سيناريوات محتملة لنتائج قمة أميركية - كورية شمالية

  • 3/22/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هناك صعوبة حقيقية تواجه وضع سيناريوات محتملة لما يمكن أن تنتهي إليه قمة «ترامب- أون»، المتوقع لها أن تُعقد في نهاية أيار (مايو) المقبل، ذلك أننا أمام قيادتين سياسيتين مختلفتين: الأولى، وعلى رغم أنها تمثل الدولة الأقوى والأكبر في العالم، والتي تُطرح باعتبارها المثال الأبرز للديموقراطيات الغربية والنموذج الأشهر لدولة المؤسسات، لكن ترامب يميل إلى تهميش دور هذه المؤسسات على نحو نال من درجة «مؤسسية» عملية صنع القرار، وكرس النزعة الفردية «الشخصانية» لتلك العملية. ويُقدم الخلاف الذي نشأ بين ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون، والذي انتهى بإقالة الأخير مثالاً مهماً في هذا السياق، وهو خلاف تجاوز كونه خلافاً في الرؤى بين ترامب وتيلرسون حول قضايا السياسة الخارجية وطريقة إدارتها، ليعكس وجود خلاف عميق بين ترامب ووزارة الخارجية حول موقع ودور كل منهما في صنع السياسة الخارجية الأميركية. وعلى الجانب الآخر، فإن الطبيعة المغلقة لنظام بيونغيانغ وضعف تفاعلاته مع العالم الخارجي، تجعل من الصعب أيضاً التنبؤ بالسلوك الكوري، عموماً، وبالزعيم الكوري كيم جونغ أون، خصوصاً. أضف إلى ذلك الطبيعة المشتركة لترامب وأون، كونهما يتسمان بدرجة كبيرة من الحدة والمزاجية والتقلب السريع، وعدم الثقة في الآخرين، والعمل داخل مجموعة صغيرة مغلقة ينتمي بعضها إلى الأسرة المباشرة. ويزداد صعوبة توقع نتائج هذه القمة في ضوء حال «القطيعة» بين المرحلة التفاوضية المرتقبة التي قد تدشنها هذه القمة في حال نجاحها، من ناحية، وخبرة المفاوضات السداسية السابقة الـــتي استمرت نحو خمس سنوات (2003- 2008)، من ناحية أخرى. فعلى رغم الخبرة المـــــهمة للمفاوضات السداسية، ونجاحها في الوصول إلى اتفاقات مهمة تضمنت إقـــــرار كوريا الشمالية بتفكيك برامجها ومنشـــآتها النووية، مقابل امتيازات محددة، وهي التزامات ظلت قائمة حتى إعلان كوريا انسحابها من هذه المفاوضات في 14 نيسان (أبريل) 2009، إلا أن أياً من الأطراف الستة (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، اليابان، كوريا الجنوبية، كوريا الشمالية) لم يشر من قريب أو بعيد إلى هذه المحادثات أو ما نتج عنها من اتفاقات وبيانات مهمة، الأمر الذي يعني أننا إزاء عملية تفاوضية جديدة تحكمها أهداف وشروط مختلفة. وفضلاً عن المسافة الزمنية بين انهيار المحادثات السداسية والمفاوضات المرتقبة (ما يقرب من عشر سنوات)، شهدت القضية موضوع الصراع تطورات نوعية كبيرة. فمن ناحية، شهد البرنامج النووي الكوري تقدماً كبيراً، عكسه إجراء خمس تجارب نووية منذ إعلان كوريا الشمالية انسحابها من المحادثات السداسية وحتى الآن، بجانب التطور الذي حققه برنامج الصواريخ البعيدة المدى. بعض التقارير والتحليلات تعامل مع سلسلة التجارب النووية والصاروخية، على أنها محاولة من الزعيم كيم جونغ أون لإيجاد حال من «الندّية» مع الولايات المتحدة قبل بدء المفاوضات. لكن هذا التكييف يفتقد إلى قدر كبير من الدقة، فالأمر لا يتعلق بمباراة نفسية، بقدر ما يتعلق بتغير كبير في «الموقف التفاوضي» الراهن لكوريا بالمقارنة بموقفها التفاوضي خلال عامي 2005، 2007 والذي حصلت بموجبه على امتيازات من الأطراف الخمسة الأخرى في إطار المحادثات السداسية (مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف، تطبيع سياسي واقتصادي وأمني شامل مع الولايات المتحدة وحلفائها، معالجة أزمة البرنامج النووي الكوري في إطار إقليمي، حوافر اقتصادية، الانتقال إلى بناء نظام أمني في شمال شرقي آسيا). السؤال الآن: ما هي الأثمان التي ستطلبها بيونغيانغ في ظل «موقف تفاوضي» أفضل بكثير بالمقارنة بموقفها المماثل منذ أكثر من عشر سنوات مضت؟ أخيراً، وفي سياق العوامل التي تجعل من التنبؤ بنتائج القمة أمراً شديد التعقيد، هناك عامل آخر يتعلق بعدم وضوح أهداف بيونغيانغ من العودة المفاجئة إلى مائدة المفاوضات. السؤال المطروح: إذا كان النظام الكوري لجأ إلى بديل تطوير السلاح النووي باعتباره الأداة الوحيدة الفاعلة لردع الهجوم الأميركي المحتمل، وهي القناعة التي تطورت لدى الأب كيم جونغ إيل عقب أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، وما أعقبها من ضم كوريا الشمالية إلى «محور الشر»، ثم الغزو الأميركي للعراق، وهي قناعة لم يتخل عنها الابن كيم جونغ أون، مع توالي التدريبات العسكرية الأميركية المشتركة مع حلفائها بالقرب من السواحل الكورية، إذاً لماذا يلجأ «أون» إلى القبول بنزع سلاحه النووي بعد أن وصل إلى مستوى لا يمكن تجاهله من»الردع»؟ القبول ببديل نزع السلاح النووي أمر يتناقض مع نظرية «الردع النووي»، حيث يصبح المطروح في الأغلب هو التخفيض المتبادل في حجم الأسلحة الاستراتيجية، وفقاً للخبرة الأميركية السوفياتية، ثم الخبرة الأميركية - الروسية لاحقاً (معاهدة ستارت-1 الموقّعة في تموز- يوليو 1991، ثم ستارت-2 الموقعة في نيسان- أبريل 2010). هذا السؤال يفتح المجال أمام تفسير مختلف لقبول بيونغيانغ العودة إلى المفاوضات مرة أخرى، ليس بهدف مقايضة بقاء النظام والمكاسب الاقتصادية ببرنامجها النووي، ولكن بهدف كسب المزيد من الوقت، في شكل يضمن الخروج من الأزمة الراهنة، والحصول على مكاسب وقتية قد تتضمن تخفيف حزمة العقوبات الاقتصادية والمالية القائمة والتي وصلت إلى مستوى متقدم بعد أن طاولت قطاعات شديدة الحساسية مثل الفحم. بمعنى آخر، فإننا هنا لسنا إزاء قرار استراتيجي كوري بإنهاء أزمة برنامج النووي عبر التفكيك النهائي، بقدر ما قد نكون أمام عملية تكتيكية الهدف منها كسب وقت إضافي تمهيداً لجولة أخيرة من معركة فرض «كوريا النووية» كأمر واقع. ويعضد من هذا التحليل إدراك كوريا الشمالية الصعوبات السياسية التي تواجه الوصول إلى اتفاق في شأن برنامجها النووي، والتعقيدات الفنية التي تواجه تطبيق أي اتفاق يمكن التوصل إليه، على نحو ما كشفت عنه خبرة الفشل في تنفيذ بياني أيلول (سبتمبر) 2005، وشباط (فبراير) 2007. استناداً إلى التحليل السابق، نطرح هنا سيناريوين محتملين لنتائج القمة المرتقبة. السيناريو الأول، هو فشل هذه القمة. فحتى مع توافق الطرفين على الأهداف النهائية (التفكيك الكامل والنهائي للبرنامج النووي الكوري مقابل امتيازات سياسية وأمنية واقتصادية)، من المتوقع أن يحدث خلاف شديد بشأن مسألتين: الأولى، طبيعة الأثمان التي ستطلبها كوريا الشمالية، والتي يتوقع أن تتجاوز السقف الذي تم إقراره في أيلول 2005، وذلك بالنظر إلى تحسن الموقف التفاوضي الكوري، على نحو ما أشير إليه. الثانية، تتعلق بشروط الوصول إلى هذا الهدف النهائي، خصوصاً الجداول الزمنية، بمعنى: من يأتي أولاً؟ التفكيك الكامل والنهائي (الذي يمكن التحقق منه) أم الامتيازات المتوقع تقديمها إلى كوريا الشمالية؟ أم سيتم ذلك من خلال التزامات مرحلية متبادلة؟ وتأتي خطورة هذه المشكلة في ظل أزمة الثقة بين الجانبين، وكون هذه المفاوضات ليست امتداداً للمرحلة التفاوضية السابقة، فضلاً عن عدم وضوح دور الأطراف الأخرى (الصين وروسيا)، فأحد العوامل الأساسية التي ساعدت المباحثات السداسية على الوصول لاتفاقات محددة هو وجود أطراف ثالثة مارست ضغوطاً على كوريا الشمالية للقبول بهذه الاتفاقات وطرحها صيغاً توافقية، لكن ليس واضحاً حتى الآن دور هذه الأطراف في العملية التفاوضية المتوقع استئنافها، وإن كانت سياقات قرار العودة إلى المفاوضات تشير إلى تراجع دور هذه الأطراف (المطروح حتى الآن هو صيغة مفاوضات ثنائية). ورغم الدور الكوري الجنوبي المهم في تشجيع طرفي الصراع على القبول بالعودة إلى المفاوضات، إلا أنه لا يمكن مقارنة هذا الدور بنظيره الصيني خلال المباحثات السداسية. السيناريو الثاني، هو وصول الأطراف إلى اتفاق مرحلي مماثل للاتفاق النووي الإيراني، بمعنى تجميد البرنامج النووي الكوري لمدة عشر سنوات (مثلاً)، مقابل حصولها على امتيازات محددة. فرغم معارضة ترامب للاتفاق الإيراني، لكن ربما يكون هذا النموذج مقبولاً في حال كوريا الشمالية لأسباب تتعلق بتعقيدات هذه الحال، ووصولها إلى مستويات متقدمة تجيز القبول بهذه الصيغة. أضف إلى ذلك رغبة ترامب في تحقيق اختراق ما في ما يتعلق بالحالة الكورية بعدما تحول التهديد الكوري من تهديد إقليمي إلى تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي. مثل هذه الصيغة سيكون مقبولاً جداً من جانب بيونغيانغ، لكونه لا يعني إنهاء البرنامج النووي.

مشاركة :