عظيمة أنتِ يا أمي

  • 3/22/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تحية حب واحترام لكل أم في العالم، تحية حب وتقدير لأمي العظيمة التي لولاها لما أصبحت على ما أنا عليه، كل عام وجميع أمهاتنا بخير وسعادة. بسبب انشغال أبي بعمله طوال اليوم اضطرت أمي (حال كثير من الأمهات) إلى أن تصبح الأم والأب معا، فكانت صارمة وقوية يخاف صراحتها الجميع (الأهل والجيران وطبعا نحن أبناؤها)، بالرغم من جمالها الرائع فإن شخصيتها القوية طغت على كل صفاتها الأخرى، علمتنا أن الحياة صعبة وعلى المرأة أن تدافع عن حقها ولا تصبح ضعيفة أمام أي مشكلة، كانت تكره أن ترانا نبكي، سواء من ألم المرض أو ألم غدر الزمن والأصدقاء، وكانت تقول دائما: «خذوا حقكم بأيديكم»، لا تظلموا ولكن لا تسمحوا لأي إنسان أن يظلمكم، فمن يوافق على الظلم يصبح ضعيفا ومكسورا أمام الجميع، فكنت أقول لها أحيانا: حتى في المرض يا أمي لا تريدين أن تتنازلي عن قوتك وتحني على دموعي، فترد بغصة (لم أفهم أنها غصة ألم إلا عندما أصبحت أنا أمًّا): المرض يغلبه الدواء ويقضي عليه أما البكاء فسيزيد منه ويطول فترة عذابه. كنا نعتبرها أمًّا قاسية غير حنونة، متناسين أنها تحمل مسؤولية شقة بالإيجار وثمانية أطفال في مختلف الأعمار يجب أن توفر لهم مستوى اجتماعيا متوسطا جيدا، وتسعى إلى الخروج من هذه الشقة الصغيرة التي نضطر فيها جميعا إلى النوم في حجرة واحدة، كعلبة سردين، إلى بيت كبير يضمنا جميعا نشعر فيه بالعزة والكرامة والأمان من دون تفكير فيمن يدق بابنا ويطلب منا الخروج منها. ربتنا أمي منذ نعومة أظفارنا على أن والدينا مسؤولان عن توفير البيت الملائم، الأكل الجيد والمصاريف الأساسية للمدرسة والعيدين، وغير ذلك من كماليات فهو مسؤوليتنا نحن، لذلك دخلت عالم الجهد والتعب والعمل من سن الـ15 وعملت في الفترة الصيفية في إحدى الوزارات براتب شهري كان يعتبر كثيرا لفتاة مراهقة مثلي، وكان لزاما عليَّ أن أعطي الوالدة جزءا منه (لزاما وليس رغبة؛ لأنها غرست فينا أن كل فرد من العائلة مسؤول عن البيت ما إن يعمل)، وكنا طبعا في البداية في ذلك الوقت نشعر أنها تظلمنا عندما تأخذ جزءا من راتبنا الذي تعبنا فيه طوال شهر كامل، ولكننا مع الوقت تعودنا وأصبحنا نستمتع بالمشاركة في جزء من أعباء البيت. لا أنسى أبدا ذلك اليوم الذي جلست فيه معها وأنا في داخلي مشاعر مختلطة من الألم والغضب والتمرد وأنا أقول لها: ليس من العدل أن أقتطع من راتبي البسيط لأسلمه لكم، ألا تشعرين يا أمي بالشفقة على ابنتكِ التي تتعب طوال شهر كامل ولا تستمتع بالإجازة الصيفية لتستولي على جزء من تعبها؟ فنظرت إليَّ نظرة لن أنساها ما حييت وقالت: وهل من العدل أن أتعب 9 أشهر وأخرجكم إلى الحياة بكل ألم وأصرف عليكم كل فلس يأتي (بفراق زوجي) وعمله الشاق طوال اليوم وهو يعمل في شوارع البحرين من شرقها إلى غربها إلى جنوبها؟ وهل من العدل أن أحرم نفسي من كل متع الحياة لأبني لكم هذا البيت الكبير لتشعروا فيه بالأمان؟ وهل من العدل ألا أنام الليل إلا وأنا أفكر في كيفية توفير احتياجات هذا البيت مع ثمانية أطفال؟ طبعا كان ردي سريعا وصبيانيا بلا نضج وقلت: هذا واجبكِ وليس تفضُّلا أو رغبة، فضحكت وقالت: نعم واجبي أن أعلمكم معنى المسؤولية والواجب. ولن أنسى أبدا أنني في أول محنة تعرضت لها في حياتي وضعت والدتي العظيمة مبلغا وقدره في يدي وقالت: (حلي مشكلتجِ ولا تمدين يدج لأي مخلوق)، هذا المال من تعبك وجهدكِ كنت أجمعه لكِ إلى اليوم الذي أشعر بأنكِ ستحتاجين إليه، لم نكن محتاجين لأموالك ولكنه كان درسا أعلمكم من خلاله معنى المسؤولية وتوفير الأموال، فمهما كان مصدر رزقكم بسيطا تستطيعون من خلاله التوفير لليوم الأسود. كم أنتِ عظيمة ورائعة يا أمي، أحبك وأعشق التراب الذي تحت رجلكِ.

مشاركة :