد في لقاء مع “العرب” أنه “منذ عشرين سنة تقريبا، والعالم بفضل مبادرةٍ لشُعراء المغرب، يراكمُ في مختلف بقاع العالم الإشارات والمبادرات الثقافية والفنية والتربوية نحو الشّعر والشعراء الذين ما فتئوا عبر الكلمة ينتصرُون لقيم الجمال والعدالة والحرية، ويوقظون في دواخلنا منابع الدهشة والخيال”.   يحتفي العالم باليوم العالمي للشعر، في مبادرة عربية مغربية خاصة. فقد اعتمدت منظمة اليونسكو 21 مارس من كل سنة يوما عالميا للشعر، منذ سنة 1998، وذلك باقتراح ومبادرة تاريخية من بيت الشعر في المغرب، الذي رفع رسالة إلى منظمة اليونسكو، من أجل يوم عالمي للشعر. وبعد عشرين عاما، لا يزال يوم الشعر طقسا خاصا، يستعيد فيه العالم ذلك الإحساس الإنساني العظيم الذي تعترف به القصائد وحدها. وبحسب رئيس بيت الشعر المغربي، هجست المبادرة المغربية بغاية واحدة، وهي “أنْ يأخُذ الشّعر المكانة الجديرة به داخل المجتمع وفي مُختلف المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية”. ويرى محدثنا أن مناسبة اليوم إنما هي “مبادرة لدعم الشعــر وتقوية حضوره بيننا كرسولٍ للمحبة وسفير للأخوة الإنسانية الرحبة، وجسر بين الأفراد والجماعات، به نتعرف على بعضنا البعض وعبره نفهم أنفسنا والعالم”. وأمام ازدياد العنف وغياب التسامح وارتفاع منسوب الكراهية والحقد في العديد من مناطق العالم، “تزداد الحاجة إلى الشعر”، يضيف القادري. لأجل ذلك فإن “الحاجة إلى الشعر قائمة، بل إن الحاجة إليه تتقوى يوما بعد يوم، لأن الشعر وحده يستطيع أنْ يعيد اكتشاف إنسانيتنا ويعكس هويتها وطبيعتها المشتركة، والتخفيف من نزعات الاقتتال والانغلاق ونبذ الآخر التي تظهرُ في لحظات ضمور الفن وتراجع الثقافة وانحسار الفكر”. وضمن برنامج لهذا اليوم، برمج بيت الشعر في المغرب لقاء شعريا وثقافيا وفنيا مع جامعة محمد الخامس في الرباط، ومع جامعة مولاي إسماعيل في مكناس، فضلا عن لقاء ثالث مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين في جهة الرباط سلا القنيطرة، سيتوج بتوقيع اتفاقية شراكة بينها وبين بيت الشعر في المغرب. مثلما سيتم تنظيم احتفالية شعرية كبرى بشراكة مع بيت الصحافة في مدينة طنجة، ولقاء رابع في مدينة تازة، بشراكة مع المديرية الجهوية لوزارة الثقافة والاتصال، في إطار اعتماد سياسة القرب الثقافي والشعري. هذا إلى جانب الاحتفالية الكبرى التي تنظمها دار الشعر بتطوان، بتنسيق مع بيت الشعر، في حوار يجمع بين الشعر والموسيقى، وبين مختلف أجيال وأشكال الكتابة الشعرية. ولقد حرص بيت الشعر في المغرب، خلال احتفالات هذه السنة، على خلق الحدث، من خلال إطلاق الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مع إصدار عدد جديد من مجلة “البيت”، وقد تحول المغرب إلى بيت للشعر، يقيم فيه الشعراء ويسكنه القراء. كلمة الشاعر وصمته أما “كلمة الشاعر”، التي تُلقى بمناسبة اليوم العالمي للشعر كما هو معمول به كل سنة، فقد كتبها الشاعر الأرجنتيني المعروف هوغو موخيكا، منطلقا من أن عملية خلق العالم حقيقة لا تزال تحدث، وهذا العالم يشبه قصيدة غير مكتملة، كما يقول، تتخلق باستمرار. مراد القادري: العالم بفضل مبادرة لشعراء المغرب، يحتفي سنويا بالشعر والشعراء ويربط الشاعر الأرجنتيني بين الشعر و”الخلق”، باعتباره “الفعل الأشد أولوية الذي يمكن أن يقوم به إنسان أو إله، أو الفعل الذي يكون فيه الواحد والآخر هما الحدث ذاته، والأصل ذاته، والخصوبة المتبادلة ذاتها”. على أن “الخلق هو شعرية الولادة”، كما يقول هوغو موخيكا، وهو “العودة إلى الأصليِّ”. من هنا، فإن الشعر يولد في ضوء الكلمة. ويواصل موخيكا التفكير في ما يسميه “شعرية الخلق”، معتبرا أن عملية الخلق هي “القصيدة اللامكتملة التي لم تضع لها الحياة نقطة النهاية”. ويرى صاحب ديوان “الجنة الفارغة”، وديوان “عندما يصمت الكل”…، أن كتابة الشعر تشبه ولادة متواصلة، وأن الشاعر حين يكتب الشعر الحقيقي فكأنما يولد من جديد، ويولد كل مرة يكتب فيها قصيدة جديدة. يولد الشاعر، حسبه، مع كل قصيدة ومع كل بيت أو سطر شعري، ومع كل صورة شعرية. والشاعر هو الوحيد القادر على أن يولد من جديد. وحين يصمت الكل يتكلم الشعراء. لأن الشاعر هو الذي يجسد الصمت نفسه. و”ربما لأن الخلق ليس ببساطة وبشكل جذري أكثر من تجسيد الصمت، أنسنته: الاستماع إليه بجسدنا. الكتابة بالدم، وليس بالحبر”، يضيف الشاعر الأرجنتيني. هكذا، فالشعر هو الأصل والقصيدة قدره، و”الإبداع الشعري هو العلاقة الإنسانية الأكثر حسما، إلى درجة أننا لا نستطيع التصرف بإرادتنا معها”، يختم الشاعر والمترجم الأرجنتيني هوغو موخيكا، والذي عاش تجربة فريدة حين التزم الصمت داخل أحد الأديرة، وعاش حياة رهبانية لمدة سبع سنوات. لكنه ما إن أتم ثلاث سنوات من الاعتكاف داخل الدير حتى نطق شعرا، وشرع في كتابة تجربة شعرية روحانية وكونية. وهوغو موخيكا شاعر وباحث ومترجم أرجنتيني، ولد في أفيانيدا سنة 1942، وفر إلى الولايات المتحدة الأميركية في بداية الستينات من القرن الماضي، هاربا من الخدمة العسكرية الإجبارية التي كان يجب عليه أداؤها في وطنه الأرجنتين. وفي نيويورك ارتبط بعدد من الفنانين التشكيليين الأميركيين الشباب، وهو ما قاده إلى التخصص في الفنون البصرية في جامعة نيويورك الحرة. ارتبط موخيكا بالعديد من الحركات مثل حركة الهاري كريشنا، وكانت تلك أولى محاولاته للانجذاب إلى الروحانيات. وبعد عودته إلى بوينس آيرس، سيكرس حياته للكتابة وإلقاء المحاضرات في الخارج. وما جاء في كلمته بمناسبة اليوم العالمي للشعر هو ما نجده مبثوثا في أعماله الشعرية الأخيرة، وخاصة في ديوان “ليلة مفتوحة” و”ظمأ في الداخل”، وديوان “في صمتٍ تقريبا”، و”الريح دائما”، وصولا إلى ديوانه الأخير “طينٌ عارٍ”.

مشاركة :