الجزائر - عزّز إطلاق الأب الروحي للتيار السلفي في الجزائر محمد علي فركوس، توصيفات جديدة تصنّف تيارات الصوفية والإخوان، في خانة “الخارجين عن الدين الصحيح والمبتدعة”، حدة الأزمة التي يتخبّط فيها الإسلام السياسي، بسبب ارتباطه بمراكز قوى معيّنة أكثر من ارتباطها برصيدها الوطني، فضلا عن تضارب الولاءات الشخصية والانتماءات المرجعية. ودخلت رموز إسلامية بالبلاد هذا الأسبوع، في تراشق غير مسبوق، يعكس درجة الصدام المرجعي المرسّخ لحالة الاستقطاب بين الولاءات الفكرية والشخصية، ما يلمّح إلى بوادر أزمة مذهبية، وهو ما تجلّى في السجال المستعر بين التيارين السلفي والإخواني، بشكل يعزز ارتباطهما بمراكز قوى مؤثرة في المنطقة، والمتمثلين في إسطنبول التي خلفت القاهرة، والسعودية القديمة. واستشاطت جمعية علماء المسلمين الجزائريين، المحسوبة على تيار الإخوان في الجزائر، غضبا على مضمون ما يعرف بـ”الرسالة الشهرية” التي نشرها زعيم التيار السلفي في البلاد محمد علي فركوس، على موقعه الإلكتروني، والتي ضمنها تهما للتيارين الإسلاميين الصوفي والاخواني، تتمثل في “الابتداع وعدم الانتماء إلى الدين الإسلامي الصحيح”. حالة من الشك والغموض تسود لدى الكثير من أنصار وأتباع التيار في الجزائر، في ضوء ما بات يعرف بـ{السعودية الجديدة}. وذكر بيان الجمعية على صفحتها الرسمية في الفيسبوك، بأن كلمة فركوس، تنطوي على دلالات خطيرة، وعلى مضمون يشكّل تهديدا لوحدة الأمة وتماسكها وسلامة أفكارها، في تلميح إلى دعوة لمختلف التيارات الأخرى للوقوف معها ضد الهجوم الذي شنّه عليهم زعيم التيار السلفي. ويعدّ محمد علي فركوس، أستاذ الشريعة في جامعة الجزائر، وزعيم ما يعرف بـ”دار الفضيلة”، الأب الروحي للتيار السلفي في البلاد، ويستقطب فئة واسعة من الأنصار والأتباع لا سيما في أوساط الشباب، ويبقى مصدر إلهام لهؤلاء، ويمثّل القطب المركزي للأجنحة السلفية المتناحرة، بسبب الولاءات الشخصية والمرجعية. وذكر في رسالته الشهرية، بأن “الإسلام الذي يمثّله أهل السنّة والجماعة (أتباع السلف الصالح) إنما هو الإسلام المصفّى مِن رواسب العقائد الجاهلية القديمة، والمبرأ من الآراء الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة، كالشيعة الروافض والمرجئة والخوارجِ والصوفية والجهمية والمعتزلة والأشاعرة، والخالي من المناهج الدعْوية المنحرِفة كالتبليغ والإخوان”. وشدّد على أن مذهب السنة، لا يحوي من يرفع شعارا أو راية أو دعوة غير الإسلام والسنّة بالانتماء إليها أو التعصّب لها كالعلمانية والاشتراكية والليبرالية الرأسمالية، والقَبلية والوطنية والقومية، والديمقراطية والحزبية، والحداثة وغيرِها. وذكرت مصادر مطلعة لـ”العرب”، أن حركة مجتمع السلم الإخوانية، تتهيأ لعقد ندوة “للرد على ما ورد في الكلمة الشهرية لزعيم المذهب السلفي في الجزائر، وأن الندوة المنتظرة نهاية هذا الأسبوع، سيُدعى إليها علماء ومشايخ من مختلف التيارات الناشطة، على غرار جمعية علماء المسلمين، الزوايا، وحتى شيوخ منشقين عن المذهب السلفي”. وتظهر اللمسة الانفرادية لرموز حمس، ونزوعهم إلى تصدر مشهد الإسلام السياسي، من خلال الرغبة الدائمة في الظهور بثوب المبادر بردود الفعل، والمدافع عن المسائل المهتمة بشؤون التيار، بالدعوة إلى عدد من الأئمة والشيوخ لإصدار رد جماعي على ما أسماه رئيس كتلتها النيابية في البرلمان ناصر حمدادوش، بـ”الرد العلمي وليس السياسي”. وفيما أظهرت رسالة الزعيم السلفي، براءته من التيارات المسلحة، فإنها أبرزت احتكارا للدين الإسلامي، وإقصاء لمختلف التيارات والمدارس الفكرية والمرجعية الأخرى، ما يرسّخ حالة التطرّف المذهبي التي يتبنّاها التيار، والزعم بكونه “الفرقة الناجية”. وجاءت رسالة فركوس، في ظل أزمة يعيشها التيار، بعد التحوّلات العميقة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، باعتبارها المرجع الأول، حيث تسود حالة من الشك والغموض لدى الكثير من أنصار وأتباع التيار في الجزائر، في ضوء ما بات يعرف بـ”السعودية الجديدة”. ومع ذلك اعتبرت ردا مبطنا من الرجل على دعوة سابقة لوزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، للتيار السلفي في البلاد، من أجل ما أسماه بـ”ضرورة عدم اتهام أتباع التيار السلفي، لمخالفيهم في المسائل الفقهية بالضلال، وأن السلفية هي أتباع منهج السلف عقيدة وقولا وعملا وائتلافا واتفاقا وتراحما وتوادّا”. وفي أولى ردود الفعل داخل البيت السلفي، هاجم ما يعرف بـ”الثماني”، وهو تكتل من شخصيات سلفية منشقة عن محمد علي فركوس، مضمون الرسالة الشهرية بما أسموه بـ”رسالة براءة الذمة”، تضمّنت موقفهم “الرافض لاحتكار الدين الإسلامي، وإقصاء الفاعلين في الساحة، وتحذيرا من بث سموم الفتنة في صفوف الأمة”. وتذكر مصادر مطلعة، أن التيار السلفي نفسه، يعيش صراعات حادة بين جناحي الصقور، المتمثل في القيادة المؤسسة على غرار محمد علي فركوس ولزهر سنيقرة ومحمد جمعة، وبين الجيل المعتدل كالحاج مسعود وعثمان عيسى… وغيرهما. التكالب والسعي الدؤوب لإخوان الجزائر نحو زعامة وقيادة تيار الإسلام السياسي في البلاد، يدفع بتيارات منافسة إلى تبني خطابات مناقضة، تؤسس لصدام مرجعي بين مختلف الجماعات الإسلامية، واستقطاب حادّ بينهما بشكل يلـمح إلى بوادر أزمة مذهبية، رغم أن كليهما يؤدي دورا في اللعبة السياسية، ففيما يبحث الأول عن السلطة ويبادر لتحمّل أعبائها، يقرّ الثاني بتقديم خدمة ثمينة للسلطة القائمة، بتبنّي خيار المهادنة معها. وتجلّى ذلك في قول هؤلاء في رسالتهم “نؤكد بصدق واعتزاز أننا بذلنا ما في وسعنا من جهود ومساع لمعالجة الوضع الذي آلت إليه الدعوة السلفية في بلدنا الجزائر، ووأد الفتنة في مهدها التي أدّت مع كل أسف، إلى تفريق كلمة السلفيين وإضعاف دعوتهم بعد ما كانت قوية باجتماع دعاتها على كلمة واحدة”. وتضيف المصادر، أن أصل الخلاف، يعود إلى تزكية سابقة من زعيم التيار السلفي في السعودية ربيع المدخلي، لفركوس ورفاقه لقيادة التيار السلفي في الجزائر. وتكرّس الصراع بين أجنحة التيار السلفي، برفض المنشقين لتوجيهات وتزكية المدخلي لفركوس على رأسهم بقولهم إن “الرسالة لم تتضمن الدعوة إلى الائتلاف وتجنّب الاختلاف، ونبذ الفرقة بين السلفيين، لأنها لم تسهم في تقديم أي حل لتسوية النزاع القائم”. وتابعت بأن “هذا التدخل السافر الذي أضرّ بالدعوة السلفية في العالم الإسلامي وعندنا خصوصا، نسف كل الجهود التي تدعو إلى تهدئة الأوضاع والدعوة إلى الاجتماع والتآلف”. ويرى مراقبون لشؤون الإسلام السياسي في الجزائر، أن التيار السلفي بات يأخذ أبعادا مقلقة للسلطة، في ظل العمل الخفيّ الذي تقوم به خلاياه وأنصاره للهيمنة على المساجد والمؤسسات الدينية. وظل التيار السلفي خلال السنوات الأخيرة، حليفا للسلطة خلال موجة الربيع العربي، والحركات الاحتجاجية والمظاهرات المناوئه لها، بسبب تحريمه لمظاهر التحزّب السياسي والخروج على الحاكم، ووظف لتقزيم الدعاية التي تمارسها التيارات الجهادية. واللافت أن زعيم التيار السلفي يتميز بتأثير عميق في بعض الدوائر، اذ لم يحدث أن تعرّض لأي مضايقة من طرف المصالح المختصة، ما يطرح استفهامات جادة حول الحرية التي يحظى بها الرجل لحد الآن. وفيما تحرك الإخوان عبر ذراعهم (جمعية علماء المسلمين الجزائريين) للانتفاض على رسالة محمد علي فركوس، يلتزم التيار الصوفي الصمت لحد الآن، ورفض رئيس جمعية الزوايا عبدالقادر باسين، في اتصال لـ”العرب”، التعليق على ما ورد في رسالته. ويمثّل التيار الصوفي المتمثّل في العديد من الزوايا والمدارس الدينية، قطاعا عريضا في الساحة المحلية، وحظي منذ مجيء الرئيس بوتفليقة للسلطة في 1999، بدعم كبير بغية استعادة موقعه في المشهد، وسحب البساط من تحت التيارات المتشددة، وصار أول داعم ومزكّ لكبار الشخصيات في هرم السلطة.
مشاركة :