اعتقال صحافيين، حجب مواقع إلكترونية، فرض مضايقات على تحركات الإعلاميين... السلطات المصرية وضعت الصحافة المحلية والدولية تحت المجهر، وراقبت نشاطها عن قرب لا سيما في الفترة الأخيرة، والبلاد مقبلة على انتخابات رئاسية (26 إلى 28 آذار/مارس) نتائجها محسومة مسبقا. منذ تولي عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر في أيار/مايو 2014، عرف المشهد الإعلامي تحولات كبيرة، لا سيما في ظل التهديدات الإرهابية ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي يتوقع أن يفوز فيها عبد الفتاح السيسي بولاية ثانية. كما عرفت الساحة تدريجيا ظهور "أذرع إعلامية" وانتشار ما يسمى "المال المخابراتي"، وصولا إلى ترسانة قضائية حكمت قبضتها على الصحافة والصحافيين. وقد حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه في الفاتح من آذار/مارس وسائل الإعلام من السماح بـ "الإساءة للجيش"، معتبرا أن ذلك ليس "حرية رأي" وإنما يوازي "الخيانة العظمى" في وقت تشن فيه القوات المصرية عملية واسعة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" لا سيما في سيناء. صناعة "الأذرع الإعلامية" ومنذ عزل الجيش للرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 بعد احتجاجات شعبية بلغت ذروتها في 30 يونيو/حزيران، توجه أصابع الاتهام إلى نظام السيسي بانتظام لتشير إلى تضييق الخناق على المعارضين وقمع أصواتهم تزامنا مع استهداف وسائل الإعلام، فيما بلغت الحملة الانتخابية التي انطلقت في 24 شباط/فبراير أوجها في ظل تواجد شبه دائم للسيسي وانعدام أي منافسة حقيقية. للمزيد: مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يندد بالأجواء في مصر قبل الانتخابات ومرت العلاقة بين الصحافة والسلطة في مصر بمحاولات "استغواء"، حيث يقول فؤاد، وهو صحافي وكاتب فضل التحفظ على هويته الحقيقية، لفرانس 24: "غالبا ما كان هناك تصور أن الإعلام جزء من الثغرة التي أدت إلى 25 يناير" (2011) التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. ويتابع فؤاد: "هناك وعي عبر عنه الرئيس السيسي خلال لقاء خاص مع الضباط قائلا: محتاجين نعمل لنا أذرع إعلامية". ويضيف: "مرحلة البحث عن أذرع كانت واسعة وفضفاضة واستخدمت عدة وسائل مثل الترغيب والتحالف، باعتبار أن الإعلام ساهم إلى حد الشراكة (مع النظام) في (احتجاجات) 30 يوينو، فهناك مذيع شهير (توفيق عكاشة) صنع فيلما على قناته (الفراعين، تحت عنوان الرجلان) مشيرا إلى أن ما يسمى ثورة 30 يونيو من صنعه هو والسيسي". "سجن كبير للصحافيين" وصنفت مصر في المرتبة الـ 161من أصل 180 دولةفي الترتيب العالمي لحرية الصحافة خلال سنة 2017الذي أعدته منظمة "مراسلون بلا حدود".ويوجد 29 صحافيا مسجونا في مصر، بحسب ما قالت المنظمة نفسها في وقت سابق. للمزيد: أحزاب سياسية تطلق مبادرة "مصر أولا.. إنزل شارك" لحث الناخبين على المشاركة بالرئاسيات وأعربت "مراسلون بلا حدود" عن قلقها على حرية الإعلام في مصر بعد مرور سبع سنوات على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وأكدت أن البلاد تحولت "إلى إحدى أكبر السجون للصحافيين في العالم". وأشارت المنظمة إلى أن عشرة صحافيين قتلوا منذ الثورة و"فشلت السلطات" في "التحقيق الجدي" للكشف عن المسؤولين. وتابعت "مراسلون بلا حدود" أن حكومة السيسي تستهدف منذ 2013 الصحافيين الذين يشتبه بأنهم مقربون من "الإخوان المسلمون"، وأن العديد يقبعون في السجون دون محاكمة في حين تهدد الآخرين عقوبات السجن المؤبد في محاكمات جماعية "جائرة". وخلال حوار أجرته فرانس24 معه في أكتوبر/تشرين الأول 2017 وردا على سؤال حول المعتقلين السياسيين التي تتحدث منظمات حقوقية عن وجود الآلاف منهم في السجون المصرية، قال السيسي: "لا وجود لمعتقلين سياسيين في مصر"، و"لا يوجد لدينا سجناء سياسيون" مؤكدا أنه في مصر "هنالك إجراءات قضائية حقيقية يتم من خلالها مراعاة كافة الإجراءات القانونية طبقا للقانون المصري". من جهتها، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها العالمي 2017 إن مصر "أمرت بحظر سفر وتجميد أموال منظمات حقوقية بارزة ومديريها، ووجهت اتهامات جنائية إلى نقيب الصحافيين وأكبر مسؤول معني بمكافحة الفساد". وحكم على نقيب الصحافيين المصري السابق يحيى قلاش بالسجن مع إيقاف التنفيذ. للمزيد: سامي عنان كان "سيخوض معركة موت" أما نقيب الصحافيين الحالي، عبد المحسن سلامة، فقد صرح في لقاء نظمته النقابة في الإسكندرية حسب ما جاء في موقع "اليوم السابع" في 1 مارس/آذار أن "الرئيس السيسي يؤكد دائما على أهمية التكامل بين مؤسسات الدولة فى ظل الظروف الحرجة التي نمر بها جميعا، مؤكدا على أن العلاقات بين النقابة والدولة عادت لقوتها وهى علاقة شراكة من خلال القوانين المنظمة، حيث سيتم إحالة القضايا الخاصة بالصحفيين للبت فيها من خلال لجنة التحقيق والتأديب بالنقابة ثم تحال إلى القضاء". ضباط سابقون لديهم ولاء مباشر للمجموعة الحاكمة وبحسب هذا الصحافي والكاتب، فبالتوازي مع "صناعة الأذرع" عبر "ضباط اتصال" أشار إليها سابقا، "كانت هناك عمليه إعادة هيكلة لملكية وسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية، وعبر تسرب أموال أغلبها إماراتية كانت سباقة وداعمة لشراء قنوات باستخدام واجهات مصرية، ثم تجمعت هذه الأموال لتساهم في تأسيس شركات يملكها ويديرها ضباط سابقون لديهم ولاء مباشر للمجموعة الحاكمة، وكانت ذروة هذه المرحلة هي ظهور شبك d mc التي لم يخف مؤسسوها في كواليس التأسيس أنها تنتمي إلي المخابرات الحربية". وعقب هذه المرحلة، ظهرت شركة "إيجل كابيتال" التي اشترت شركة "إعلام المصريين"، مع العلم، كما يؤكد فؤاد أن "صندوقا خاصا بجهاز سيادي (المخابرات العامة) يملك أكثر من 40 ٪ من أسهمه". للمزيد: الرئيس السيسي يقدم كشف حساب للشعب عن فترة رئاسته الأولى ويؤكد الصحافي أن "ظهور شركة "إيجل كابيتال" كان إعلانا عن ملكية أجهزة المخابرات لشركات الإعلام خاصة أن الشركة استحوذت على أكثر من وسيلة ومعها عدة شركات تملك قنوات وصحف ومواقع أخرى، وذلك مقابل مبالغ خرافية، أكبر من قيمة هذه الكيانات، بما يمثل سؤالا غامضا حول مستقبل هذه الشركات الخاسرة من حيث العائد المالي". إلى جانب ذلك، تم إقرار قانون مكافحة الإرهاب في مصر في آب/أغسطس 2015 يفرض على الصحافيين الالتزام بالرواية "الرسمية عند تغطية الهجمات باسم الأمن الوطني" حسب ما ذكرت "مراسلون بلا حدود". كما تم سن "قانون تنظيم الصحافة والإعلام" في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2016 ويثير هذا القانون مخاوف من أن تسلط السلطة التنفيذية مراقبة مكثفة على الصحافة والإعلام. وفرضت قيودا على دخول الصحافيين والحقوقيين إلى جزء كبير من مناطق سيناء. لكن بعد أن صدرت أنباء من منظمة العفو الدولية عن استخدام الجيش المصري لقنابل عنقودية، أقر السيسي في خطابه بالفاتح من مارس/آذار بأن السلطات يتعين عليها أن تسمح للإعلام بالذهاب إلى سيناء وإلى الجبهة "لكن ليروا كيف يموت" أفراد الجيش والشرطة دفاعا عن المصريين جميعا. قلق متزايد رغم إعلام "تحت السيطرة" ويوضح فؤاد لفرانس24 أن مع كل مرحلة في هذا المسار من الأذرع إلى الاستحواذ، كان الإعلام تقريبا تحت قبضة النظام لكن "هذا لم يخف القلق من الإعلام خاصة مع اقتراب الانتخابات و إمكانية ظهور مرشحين آخرين من داخل دولاب الدولة، بما يعني احتمال وجود حلفاء و أذرع، ورغم استبعاد المرشحين إلا أن الشعور بالسيطرة كان يبدو دائما ناقصا، ومع السيطرة على نقابة الصحفيين وتشكيل هيئة وطنية للإعلام تلعب دورا سلطويا في مراقبة الإعلام رغم أنه تحت السيطرة". للمزيد: أحكام بالسجن بين سنتين وثلاث سنوات على ستة نشطاء بتهمة التظاهر دون ترخيص وانتقدت الهيئة العامة للاستعلامات، المسؤولة عن تنظيم عمل وسائل الإعلام الأجنبية في مصر، بشدة في بداية مارس/آذار قناة "بي بي سي" واتهمتها بنشر "أكاذيب"بعد أن بثت تقريرا يتضمن شهادة لسيدة تقول إن ابنتها اختفت وتتهم الشرطة باحتجازها. وظهرت الابنة بعد ذلك على شاشة قناة تلفزيونية مصرية خاصة مؤكدة أنها على خلاف مع والدتها التي لا تعرف عنها شيئا منذ عام. وقررت نيابة أمن الدولة المصرية الجمعة 2 مارس/آذار حبس الوالدة منى محمود محمد لمدة أسبوعين بتهم نشر أخبار كاذبة، حسب ما أفاد مسؤولون. من جهة أخرى، طلبت الهيئة العامة للاستعلامات من "بي بي سي" الاعتذار، وكانت القناة اكتفت بتأكيد ثقتها في "نزاهة"مراسليها. وبعد هذا التقرير وتبعاته، أكد النائب العام في 28 فبراير/شباط في بيان أن "إجراءات جنائية" ستتخذ ضد وسائل الإعلام في حال نشر "أخبار كاذبة" من شأنها "تكدير السلم العام". وأكد فؤاد لفرانس24 أن الإعلام المصري "تحت السيطرة" خاصة بعد حجب المواقع الإلكترونية التي كانت "الفضاء المتاح بعد فرض السيطرة علي الصحف الورقية والتلفزيونية". حجب المواقع الإلكترونية في ارتفاع مستمر ومنذ مايو/آذار 2017، تم حجب نحو 500 موقع على الإنترنت في مصر حسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير المصرية غير الحكومية التي أكدت أن العدد في ارتفاع مستمر. وضمن الوسائل الإعلامية المحجوبة قناة الجزيرة القطرية وموقع مدى مصر الإخباري المصري والصحيفة الإلكترونية الناطقة بالإنكليزية "ديلي نيوز إيجبت". وإضافة إلى مواقع إخبارية دولية، شمل المنع مواقع محلية ومدونات ومنظمات حقوقية على غرارالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسانومنظمة "هيومن رايتس ووتش" التي نشرت تقريرا عن التعذيب في السجون المصرية. وطال الحجب حتى البرامج الإلكترونية التي يمكن من خلالها تجاوز الحجب. للمزيد: شخصيات تدعو لمقاطعة الانتخابات الرئاسية وتتهم السيسي بـ"منع أي منافسة نزيهة" ويقول الباحث في مؤسسة حرية الفكر والتعبير محمد طاهر إن "مصر لم تعرف الحجب مطلقا منذ دخول الإنترنت في التسعينات" باستثناء بضع أيام أثناء الثورة في العام 2011. وحتى الآن، لم تؤكد السلطات ولم تنف مسؤوليتها عن الحجب. ويوضح طاهر أنه "ليس بوسع أي شركة اتصالات أن تحجب موقعا إلا بناء على طلب من الحكومة". ويقول رئيس تحرير موقع مصر العربية المحجوب عادل صبري إنه يترتب عن ذلك نتائج "مادية ومعنوية". ويواجه الموقع مشكلات مادية بحسب صبري إلى "تخفيض عدد الصحافيين بنسبة تصل إلى 60 في المئة". إضافة إلى ذلك، فإن "الكثير من المصادر لا تريد التعامل مع صحافيين من موقع محجوب"، خشية من ردود فعل الأجهزة الأمنية. ولم يحصل موقع مصر العربية على التصريح الرسمي لتغطية الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير "أن ممارسة الحكومة المصرية منذ 24 مايو 2017 حتى الآن، تمثّل استمرارا للإرادة السياسية للسلطات المصرية لفرض السيطرة على المجال العام والذي بدأ بحزم من القوانين التي تسعى لغلق المجال العام والسيطرة على المنصات المختلفة لحرية التعبير" و"للسيطرة والحد من تأثير الإعلام والصحافة الرقمية"، مشيرة إلى عدم دستورية هذه "الرقابة" ومخالفتها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أكدت المؤسسة على التداعيات السلبية التي تضرب "مجمل صناعة الصحافة الرقمية في مصر ومستقبل الاستثمار فيها في ظل أزمات اقتصادية". "شعور لا يرتوي" وراء "تمويت الصحافة" أما وسائل الإعلام المصرية الأخرى، فتبقى تغطيتها للحملة الانتخابية حذرة إن لم تكن موالية لعبد الفتاح السيسي، كما أنها تنتقد المعارضة انتقادا شديدا. ويلقي صحافي يعمل في قناة مصرية خاصة، الضوء على وجه آخر من علاقة الصحافي المصري بمهنته، إذ يقول: "ليس هناك أي تعليمات أو رقابة من أي جهة وإنما الناس ]أي الصحافيون[ يفرضون رقابة ذاتية على أنفسهم" بسبب "الخوف أو الانتهازية أو بشكل تلقائي في ظل المناخ العام". وتم توقيف الصحافي في موقع "هافنتون بوست" العربي المحجوب معتز ودنان، وفق محاميه ومصادر أمنية، بعد أن أجرى في مطلع شباط/فبراير مقابلة مع الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، وهو قاض ومستشار سياسي للمرشح المستبعد ورئيس أركان الجيش السابق سامي عنان. وقبل توقيف ودنان، ألقي القبض على عنان وجنينة لتتم إحالة الرجلين للمحاكمة أمام القضاء العسكري. وجاء توقيف جنينة بعد أن ذكر في المقابلة مع "هافنتون بوست" أن هناك وثائق سرية "تدين مسؤولين (..) ستظهر" إذا تعرض سامي عنان" لأي محاولة تصفية أو اغتيال" داخل السجن. وبعد أن دعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، تم توقيف القيادي السابق في جماعة "الإخوان المسلمون" عبد المنعم أبو الفتوح في14 شباط/فبراير على إثر مقابلتين صحفيتين أجراهما مع قناتي الجزيرة والعربي المعارضتين لنظام السيسي. وفي هذا السياق، دعت الهيئة الوطنية للانتخابات التي تتولى تنظيم الاقتراع وسائل الإعلام لأن تعمل بـ "مهنية" و"موضوعية". وباكتمال منظومة الأذرع التابعة لضباط الاتصال والملكيات المستحوذة على الشركات وتكوين جسم رقابة ومطاردة للمناوشين في الأرض المسيطر عليها، يوضح فؤاد لفرانس 24: "لم يتحقق الشعور الذي يريد أن يصل إليه الرئيس السيسي وعبر عنه عدة مرات وهو أن يكون الإعلام معه كما كان في ظهرعبد الناصر. وكان لابد أن يصل هذا الشعور إلى مرحلة "تمويت" الصحافة مع صدور بيان من النائب العام أعلن فيه أن مساعديه سيراقبون الإعلام، ثم إعلان السيسي أن الإساءة للشرطة والجيش هي خيانة عظمى. وقررت النيابة العامة المصرية الأحد 4 مارس/آذار حبس مذيع التلفزيون خيري رمضان احتياطيا أربعة أيام لاتهامه بإهانة الشرطة بعد أن تطرق إلى ضعف رواتب ضباط الشرطة في برنامجه. مها بن عبد العظيم نشرت في : 22/03/2018
مشاركة :