نظراً للأهمية القصوى التي يحظى بها قطاع المياه خاصة مياه الشرب في حياة الأمم والشعوب في حاضرها ومستقبلها ، يحتفل العالم في الثاني والعشرين من مارس كل عام باليوم العالمي للمياه. ويأتي احتفال هذا العام تحت شعار" الطبيعة من أجل المياه" ، حيث تعود بدايات هذا الاحتفال إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية عام 1992، الذي أوصى بفعالية عالمية للمياه، واستجابت الجمعية العامة لهذا النداء وحددت يوم 22 مارس 1993 كأول يوم عالمي للمياه وبعدها أصبح هذا التاريخ يوما ثابتا يُحتفى به كل عام . وتم اختيار موضوع هذا العام "الطبيعة من أجل المياه" تأكيدا على أن حلول مشكلات المياه على مستوى العالم يجب أن تنبع من الطبيعة، وأن تتوافق مع العمليات الطبيعية التي تسير بها منذ أن خلق الله كوكب الأرض ، وهذا يدفع الباحثين للتطرق لموضوع التغير المناخي، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للأزمات المتعلقة بالمياه ، والتي تحدث في جميع أنحاء العالم، فتدهور الغطاء النباتي وتدهور التربة ونوعية مياه الأنهار والبحيرات يزيد من خطر الفيضانات ويفاقم الجفاف وتلوث المياه،وعند إهمال الأنظمة البيئية، يصبح من الصعوبة تزويد الجميع بالمياه النظيفة اللازمة للبقاء والحياة . يقول الله تعالى في كتابه الكريم:" وَجَعَلْنَا مِنَ الْماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنونَ". فالماء هو أساس الحياة على الأرض، وهو عصب الحياة لجميع الكائنات الحية بلا استثناء، ومن دونه لا تكون هناك حياة، كما أن سبعين بالمئة من وزن الإنسان يتكون من الماء، وهذا دليلٌ آخر على أهميّته للحياة. وللمياه فوائد كثيرةٌ ومختلفة بالنسبة لجميع الكائنات الحية بشكلٍ عام، ومن أهمّ هذه الفوائد استخدامها للشرب ،ومن المهم أن تكون هذه المياه عذبة ، ويعد توفير المياه الصالحة للشرب أحد أكبر المشاكل التي يواجهها العالم حالياً ، وهناك العديد من الاستخدامات الأخرى للمياه والتي لا يمكن حصرها ، وتشمل استخداماتٍ بشرية وأخرى في الزراعة والصناعة أيضاً، كما يتم استخدام الماء حالياً كمصدرٍ لتوليد الطاقة الكهربائية ، حيث تعدُ المياه أحد الحلول الواعدة لحلّ مشاكل الطاقة في العالم، أما في عملية الريّ فيؤدي نقص المياه إلى جفاف الأرض في كثيرٍ من الأماكن في العالم وبالتالي نقص سلة الغذاء العالمي وهو ما يتسبب في المجاعات في أماكن عدة في العالم من ضمنها أو في مقدمتها بعض مناطق أفريقيا. أما استخدام الإنسان الجائر للمياه فقد أدى إلى تقليل حصة الفرد من المياه بشكلٍ كبيرٍ، وتسبب أيضاً بالعديد من الكوارث في العالم ، غير أنه من الممكن المحافظة على المياه ،عن طريق عدم تلويثها بالنفايات المنزلية أو نفايات المصانع، ومن المهم والضروري إعادة تدوير تلك النفايات أو التخلص منها بطرقٍ غير طرحها في مياه الأنهار والبحار، و كذلك إعادة تدوير المياه الملوثة لإعادة استخدامها في عملياتٍ أخرى غير الشرب، كريّ المزروعات وغيرها . وقضية المياه بمختلف مصادرها هي قضية تهم مختلف دول العالم شرقا وغربا ، ولذلك أعلنت الأمم المتحدة أنه يجب على العالم أن يتجه إلى الطبيعة، بحثاً عن سبل أفضل للحفاظ على إمدادات المياه ونظافتها وحماية البشر من الجفاف والفيضانات. وحذر تقرير الأمم المتحدة العالمي المتعلق بتنمية الموارد المائية للعام الجاري، من أن الطلب على المياه يزداد مع زيادة عدد السكان في العالم ،وارتفاع درجة حرارة الكوكب ، ومن بين الحلول التي طرحها التقرير زيادة الاستثمارات في حماية الأنظمة البيئية التي تعيد تدوير المياه، كالمستنقعات والغطاء النباتي والحد من الإنفاق على السدود لحجز مياه السيول أو محطات معالجة مياه الصرف الصحي. وأدرجت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( ألكسو)، موضوع المياه ضمن أولويات عملها في القطاع العلمي، وأجرت العديد من البحوث وذلك إدراكا منها لأهمية موارد المياه الحيوية، حيث نفذت برنامجا دائما لعدد من السنوات، يعنى بتنمية الموارد المائية، وإيجاد الحلول ومواجهة الشح المائي، ومحاولة إيجاد الحلول لتقليص العجز المائي في البلاد العربية.. فالأرقام الإحصائية تشير إلى أن نصيب كل فرد عربي من الماء في تناقص مستمر، وأن هذا التناقص آخذ بالاستمرار، ويعود ذلك لعدة أسباب منها تحكم عدد من الدول غير العربية في منابع المياه المتدفقة للبلاد العربية. كما دعت السيدة أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" إلى حلول جديدة لمواجهة تحديات الأمن المائي التي تطرأ بسبب النمو السكاني وتغير المناخ .. محذرة من أنه مالم يفعل العالم شيئا في هذا المجال، فسوف يواجه ملايين البشر صعوبات بالغة في المناطق التي تتسم بضعف الموارد المائية بحلول عام 2050. إن المياه العذبة تديم حياة الإنسان وهي حيوية لصحته، وهناك ما يكفي كل شخص على الأرض من هذه المياه ، ولكن بالنظر إلى الاقتصاديات السيئة أو ضعف البنية التحتية، فإن الملايين من الناس يموتون بسبب الأمراض المرتبطة بعدم كفاية إمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وتؤثر ندرة المياه على أكثر من 40 في المائة من سكان العالم، ووفق دراسات وإحصاءات دولية يفتقد 2.1 مليار فرد إلى خدمات مياه الشرب المأمونة، ويعاني واحد من كل عشرة أشخاص في العالم من شح المياه. و90% من الكوارث الطبيعية متصلة بالمياه ولا يوجد إطار إداري تعاوني لثلثي أنهار العالم العابرة للحدود السياسية. في حين تستهلك الزراعة 70% من المخزون العالمي للمياه. وإيجاد الحلول المستندة إلى الطبيعة لتلبية تزايد الحاجة للمياه من شأنه إيجاد اقتصاديات متكاملة ، فضلا عن حماية البيئة الطبيعية والحد من التلوث، وكلاهما هدف رئيسي من أهداف التنمية المستدامة التي تلزم العالم بضمان توافر المياه والمرافق الصحية للجميع بحلول عام 2030. وتعتبر عملية إدارة الموارد المائية مهمة جدا في التنمية، ومن هنا يجب وضع قضية المياه من ضمن الأولويات الاستراتيجية في الدول العربية، والسعي في وضع الدراسات العلمية لإدارة تطوير مصادرها ، بالإضافة الى مواكبة التطورات العلمية في طرق ترشيدها واستهلاكها والتعامل معها، ومن المهم أيضا رعاية وتمويل البحوث في طرق التعامل مع مشكلة المياه بشكل أمثل في الوطن العربي، وذلك للوصول إلى توصيف دقيق للعقبات والمشاكل التي تتعلق بالمياه، واقتراح الحلول الملائمة لحلها، وإيجاد بدائل مبتكرة للتعامل معها. فالماء في كوكبنا ليس حكرا على أحد، والاهتمام به أمر دعت إليه جميع الدول ، ومن واجب الكل العمل لحمايته والحفاظ عليه من الهدر والتلوث ، وتوجد الآن آلاف الجمعيات والمؤسسات العامة والخاصة في مختلف مناطق العالم التي تم تأسيسها للحفاظ على الثروة المائية ، وذلك للحفاظ عليه للأجيال القادمة كي نحيا في بيئة آمنة ومتوازنة. ;
مشاركة :