الجرافيكس الصحافي هو من أهم التحديثات العصرية على الصحافة في العالم، وأذكر عندما كنت وزميلي د. عبدالله الطويرقي في زيارة لصحيفة يو إس أي تودي usa today في واشنطن ضمن مشروع الدراسات التأسيسية لصحيفة الوطن التقينا برئيسة قسم الجرافيكس الصحافي في الصحيفة، وهي فتاة عمرها منتصف العشرينيات، وشرحت لنا عن أهمية الجرافيكس في صحيفتها، وهي الصحيفة التي تأسست عام 1982م، ووجدت صعوبات في البدايات، ولكنها أخيراً استطاعت أن تؤرّخ لاتجاهات حديثة ونوعية في الصحافة الأمريكية، وبالتالي الصحافة العالمية. والاستثمار الذي وضعته شركة جانيت المالكة لصحيفة يو إس أي تودي usa today وهو خمسة مليارات دولار في تأسيس هذه الصحيفة لمدة الخمس السنوات الأولى نجحت في إيجاد نموذج جديد في الصحافة ليس الأمريكية وحدها، ولكن في الصحافة العالمية. وهناك تجديدات كثيرة استحدثتها الصحيفة، ولكن من بين أهم تلك التجديدات هو الرسوم الجرافيكية infographics والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المنظومة التحريرية لأي صحيفة دولية. وتولّدت من مثل هذا التوجه حالياً – خلال السنوات الماضية – مفهوم جديد في الصحافة العالمية، وخاصة في الولايات المتحدة وهو مفهوم صحافة البيانات data journalism وهو باختصار صحافة استقصائية مبنية على معطيات معلوماتية. وينتشر هذا النوع من الصحافة كثيراً في الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، حتى إن هناك جوائز سنوية تقدم للمشروعات الصحافية في هذا التوجه الجديد من الصحافة، حيث اطلعت مؤخراً على أكثر من عشرة تصنيف تقع تحت مظلة صحافة البيانات، وكانت حتى قبل يومين قد وصلت المشاركات المتقدّمة لهذه الجوائز لعام 2018م إلى أكثر من خمسمائة مشاركة، مما يشير إلى انتشار تطبيقات هذا النوع من الصحافة الحديثة في الصحافة الأمريكية بشكل خاص. ولم يظهر هذا النوع فقط في الصحافة كنيويورك تايمز أو واشنطون بوست أو يو إس أي تودي ولكن ظهر في غيرها من الصحف وكذلك وسائل إعلامية أخرى، كذلك تعداها إلى تخصصات أكاديمية مهمة، فعلى سبيل المثال يظهر تخصص صحافة البيانات data journalism في جامعة كولومبيا الأمريكية في نيويورك على مستوى تخصص الماجستير، مما يعني أن هناك استيعاباً بحثياً أكاديمياً لهذا التوجه الجديد في الصحافة العالمية. كما أن مقررات منفردة موجودة في كثير من الجامعات الأمريكية، مثل جامعة ميزوري الأمريكية، وهي أقدم مدرسة صحافة في العالم تأسست عام 1908م، وفي غيرها من الجامعات. أما في العالم العربي فنحن متأخرون على مثل هذه التطورات الحديثة في الصحافة العالمية على المستويين المهني والأكاديمي، وهذا ما يعمل عليه حالياً قسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد، حيث ستندرج صحافة البيانات data journalism ضمن التخصصات الجديدة بالقسم في ظل تحولها إلى كلية بمفاهيم وتخصصات جديدة تواكب التطورات الجديدة في الصحافة والإعلام العالمي وفي ضوء متطلبات التغييرات المطلوبة في تخصصات الصحافة والإعلام في منطقتنا العربية. ومعالي مدير جامعة الملك خالد الأستاذ الدكتور فالح السلمي من أكبر الداعمين لدراسة واقع ومستقبل التخصصات الجامعية بما فيها الإعلام، وقد أشار معاليه في اجتماع معه مؤخراً إلى ضرورة استضافة عمداء ورؤساء أقسام الإعلام والاتصال في الجامعات السعودية لطرح هذا النموذج الجديد في تخصصات الإعلام التي يزمع القسم تحويلها إلى أقسام في كلية جديدة، وهذا ما نعمل عليه حالياً بإذن الله تعالى. ——————————————————————————————— دكتور على القرنى الجزيرة
مشاركة :