السعودية تتغير وتُغيّر

  • 3/23/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

بثت وسائل الإعلام المرئية اللقاء الذي قامت به قناة “سي بي سي” الأميركية مع ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان عبر برنامجها الشهير 60 دقيقة. وفي حين تناقل الرأي العام والشارع السعودي تفاصيل اللقاء، فإن ردود فعل قوية ومؤثرة ركزت على ختام حديثه حين قال “لا شيء يوقفني عن تحقيق الإصلاحات إلا الموت فقط”. “لن يوقفني إلا الموت”. كانت الكلمة الأكثر تداولاً في وسائل الإعلام مؤخراً هي التي عبر فيها الأمير محمّد بن سلمان عن إيمانه الكبير بالتغيير الحتمي وإقدامه على صناعة مستقبل مختلف، مشيرا إلى أن التحدي الكبير الأول الذي يواجهنا هو أن “يؤمن الناس بما نقوم به”. لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوحيد القائل بأن الأمير الشاب محمّد بن سلمان “شخص مليء بالحيوية، ويتمتع بنشاط غير مسبوق، ولديه معرفة تامة بكيفية تحقيق أهدافه التي سيعبُر بها بالمملكة لمصاف أكثر الدول تقدما”، بل إن السعوديين والذين يمثل الشباب فيهم الشريحة الأكبر من السكان، يرون فيه ما هو أكثر من ذلك. إن التغيير اليوم أصبح حتميا بالفعل، وفي الغد القريب سيكون واقعا معاشا، والمجتمع السعودي بات يسعى نحو التحديث راغبا في التغيير. فالأفكار التي كانت مرفوضة وغير مقبولة في السابق أصبحت اليوم متاحة ومبررة، باعتبار التغيير سمة من سمات المجتمعات الواعية وما كان مرفوضا بالأمس أصبح اليوم وفق المعطيات المتغيرة للحياة اليومية والاجتماعية مقبولا وطبيعيا. في سياق تبني التوجه إلى التغيير الذي تتجه له السعودية عبّر أيضا الأمير خالد بن سلمان، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، في المقابلة التي أجريت معه عبر قناة “سي أن أن” قائلا “السعودية تحتضن التغيير”. وفي تسارع إعلامي كبير بثت وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة نقلا مباشرا عن أهم صور التعايش والتصالح مع الأديان والمذاهب، حيث زار الأمير محمّد بن سلمان كاتدرائية العباسية في مصر في زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها، والتقى البابا تواضروس الثاني داعيا إلى حوار الأديان ونبذ التطرف وتعزيز التسامح والسلام في المنطقة. المملكة العربية السعودية تتغير فعلا وتتجه إلى القضاء على التطرف وخوض مرحلة الاعتدال وترسيخ التعايش والتسامح ونبذ الكراهية كما اجتمع مع كبير أساقفة كانتربري جاستن ويلبي في قصر لامبث في بريطانيا، الأمر الذي لم يلقَ قبولا لدى المتطرفين تجاه الآخر وتجاه التعايش معه. وهو ما دفع بالكثير إلى التساؤل عمّا يحدث في السعودية، بينما ينبغي أن يكون السؤال ماذا سيحدث للسعودية؟ إن السعودية تتغير فعلا وتتجه عبر كل هذه المؤشرات إلى القضاء على التطرف وخوض مرحلة الاعتدال وترسيخ التعايش والتسامح ونبذ الكراهية. ما الذي يحدث للسعودية؟ يحدث أنها تتبنى روحا جديدة سواء في الخارج أو الداخل. إنها تبدأ في هذا الوقت وفي هذه المرحلة مشروعا ضخما، وهو مشروع يتعدّى التساؤلات حول ما يحدث، ولماذا، وكيف؟ إنه تجديد جذري يهدف إلى إعادة وتفكيك الأنساق القديمة على كافة الأصعدة. إنها وبشكل عميق اللحظة العالمية التي وصفها الباحث زكي العابدين في كتابه “المعنى والقوة في النظام العالمي الجديد”، بالقول إن “ثمة لحظة موحدة تقوم على أساس ديمقراطية السوق وأن اللحظة العالمية لا يمكن أن تقوم إلا باستجماع ثلاثة شروط أساسية، وهي الحدث وعدم الرجعية والانسجام”.  ومن هذا المنطلق نجد أن الثابت الوحيد في هذا العالم هو التغيير المستمر وإدراك هذه الحقيقة يعني بالضرورة حدوث التغيير، فالسعودية تمر اليوم بنوع من الحراك السياسي والاجتماعي الكبيرين، والذي انتهجته الدولة من منطلق الوعي الكبير بضرورة التغيير، إيماناً منها بأنه إحدى أهم سمات المجتمعات المتقدمة وإحدى أهم ضرورات التغيير التي ستمهد للأجيال القادمة مواكبة المجتمعات الأخرى، وما هذا الحراك إلا الأساس الأقوى لصناعة مستقبل مختلف. السعودية اليوم تتغيّر وتُغيّر عملياً الصورة النمطية التي وُسمت بها. والإنسان السعودي يتجه إلى مرحلة لا تشبه ما قبلها، حيث كان إعلان “رؤية 2030” بمثابة تعليق الجرس لإعادة ترتيب الأوراق والاستعداد للدخول إلى مرحلة تنموية وإنسانية مغايرة. إذ أنه حين تكون سياسة أو نظام ما غير قادر على أن يحقق الغرض الذي تتطلبه المرحلة، فإن تبنّي خيارات أخرى سيكون أقدر على تحقيق الهدف المتوقع من التغيير. كان لمقولة “كائناً من كان” التي سبقت كل هذا وشكلت تحديا كبيرا طال ملفات الفساد، والتي صرح بها الأمير محمّد بن سلمان علانية لكل من يمس مقدرات الدولة وقعا كبيرا كذلك، ما يعني أن الإصلاح سيطبق في كل ظرف وعلى الجميع. كما كان للمرأة نصيب كبير في هذه المرحلة حيث نالت النساء جانبا من قائمة التغيير المرحلية، حين أعلن عن إتاحة الحق لها في قيادة السيارة من منطلق “على حدّ سواء”، التي عبّرت عن تساوي الحقوق والواجبات. تتجه السعودية نحو احتمالات كبرى للتغيير بفتح ملفات مهمة ومصيرية بشكل غير مسبوق، والأنظار والآمال تتجه نحو الأمير الشاب الذي علق الجرس معلناً بداية تحول مؤثر وعملي يتجه بالسعودية إلى التنمية والتنوير والنهضة الاقتصادية، بدءاً بمشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر وقرارات تتعلق بالإنسان السعودي، المرأة والرجل على حدّ سواء، مؤكدا مقولته “نطمح لحياة طبيعية والاندماج في العالم”.

مشاركة :