الجامع الأزهر يطور أدواته لنشر ثقافة الاعتدال

  • 3/23/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جاء افتتاح أعمال تطوير وتحديث الجامع الأزهر، ليؤكد الانطلاقة القوية لهذا الصرح الإسلامي العريق حتى يؤدي رسالته في نشر الفكر الإسلامي الوسطي بأدوات ووسائل عصرية، متسلحاً برصيد هائل من الاعتدال الذي عرف به الأزهر عبر العصور.يؤكد الإمام الأكبر، د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الجامع العريق لم يتطور من حيث الشكل ولم يتزين من حيث المظهر.. بل شهد تطوراً كبيراً من حيث الرسالة والأداء أيضاً، حيث يجمع في أداء رسالته الفكرية والدعوية بين أصالة الماضي وحداثة العصر، مما يبرهن على أن التطور والتحديث لم يكن فقط من نصيب الحوائط والأسقف والأعمدة والفرش والإنارة وغير ذلك مما حدث لهذا الجامع العريق وزاده جمالاً وبهاءً.. بل لحق التطور أيضاً بالوظيفة الدعوية والخدمية التي يؤديها الجامع الأزهر لأبناء المسلمين من داخل مصر وخارجها.. فضلاً عن تعدد الفعاليات الفكرية والندوات الثقافية، بهدف تقوية التواصل العلمي والفكري والثقافي والدعوي والاجتماعي مع كل فئات المجتمع، وترسيخ المرجعية العالمية لمنهجه الوسطيّ محليّاً وعالميّاً، ولتجديد الخطاب الديني وفق المنهج الأزهري المستنير في كل ربوع الوطن. دور وطني تاريخي ويبرز تاريخ الأزهر دوره الوطني التاريخي، فقد كان علماؤه وطلبته كما يقول د. عبداللطيف عبدالشافي، أستاذ التاريخ وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر- سيوفاً في وجه المحتلين، وخلال الحملة الفرنسية على مصر كان الأزهر مركزاً للمقاومة وفي رحابه خطط علماؤه لثورة القاهرة الأولى وتنادوا إليها، وتحملوا ويلاتها وامتهنت حرمته، وفي أعقاب ثورة القاهرة الثانية تعرض كبار علماء الأزهر لأقسى أنواع التعذيب والألم، وفرضت عليهم الغرامات الفادحة، وبيعت ممتلكاتهم وحُليّ زوجاتهم الذهبية استيفاء لها، وعقب مقتل كليبر فجع الأزهر في بعض طلبته وفي مقدمتهم سليمان الحلبي وبينما كان الاحتلال الفرنسي يلفظ أنفاسه الأخيرة، صدرت الأوامر باعتقال شيخ الأزهر الشيخ عبد الله الشرقاوي، وهكذا ظلت تخيم أزمة عدم الثقة بين الأزهر وسلطات الاحتلال الفرنسي حتى آخر أيامه ورحيله عن البلاد.وبعد انسحاب الفرنسيين من البلاد عيّن محمد علي باشا نفسه والياً على مصر استجابة للشعب، ويعدّ مؤسس الأسرة العلوية التي حكمت مصر من 1805 إلى عام 1952، وسعى إلى توطيد حكمه من خلال التقرّب إلى علماء الأزهر، وسار على نهجه أبناؤه وأحفاده، والذين كان آخرهم الملك فاروق الذي تنازل عن العرش الملكي بعد ثورة 1952، وفي أعقاب ذلك وفي العام 1961 ووفقاً للقانون الصادر في العام نفسه، تمّ إعلان قيام جامعة الأزهر رسمياً وإنشاء العديد من الكليات.ومن أشهر العلماء الذين ارتبطت أسماؤهم بالأزهر: ابن خلدون، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، وابن تغري بردي، والقلقشندي، وغيرهم من العلماء. شخصية الأزهر عن رسالة الأزهر وخصائص منهجه الفكري والثقافي يقول د. محمد عبد الفضيل القوصي، عضو هيئة كبار العلماء: لم يكن عنوان هذا المعهد العلمي العتيق (الجامع الأزهر) اختياراً عبثياً جاء وليد الصدفة، بل كان تعبيراً متعمداً ذا دلالة مقصودة على شخصية الأزهر الفكرية والثقافية التي تتمثل في كونه جامعاً متبصراً رشيداً بين أطراف متقابلة لو أنها فقدت هذا الجامع لفقدت معه الاعتدال والوسطية والاتزان الفكري والاعتقادي والعملي.ويؤكد د. القوصي حاجة المسلمين الماسة اليوم إلى الاقتداء بمنهج الأزهر الفكري والسير على خطاه، حيث كان هذا المعهد العتيق - ولا يزال - جامعاً زاهراً بين النص الشرعي والعقل المتبصر فلا ينبغي في أساسيات العلم الأزهري، إهمال دور العقل في فهم النصوص الشرعية واستنباط دلالاتها وإدراك مقاصدها وغاياتها، كما لا ينبغي في تلك الأساسيات إهدار قداسة تلك النصوص، أو إهمال تكاليفها ومقتضياتها وبهذا الجمع الزاهر اتخذ هذا المعهد العتيق موقف الرائد الذي لا يكذب أهله والذي لا يرضى أن تفهم النصوص الشرعية فهماً متحجراً حرفياً ضيقاً يقوم على إلغاء دور العقل بحجة الانتساب إلى السلف الصالح الذي كان رجالاته الأفذاذ ينظرون بالعينين معاً: عين الوحي المنزل وعين العقل المتبصر، كما لا يرضى الأزهر في الآن نفسه أن تهدر النصوص الشرعية الثابتة بالقرآن الكريم، وصحيح السنة تذرعاً بدعاوى التجديد والعقلانية بما تحمله في باطنها من الترويج لأفكار التغريب والحداثة وما بعد الحداثة.. فكلا الموقفين- بمنظار الجامع الأزهر - يفتقدان الصواب. أصالة.. وانفتاح كان الأزهر ولا يزال جامعاً بين رعاية التراث العلمي الإسلامي الرصين والحفاظ عليه عبر القرون من جهة، وبين الانفتاح السديد على الثقافات الغربية من جهة ثانية، فمنذ عصور مضت حين كان صحن الجامع الأزهر يضج بالحلقات العلمية المتخصصة في علوم الإسلام التراثية المتوارثة كان هذا الصحن في الآن نفسه يبتعث بعض بنيه إلى أوروبا ينهلون من ثقافة العصر ومناهجه الحديثة ولا يجدون غضاضة في التلاقح بينها وبين تراثهم الرصين، كما لا يجدون غضاضة في التفاعل الخصب بين الأصالة والمعاصرة، ولا يجدون تعارضاً بين روح الإسلام والتقدم الحضاري السديد.. كما ظل المعهد العتيق ولا يزال - كما يؤكد د. القوصي - جامعاً بين الحرص على وحدة المسلمين من جهة، وبين رعاية حق التعدد، وحماية حق الاختلاف من جهة أخرى، فلقد كانت الدراسة الأزهرية ولا تزال تعج بآراء المذاهب الفقهية المختلفة، والمقارنة بينها بالحجة والدليل، كما لا تزال الدراسة تكتظ بآراء الفرق الاعتقادية على تنوع اتجاهاتها، بل ولا يزال الجامع الأزهر- بمقتضى هذين الوصفين البليغين- يغرس في عقول بنيه خصوبة الاختلاف، واحترام التنوع، وما يؤديان إليه من اتساع الرؤية، ورحابة الأفق، يحدوه في ذلك حرص بالغ على ألاّ يتحول التنوع إلى فرقة مبددة، وألاّ تتحول الوحدة إلى شمولية غشوم، كما يحدوه حرص بالغ أيضاً على ضرب رفيع من السماحة التي لا تنقلب تميعاً، ومن اللين الذي لا ينقلب انفلاتاً. واحة الأمان والتسامح وهنا يؤكد عضو هيئة كبار العلماء على ضرورة أن يظل الجامع الأزهر مآباً للمسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، يأوون إليه من هجير الإرهاب، وضراوة الصراعات، ونيران التطرف، وهي تلك الظواهر التي شقيت بها البشرية ثم نسبت إلى الإسلام نفسه زوراً وبهتاناً، بينما الإسلام السمح المعتدل الذي يحمل للبشرية الأمن والعدل والسلام منها براء.ويشدد د. القوصي على ضرورة أن يظل الأزهر متسلحاً بالصبر والحلم والتسامح وهو يواجه قوائم المنفلتين.. ويقول: خطاب الأزهر المتوازن المعتدل الجامع كما استهوى أفئدة البشر الظامئين إلى العدل والأمن والسلام، فقد جلب في الآن نفسه على هذا المعهد العتيق كثيراً من المشاعر العدائية السالبة من الأطراف المتناقضة المتصلبة، لأنها تحسب الاعتدال ضعفاً، وتتوهم السماحة خوراً، وليس هذا الموقف السالب بالأمر المستغرب، فتاريخ تلاقح الأفكار في كل العصور حافل بما تلاقيه أفكار الاعتدال والتوازن والتسامح من ردود الأفعال التي تحكمها مشاعر الاندفاع وانفعالات التسرع.وينتهي د. القوصي إلى ضرورة أن يقوم الجامع الأزهر في المرحلة الحاضرة بحشد اهتمام الأمة صوب القضايا الجوهرية المتعلقة بمصائر الشعوب، وصوب تحقيق الحرية المبرأة من الفوضى المدمرة، وصوب إنجاز استحقاقات التقدم الحضاري والعدل الاجتماعي، كما يتطلب منه أن يكفكف في الأمة غلواء الاستمساك بالأشكال الجوفاء من التدين التي طغت على الجوهر والمعنى ونأت عن الهدف والمضمون، وأن يوجه اهتماماتها صوب مقاصد الشريعة العليا، وغاياتها المثلى. نشاط فكري متميز د. عباس شومان، وكيل الأزهر الأمين العام لهيئة كبار العلماء والمشرف العام على برامج الجامع الأزهر وأنشطته الدعوية والعلمية، يؤكد أن الأزهر خطط جيداً لاستعادة بريق هذا الجامع العريق، وقد أصبح الأزهر في أزهى صورة من حيث الشكل والرسالة التي يؤديها، وإلى جانب استقبال الجامع الأزهر للجماهير التي تريد الفتيا في أمور الدين والدنيا، حيث توجد لجنة الفتوى الرئيسية بالأزهر.. شهدت أروقة الجامع الأزهر التاريخية تطوراً نوعياً، فقد نظم رواق القرآن الكريم مؤخراً العديد من الفعاليات الكبرى لخدمة كتاب الله من تحفيظ وتجويد ومسابقات لتحفيز الطلاب على الحفظ، وقدم رواق العلوم الشرعية والدعوة عدداً من البرامج العلمية تجاوزت 50 برنامجاً، بينما بلغ عدد الدروس العلمية أكثر من 120 درساً أسبوعيّا في العلوم الشرعية والعربية والعقلية خلال عام 2017، كما نظم رواق المتون العلمية، الكثير من المسابقات لتشجيع الطلاب على الاهتمام بالمتون العلمية وإحيائها، بينما نظم رواق اللغة العربية للناطقين بغيرها 12 برنامجاً، بعضها خاص بإعداد معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وبعضها الآخر استهدف الطلاب الناطقين بغير العربية.ولتجديد الفكر والخطاب الديني، عقد رواق الفكر والثقافة ندوات متعددة كان من أبرزها: «تجديد الخطاب الديني»، و«العطاء الحضاري للأزهر الشريف في مصر والعالم»، و«دور الأزهر الشريف في مكافحة التطرف»، وعقد رواق اللغات الأجنبية العديد من البرامج التنفيذية، التي تنوعت ما بين محاضرات عامة، وندوات تثقيفية باللغات الأجنبية في مجالات متعددة.

مشاركة :