حرستا (سوريا) (أ ف ب) - ينتظر مقاتلون ومدنيون الخميس إجلاءهم من مدينة حرستا في الغوطة الشرقية إثر اتفاق هو الأول من نوعه منذ بدء قوات النظام السوري قبل شهر تصعيدها العسكري لاستعادة هذه المنطقة المحاصرة والتي تشكل آخر معقل لمقاتلي المعارضة قرب دمشق. ويأتي التوصل الى الاتفاق الذي أعلنت عنه حركة أحرار الشام الأربعاء، بموجب مفاوضات تمت بين الفصيل المعارض وروسيا. وكان من المفترض أن تبدأ عملية الإجلاء عند الساعة السابعة صباحاً (05,00 ت غ)، لكنها تأخرت. وهو ما يحصل عادة في عمليات الإجلاء التي شهدتها مناطق عدة كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة طوال سنوات النزاع. عند أطراف حرستا، شاهد مراسل لوكالة فرانس برس في باحة تجمع فيها الصحافيون، عدداً من الجنود الروس والسوريين والدبابات وسيارات الاسعاف. ودخلت قبل قليل ثلاث سيارات للهلال الأحمر السوري وسيارات إسعاف و15 حافلة فارغة باتجاه داخل مدينة حرستا بإشراف الشرطة العسكرية الروسية، بحسب مراسل فرانس برس. وكان في الامكان صباحا رؤية عشرات الحافلات البيضاء المتوقفة على جانب الطريق المؤدي من دمشق إلى حرستا. وقال المتحدث باسم حركة احرار الشام في الغوطة الشرقية منذر فارس لوكالة فرانس برس الخميس "العملية لم تبدأ بعد"، مرجحاً أن تتم على دفعات وان تستغرق أياما. وردا على سؤال حول الاسباب التي دفعت الى إبرام الاتفاق، قال رئيس المجلس المحلي لحرستا حسام البيروتي لوكالة فرانس برس "حرستا حوصرت من دون مقومات طبية ولا إغاثية، تدمرت بالكامل وأحوال الناس باتت في الويل". وأضاف "خلال الأسبوع الأخير، لم تجد خمسون في المئة من العائلات ما تأكله، وانتشر الجرب والمرض في الأقبية، وبالإضافة إلى ذلك كانت الصواريخ تطال حتى الأقبية، حوالى خمس مجازر حصلت في الأقبية". وتشن قوات النظام منذ 18 شباط/فبراير هجوما عنيفا على الغوطة الشرقية، بدأ بقصف عنيف ترافق لاحقاً مع هجوم بري تمكنت خلاله من السيطرة على أكثر من ثمانين في المئة من هذه المنطقة التي تتعرض منذ 2012 لقصف جوي منتظم تسبب بمقتل الآلاف. فيما تسبب الحصار المستمر منذ حوالى خمس سنوات بنقص فادح في المواد الطبية والغذائية. وأفيد عن وفيات بسبب سوء التغذية. وقال الباحث في مركز عمران للدراسات نوار اوليفر لوكالة فرانس برس إن حركة أحرار الشام لم تتمكن خلال المفاوضات "من فرض أي من شروطها، لكن روسيا قالت لهم: هذا هو الموجود، إن كنتم لا تريدون، تُستكمل العملية العسكرية". ومع تقدمها في الغوطة، تمكنت قوات النظام من تقطيع اوصالها إلى ثلاثة جيوب منفصلة هي دوما شمالاً تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام، وبلدات جنوبية يسيطر عليها فصيل فيلق الرحمن بالاضافة الى حرستا التي تسيطر حركة أحرار الشام على الجزء الأكبر منها. ويقضي الاتفاق، بحسب حركة أحرار الشام، بخروج المقاتلين بسلاحهم مع أفراد من عائلاتهم ومن يرغب من المدنيين. ومن المفترض أن يخرج "1600 مقاتل وأكثر من ستة آلاف مدني من عائلاتهم إلى شمال سوريا"، وفق ما قال عضو في لجنة المصالحة المعنية متابعة ملف التسويات في ريف دمشق. وكان وزير المصالحة السوري علي حيدر أوضح لفرانس برس الأربعاء أن "مركز المصالحة الروسي تولى اجراء الاتصالات مع مسلحي حركة أحرار الشام" من دون تدخل مباشر من دمشق. وخلال سنوات النزاع، شهدت مناطق سورية عدة بينها مدن وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية إثر حصار وهجوم عنيف. وعادة ما تشكل محافظة ادلب في شمال غرب سوريا وجهة لهؤلاء، وهي الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) مع تواجد لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام. - استمرار القصف - وتعرضت بلدات القطاع الجنوبي من الغوطة لغارات عنيفة ليلاً وصباح الخميس. وأسفرت الحملة العسكرية منذ شهر حتى الآن عن مقتل أكثر من 1530 مدنياً بينهم 300 طفل على الأقل، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وفتحت قوات النظام قبل فترة ثلاثة معابر لخروج المدنيين الراغبين من الغوطة الشرقية، هي حرستا ومخيم الوافدين قرب دوما وحمورية جنوباً. ودفع القصف والمعارك أكثر من سبعين ألف مدني للنزوح منذ 15 آذار/مارس باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام. وعبر معبر الوافدين، غادر المئات صباح الخميس مدينة دوما، وفق المرصد. وهي "أول حركة نزوح" من هذه المدينة. ويبدو واضحا انه لم يعد أمام سكان الغوطة من خيار سوى الخروج من المنطقة. وأفاد مصدر محلي في دوما، كبرى مدن المنطقة، ان "مفاوضات تجري حاليا بين وفد من المدينة مع الجانب الروسي" بهدف التوصل الى اتفاق حول مستقبلها. وتوجه نازحو الغوطة الشرقية الى مراكز إيواء أنشأتها الحكومة في ريف دمشق، وصفت الأمم المتحدة الوضع فيها بـ"المأساوي"، وطالبت بإعادتهم إلى منازلهم او عدم إخراجهم منها. وقال الممثل المقيم لأنشطة الأمم المتحدة في سوريا علي الزعتري لفرانس برس الأربعاء "لو كنت مواطناً لما قبلت بأن أبقى في (مركز إيواء) عدرا لخمس دقائق بسبب الوضع المأسوي"، مضيفاً "صحيح أن الناس هربوا من قتال وخوف وعدم أمن، لكنهم ألقوا بانفسهم في مكان لا يجدون فيه مكاناً للاستحمام". ويُذكّر ما يحصل في الغوطة الشرقية بمعركة مدينة حلب في نهاية العام 2016، عندما حاصرت قوات النظام أحياءها الشرقية قبل أن تشن هجوماً برياً دفع آلاف المدنيين إلى الفرار الى مناطق سيطرة النظام غرباً. وانتهت المعركة بإجلاء آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين الباقين إلى مناطق تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في شمال غرب سوريا.ماهر المونس مع ربى الحسيني في بيروت © 2018 AFP
مشاركة :