لقد مر العام الذي تم خلاله اختيار الأقصر عاصمة للثقافة العربية، خفيفا هادئا، شعرنا بما قدم به من فعاليات ثقافية أحيانا، ولم نشعر به أغلب الوقت".. بهذه الكلمات البسيطة عبر الشاعر الأقصري حسين القباحي، خلال الأمسية الشعرية التي عقدت ضمن فعاليات ختام الأقصر عاصمة الثقافة العربية، عن خيبة أمل أهالي هذه المدينة المقدسة على مر التاريخ في إدارة هذا الملف. فقد انتهى العام دون أن تستفيد منه مصر بالشكل المطلوب، ودون أن يتم توظيفه بالشكل الأمثل، وجاءت أغلب الفعاليات طوال العام باهتة غير مؤثرة، على عكس فعاليات الختام التي جاءت متدفقة أخاذة مدروسة متنوعة تعكس حجم وعمق الثقافات المصرية المتعددة للمحافظات المختلفة، فقد تنوعت الفعاليات لنراها في صورة مواكب نيلية وفنون شعبية ومواكب راقصة تجسد استعراض "الاقصر بلدنا" بالحناطير علي الكورنيش، فضلا عن أمسية شعرية ضمت الشاعر المصري الكبير أحمد عبد المعطى حجازي مع ادباء وشعراء المغرب، بالإضافة الى حفلات فنية بدأت بالفنانة ريهام عبد الحكيم مع فرقة الموسيقي العربية بالاقصر مرورا بالمطربة المغربية سمية القادري، وانتهاءا بالمطرب الكبير محمد منير الذي أشعل الأقصر في ليلة حافلة أعادته الى جمهوره الذي انقطع عنه سنوات طويلة. أربعة أيام متواصلة من الفعاليات الفنية والثقافية، ظهر خلالها بوضوح استخدام مصر لقواها الثقافية وتوظيفها بشكل جيد، حيث أقيمت الفعاليات في عدة مواقع بمدن وقري المحافظة وأمام المواقع التاريخية والأثرية في تظاهرة ثقافية أشرفت عليها وزارة الثقافة بمختلف قطاعتها بالتعاون مع محافظ الاقصر محمد بدر. نجحت وزارة الثقافة، في بث رسالة من بلاد طيبة، للعالم أجمع، أكدت خلالها، أن قوة المصريين، تكمن في ثقافتهم، وفنونهم، وحضارتهم، وتجلى ذلك أمام جدران معبد الكرنك الذي شهد صورة حضارية تجسدت في استمتاع 60 ألف مشاهد من أبناء وضيوف مدينة الأقصر، حيث أُسدل الستار، على فعاليات الاحتفالات باختيار الاقصر عاصمة الثقافة العربية، وودعت مدينة الشمس، شعلة الثقافة العربية، بعد أن استقرت بها 12 شهرًا متصلة، لتنتقل إلى مدينة وجدة المغربية، وسلمتها الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، إلى نظيرها المغربي، محمد الأعرج. وفيما يلي نستعرض أهم الأحداث الثقافية والفنية التي وقعت خلال فعاليات ختام الأقصر عاصمة للثقافة العربية قالت الدكتورة إيناس عبدالدايم وزير الثقافة، في تصريحات خاصة، على هامش احتفالات ختام فعاليات الأقصر عاصمة الثقافة العربية: كان لابد من تقديم فعاليات فنية وثقافية قوية تتناسب مع قوة مصر الثقافية، ولذا تم إعداد برنامج مميز لمدة أربعة أيام بدأ تنفيذه اليوم ويستمر حتى الأحد الموافق ١٨ مارس الجاري، حيث يتسلم وزير الثقافة المغربي الشعلة ليبدأ عام مدينة وجدة كعاصمة للثقافة العربية. وأضافت عبدالدايم: نحاول خلال هذه الفترة أن نستعيد ريادتنا الثقافية والفنية، بحيث نقول للعالم كله أن مصر بخير، كما أن هذه الفعاليات يمكن أن تدعم حالة الحراك السياحي الذي بدأ يدب في أوصال هذه المدينة الأثرية المهمة، مؤكدة أن مصر سيكون لها نشاط واضح في مدينة وجدة المغربية عاصمة الثقافة العربية في ٢٠١٨. وتابعت عبدالدايم: شهدنا يوم ١٨ مارس الجاري، تسليم شعلة العاصمة العربية الثقافية إلى وزير المغرب الشقيق، ومن المقرر أن تفتتح مصر الاحتفال بمدينة وجدة المغربية كعاصمة للثقافة العربية، في شهر إبريل المقبل، من خلال أسبوع ثقافي مصري سيتم خلاله تقديم الكثير من الحفلات الفنية والغنائية وإقامة عدد من المعارض والأنشطة الثقافية المختلفة. تخلى الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، عن دبلوماسيته المعهودة، وفتح النار على الكثير من السلبيات التي اعتبرها معوقة للحرب على الإرهاب التي تخوضها مصر في هذه الفترة، وكذلك تمنع مصر من استعادة دورها ومكانتها الثقافية المعهودة، مطالبا بضرورة دراسة الأسباب والعوامل التي تمنع مصر من تصدر المشهد الثقافي كما كان الوضع في العقود الأولى من القرن الماضي. وقال حجازي في تصريحات خاصة لـ "البوابة" على هامش مشاركته في فعاليات الأقصر عاصمة الثقافة العربية: إننا في أمس الحاجة إلى الثقافة وهى في أمس الحاجة إلينا في الوقت الراهن، لأن الأوضاع الثقافية التي ورثناها أدت إلى ما نحن فيه، ومن يدرس أوضاعنا في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، سيكتشف أننا تأخرنا كثيرا، لذلك علينا أن نبحث عن الأسباب التي أدت إلى تراجع النشاط الثقافي المصري، وأن نعالج هذه الأسباب وأن نضع حلولا وأن نصحح الأخطاء التي نقع فيها وألا نكتفي بالفعاليات التي نقيمها في المناسبات المختلفة فإنها لا تصنع الثقافة ولكن النشاط الدائم هو الذي يصنعها، وذلك من خلال مراجعة ومحاسبة النفس ومقابلة النقد وعدم الضيق بالملحوظات والعمل على تشجيع الأجيال الجديدة بالإضافة إلى معرفة حق الأجيال السابقة. وأضاف حجازي: الثقافة لا تنشط ولا تنهض إلا من خلال وسائل وأدوات وأجهزة ومنابر، ولابد من مراجعة وضع المسرح الآن وما كان عليه من قبل، وأيضا السينما والنشر والأدب والشعر والرواية والنثر إلى آخره ومعرفة أسباب تراجع ومعالجة هذه الأسباب. وأكمل حجازي: إننا في أشد الاحتياج إلى الثقافة في صراعنا مع الإرهاب ولكننا نردد هذا الشعار كما نردد الحديث عن تجديد الخطاب الديني، وفي نفس الوقت نترك العابثين بالخطاب الديني مثل السلفيين وغيرهم بكامل حريتهم حتى أنهم يؤسسون الأحزاب السياسية، ويستخدمون أجهزة الإعلام ويعملون بكل حرية، رغم أنهم خطر علينا لا يقل عن الإرهابيين، بينما لا يقوم الازهر الشريف بواجبة حتى الآن. وطالب حجازي الدولة بأن تكون جادة في محاربة الإرهاب بوسائلها، مشيرا إلى أن لديها الكثير من الوسائل الناجعة التي لم تستخدمها بعد، قائلا: الحرب على الإرهاب ليس فقط حملا للسلاح فقط، وإنما مواجهة للفكر، فقبل أن يحمل الإرهابي سلاحه يجلس أمام من يلقنه ما يؤمن به ويجعله يحمل السلاح عن قناعة، ومن هنا يجب علينا ان نبدأ من النقطة التي يتم فيها تصنيع الإرهابيين، بدلا من أن نواجه الإرهابيين، فنحن الآن نواجهه ولكن ندفع الكثير من الأرواح التي تسقط من هؤلاء الشهداء الذين يسقطون في الساحة، فلا بد أن نقلل من خسائرنا وذلك بالمواجهة الفكرية للإرهاب، فلا يجب خلط الدين بالسياسة وكل شيء قائم على المواطنة وليس على الدين، فالدين في المسجد والكنيسة والقلب وليس في السياسة ولا أحد يستغل الدين لأنه في هذه الحالة يعتبر تجارة تؤدي إلى الوضع الذي ما نحن فيه الآن. وأوضح حجازي، أن علاقة المثقف بالدولة سيئة للغاية منذ أكثر من ستة عقود مضت، فلا مكان له في الحياة العامة، وإنما يتم استغلاله وعندما يرفض أو ينتقد أو يعلن رأيه أو طالب بحريته يُلقى به داخل السجن أو النفي ويضطر إلى السكوت أو النفاق، مؤكدا أن الثقافة المصرية تعاني منذ 60 عاما السابقة على الأقل وهذا الوضع الذي تعانيه الآن يعود إلى خمسينات وستينات القرن الماضي، وكانت الثقافة لاتزال مزدهرة بوجود كبار المبدعين مثل طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وعبدالوهاب، وأم كلثوم، ويوسف وهبي إلى آخره. كما أشاد حجازي، بالعرض المسرحي المغربي "خريف" بأنه أفضل ما قدمه المغاربة في المسرح، فهم قدموا شيئا غير معروض، لأن المسرح هنا اشبه بالمسرح الشامل الذي يجمع بين التمثيل والرقص والحركة التي استخدمت على خشبة المسرح، بالإضافة إلى استخدام العامية والفصحى في الحوار وهذا عملا جيدا في المسرح عامة وفي المسرح العربي خاصة، فنحن لا نشاهد شيئا مثل هذا من قبل. قالت الفنانة المغربية فريدة بوعزاوي: إن العرض المسرحي "خريف" لفرقة أنفاس المسرح يتناول قصة امرأة مصابة بمرض السرطان وتسرد معايشتها ومعاناتها وصراعها مع هذا المرض وكذلك العلاقة المعقدة بينها وبين زوجها بعد إصابتها بالمرض والتخلي عنها، وتفاصيل يومياتها الحزينة، من تأليف فاطمة هوري وإخراج أسماء هوري، ويضم مجموعة من الفنانين المغاربة. وأضافت فريدة، أن المسرح المغربي له عدة تجارب هامة ونال العرض العديد من الجوائز منها جائزة أحسن عمل من مهرجان وطني للمسرح في 2016، وبالإضافة إلى جائزة الشيخ سلطان القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي في الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي التي اقيمت في الجزائر عام 2016. وأكدت فريدة، أن هذا الدور احتاج إلى مجهود كبير للوقوف طويلا على خشبة المسرح، كما لعبت الموسيقى التصويرية دورا هاما داخل العرض فهى عنصر أساسي من عناصر تكوين العرض المسرحي، بالإضافة إلى الحرص الشديد على اختيار نوع من الموسيقى الحية للعرض وذلك من خلال آلة العود فبدورها تعد شيئا أساسيا داخل العمل. وأوضحت فريدة، أن العرض قدم باللغة العربية، إلا أنها تخوفت كثيرا أن العرض لا يلقى قبولا جماهيريا على عكس ما حدث ولاقى صدى كبيرا من قبل الجمهور العاشق لفن المسرح، فهذا العمل شديد القسوة ودرامي والجمهور المصري يتذوق جميع الفنون ويتفهم المشهد جيدا لأنه على قدر من الوعي بالحركة المسرحية، مؤكدا أن عرض تناول في عدة بلدان منها تونس ومصر وغيرها. حازت الحفلة التي قدمتها المطربة المغربية الكبيرة سميرة القادري، على إعجاب الجمهور، ونالت رضا أهالي مدينة الأقصر، حيث قدمت الكثير من الأعمال الفنية التي تتضمن المقامات الأندلسية، وأعمال أخرى ذات طابع غربي، وفي هذا الإطار قالت القادري في تصريحات خاصة: تختلف المدارس الموسيقية فى مختلف بلدان العالم والموسيقى والطرب يلعبا دورا كبيرا على توحيد الروح والعلاقات، وتحقيق النجاح، فنحن قريبين أكثر من أوروبا، مطالبة فناني الوطن العربي التمسك بموروثنا الفني والثقافي وبمعالجة لا تقوم على التزييف للفن من خلال المدرسة الشرقية والتراثية والغربية والحفاظ على الموروث الفني، فكل الموسيقى واحدة بهوية مختلفة. وأكدت سميرة، أن مصر دائما مسبقة وحاضرة بالفن، يحملون رسالة من الجمال والابداع بهذا الحضور الكبير من الجمهور، فالغرب يأخذ الكثير من العرب والعالم العربي يحتوى على العديد من المدارس الفنية، فمصر دائما تلقى انتشارا من الإبداع على يد محموعة كبيرة من العمالقة الفنانين المصريينز وطالبت القادري، بتسليط الضوء على تجارب المغربية، ولكنها للأسف لا تلقى قبولا، فنحن نمتلك تراث ضخم عميق لمدارس مختلفة من الفن، مشيرة إلى موسيقى الفنان عمر خيرت الذي يستمع إليه الكثير من دول العالم، مهنئة المصريين على اختيار الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة للثقافة، معربة عن سعادتها وكل زملائها الفنانين عند تلقيهم هذا الخبر فهذا شرف لنا كنساء فنانات مبدعات. أعرب الشاعر المغربي نبيل منصر، عن سعادته في المشاركة في فعاليات الأقصر عاصمة الثقافة العربية المليئة بالفنون والشعر والأدب والنثر والمسرح والسينما وغيرها، فتلك المدينة التي تحتوى على تاريخ عريق وذلك من خلال نيل شرف المشاركة في أحد الأمسيات الشعرية لإلقاء الشعر بتلك المدينة التي تحمل الكثير من عباقرة التاريخ وروح مصر، مؤكدا أن الوقوف بجانب الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازي لإلقاء الشعر فهذا يمثل لنا مجد كبير، والاقتراب من إنسان مصري يضفى كثيرا من الحميم على اللقاء الشعري والكثير من المحبة، فنحن نستلم المشعل من الأقصر إلى المغرب هذا العام ليدل على امتداد الجسور القديمة والحاضر المتواصلة ستبقى ممتده إلى الأبد، مؤكدا أن جسر الثقافة من أهم الجسور التي نحرص على بنائها دائما، لأنها تبني الإنسان وتملأه بالمحبة وبقيم التسامح والصدق بكل شيء جميل وثمين. وأضاف نبيل، أن العلاقات الثقافية بين مصر والمغرب كانت قائمة دائما، وذلك من خلال المشاركة من منابر ثقافية كبيرة بالإضافة إلى المشاركة بمجلة إبداع ومجلات أخرى عديدة، فمصر حاضنة ثقافية ونحن تربينا على الثقافة المصرية بداية من الرواية والشعر والمفكرين في مجال الفكر والفلسفة وأيضا الترجمات الكبرى مثل عبدالرحمن بدوي وغيرها، فهذا تاريخ كبير من الإبداع والعطاء، بالإضافة إلى الأغنية المصرية والسينما والمسرح فنحن استفادنا كثيرا من الثقافة المصرية، والتي جعلتنا نتمكن من خلق الحوار بين المشرق والمغرب، ونحن أقرب إلى أوروبا في تأثير الثقافة الفرنسية والاسبانية فتعطينا فضاء الثقافة المتوسطة لزرع قيم التسامح والمحبة. كانت الفنون التشكيلية، حاضرة في ختام فعاليات الأقصر عاصمة للثقافة العربية، وذلك من خلال معرض عربي ضم دولا عربية كثيرة شارك فنانوها بأعمال مختلفة، تجسد في أغلبها مفهوم الوطنية أو تلقي الضوء على معاناة بعض الشعوب العربية. قال الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية: إن قطاع الفنون التشكيلية شارك في ختام الأقصر عاصمة الثقافة العربية بمعرض هام جدا يتمتع بمفهوم خاص، ليضم مجموعة نماذج من الفنانين بمختلف الدول العربية، وذلك من خلال لوحاتهم وتعبيراتهم الفنية عن الأقصر أو الثقافة العربية بوجه عام، مؤكدا أن المعرض يركز على الأعمال التي تتناول الأقصر ولا تقتصر على اسم فنان بعينه، والتي تعتمد على مفهوم المعرض ذاته. وأكد سرور، أن البعض أجمع على العمل السوري الذي يتناول مجموعة من الأطفال الذين يعبرون عن الأوضاع التي تمر بها سوريا الآن ويعبر عن أحوالهم وما يتعرضون له، واستخدم الفنان بهذه اللوحة نسبة كبيرة من اللون الأبيض الذي يعطيه نظرة أمل بعودة بلاده مرة أخرى وهو من وجهة نظر الفنان. كما تحتوي لوحة اليمن على استخدام اللون الأحمر كخلفية وأرضية للوحة، وهذا ما يدل على استخدام الزي الرسمي بالنسبة لهم وذلك دليلا على موروثهم الشعبي لتلك المنطقة، والجديد بهذه اللوحة هو التكوين من منظور عين الطائر من أعلى، وأيضا على جرأة الفنان في استخدامه واختياره للألوان بفكرة جيدة وبصورة مغيرة، مؤكدا أننا حاولنا التنوع بين مجالات الفن التشكيلي المختلفة بين الرسم بالزيت والاكريلك والحفر ورسم إلى آخره.
مشاركة :