العدل في الإسلام شريعةٌ مُحْكَمة

  • 11/16/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

دخل المسلمون الشام والعراق ومصر، وامتدَّ سلطانُهم من الهند شرقاً إلى الجزيرة الأندلسيَّة غرباً، حتى صار الشرقُ والغرب لهم بلاداً وموطناً، فما كان من المسلمين إلا العدل والإحسان مع غير المسلمين كما قال تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فلَمْ يقع من المسلمين اعتداءٌ على أحدٍ مِن غير المسلمين، لا في دَمِهِ ولا في مالِهِ ولا في عِرضِهِ، فاستيطان المسلمين لتلك الديار لَـم يُبِحْ لهم أن ينقضُّوا على أموال غيرهم بالسَّلب، ولا على أعراضهم بالثَّلْب، فلم يَمنع المسلمون أعرافَ اليهود، ولا عوائدَهم الاجتماعية، ولا اعتقاداتهم الدِّينية، ولم يخفروا لهم ذِمَّة أبداً، فهم أهلُ ذمَّةٍ وعهد يجب الوفاء به، وقد قال الحافظ أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: (والذِّمِّيُّ كالمسلم في مالِهِ ودَمِهِ وعِرْضِه) وذلك لأنه مُحْتَرَمٌ بحُرمةِ الإسلام، لدخوله تحت حكم المسلمين، فكان غير المسلمين يعامَلون معاملة الرعايا من المسلمين فيما عدا الأمور الدينية، فكانوا يخالطون المسلمين في الطرقات والبساتين والأسواق أخذا وعطاءً وبيعا وشراء، بل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفِّي ودِرْعُهُ مرهونةٌ عند يهودي، وقد كان الإسلام يومها عزيزا، وكان اليهودُ في حالة من الذِّلَّة والّصَّغار، وكان عليه الصلاة والسلام في غِنىً عن ذلك، وكأنه صلوات ربِّي وسلامه عليه يضع أمامنا برهاناً للدَّلالة على مظهر التسامح الذي فَرَضَه اللهُ على المسلمين وجعله شريعةً مُحْكَمة، فالعدل والتسامح وصْفان جليلان حرص الشرع على استدامتهما ما دام الليلُ والنهار، وكانت الوفود تَفِدُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فيستقبلُهم ويقرِّبُهم، ويعطي كبيرَهم وسيِّدَهم حقَّه، فيُنزله المنزل اللائق به، وربما استقبلهم داخل المسجد، كما فعل مع وَفْدِ ثقيف الذين كانوا على الشرك حينها، فضربَ لهم قُبَّةً في مُؤخَّرة المسجد، قال ابن حجر: (وقد أنزل النبيُّ صلَّى اللهُ عَليه وسلَّم وفدَ ثقيف في المسجد، ليكون أرقَّ لقلوبهم) ولعلَّ أعظم مظهرٍ يتجلَّى فيه معنى التسامح في هذا الدِّين، هو بقاءُ اليهود والنصارى في البلاد التي يحكمها المسلمون إلى هذا اليوم، وقد مضى على ذلك أربعة عشر قرناً من الزمان، ولعلَّنا نرى في وجودهم جماعات موزَّعة في الكثير من القرى والمدن دليلاً آخر على أنَّهم في أمان وحفظ، فنجدهم في كثير من قرى الشام والعراق ومصر، فلَمْ يُضطرُّوا إلى اللُّجوء إلى طَرَفٍ منعزلٍ من بلادنا، فضلاً عن أن يلجؤوا إلى بلادٍ مجاورة، فلا غرابة في أن نجد الكثير من نصارى العرب يعبِّرون عن شكرهم وامتنانهم للمسلمين، حيث عاشوا سماحة هذا الدِّين بين المسلمين، فلم يَرَوْا من المسلمين إلا كلَّ عدلٍ، بل وحمايةٍ وأمن، فاستظلُّوا من الإسلام برحمةٍ ظلُّها عليهم ظليلٌ، فصدَرَتْ منهم أقوالٌ وأشعارٌ، هي شهاداتٌ على عدل الإسلام نشكرهم عليها، وإنْ لم نطلبها منهم، حتَّى أنَّ أحد شعراء حمص وهو وصفي قُرُنفلي خشيَ أن يُظنَّ به أنَّه مبالغٌ في ثنائه على حبيبنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مجاملةً للمسلمين، أو لمصلحةٍ يرجوها، فكتب أبياتاً يبيِّن فيها أنَّ دافِعُهُ الحبُّ والوفاء، فيقول فيها: (قد يقولون: شـاعرٌ نصراني ... يُرسل الحُبَّ في كِذابِ البيانِ) (يَتغنَّى هوى الرسولِ ويَهذي ... بانبثاق الهُدَى من القرآنِ) (أَوَليس الرسول منقذ هذا ... الشَّرقَ مِن ظُلمةِ الهوى والهوانِ) (أو ليس الوفاءُ أنْ تُخلِص المنقذَ حُبًّا إنْ كنتَ ذا وجدانِ!) (فالتحياتُ والسلامُ أبا القاسم تُهدَى إليكَ في كلِّ آن) فكان شكرُهم للإسلام واعتزازُهم بحضارته، عنوانَ وفاءٍ نُقدِّره لهم، فحسنُ العهد والوفاءُ مِن أجلِّ المروءات .

مشاركة :