منذ اتفاقية الهدنة التي تم التوصل إليها في 2003 يبدو أن الهند اتبعت ثلاث استراتيجيات في التعامل مع العنف على حدود جامو وكشمير، وتتمحور حول «المحادثات في ظل اطلاق النار» و«المحادثات مع الحرب» و«القصف غير المتكافئ». بعد مضي أكثر من شهرين في عام 2018 وصل العنف في إقليم جامو وكشمير على الحدود بين الهند وباكستان إلى مستويات عالية جديدة، فقد شهدت تلك المنطقة أكثر من 633 انتهاكاً لوقف إطلاق النار من جانب باكستان بحسب بيانات صدرت عن نيودلهي وأسفر ذلك عن سقوط اثني عشر مدنياً وعشرة جنود، إضافة إلى العديد من الإصابات بين المدنيين على طول الحدود المشتركة بين البلدين، وفي الأسبوع الأول من شهر مارس الجاري تحدثت باكستان عن قيام الهند بـ415 انتهاكاً لوقف النار في عمليات أسفرت عن مصرع عشرين مدنياً على الأقل. ومع تصاعد العنف والاصابات والانتخابات المقبلة في الهند وباكستان توجد الآن وصفة مثالية لتفاقم الوضع الأمني، كما أنه منذ اتفاقية الهدنة التي تم التوصل اليها في سنة 2003 يبدو أن الهند اتبعت ثلاث استراتيجيات في التعامل مع العنف على حدود جامو وكشمير، وتتمحور تلك الاستراتيجيات حول ثلاث نقاط هي «المحادثات في ظل اطلاق النار» و«المحادثات مع النار» و«القصف غير المتكافئ». المحادثات في ظل إطلاق النار شهدت الفترة التي أعقبت هدنة سنة 2003 مباشرة درجة كبيرة من الهدوء على الحدود بين الهند وباكستان وهبطت انتهاكات وقف النار الى الحد الأدنى على الرغم من استمرار التغلغل داخل جامو وكشمير والهجمات الارهابية المتقطعة ضد الهند، ولم تحدث عمليات إرهابية رئيسة، وكانت كشمير هادئة بصورة عامة، كما أن المحادثات الثنائية خفضت بصورة جذرية العنف خلال تلك المرحلة، واستمر هذه الحال بشكل تقريبي حتى عام 2008. المرحلة الأخرى التي كانت فيها هذه الاستراتيجية واضحة حدثت خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الى لاهور، وبفضل التقارب الذي أفرزته تلك الزيارة لم تشهد الفترة الممتدة بين ديسمبر 2015 وفبراير 2016 أي انتهاكات تذكر لوقف إطلاق النار، وتجلت فوائد هذه الاستراتيجية التي تبنتها حكومة الائتلاف التقدمي المتحد السابقة وحكومة الائتلاف الوطني التقدمي بصورة واضحة تماماً. وتداخلت بقوة المشاركة مع باكستان والهدوء الذي ساد الحدود، ولكن الجانب السلبي تمثل في شعور الهند بأنها حاولت اتباع استراتيجية سلام ومحادثات عدة مرات في الماضي، ولم تحصل على نتائج إيجابية من باكستان، وقد أفضى ذلك الى شعور عميق بالمرارة في نيودلهي. ويرجع فشل هذه الاستراتيجية الى الهجمات الإرهابية التي وقعت ضد الهند والى التغلغل داخل جامو وكشمير وزيادة مستويات العسكرة والتطرف في باكستان، وهي عوامل ترى الهند فيها إسهاماً بارزاً من جانب الحكومة الباكستانية. وفيما كانت هناك فوائد من وراء المحادثات بين الجانبين غير أنها لم تكن متساوقة ولا من دون ثمن سياسي، وبكلمات أخرى بدت هذه الاستراتيجية، وفقاً لحسابات نيودلهي، مكلفة بقدر يفوق الفوائد المتوخاة. المحادثات والرصاص تمثلت الاستراتيجية الثانية في إجراء محادثات في ظل استجابة تناسبية مع استفزازات من قبل باكستان، ويبدو أن الفترة بين سنة 2010 و2012 تقع ضمن هذه الفئة، وللتوضيح يتعين علينا النظر الى هذه الصورة: انخرط الجانبان في محادثات خلال هذه الفترة وهبط معدل انتهاكات وقف النار بصورة كبيرة، وقد أبلغت الهند عن 70 انتهاكاً في سنة 2010 و62 انتهاكاً في 2011 و114 انتهاكاً في 2012، وفي عام 2010 التقى وزيرا خارجية البلدين في نيودلهي وأعقب ذلك اجتماعهما في إسلام أباد، وفي 2011 اجتمع وزيرا الخارجية في ثيمفو وفي 2012 أصدر وزيرا خارجية الهند وباكستان بياناً مشتركاً في إسلام أباد. وفيما استمرت المحادثات لم يتوقف إطلاق النار بصورة تامة على حدود جامو وكشمير، كما استمرت المحادثات وإطلاق النار ولو في مستويات معتدلة على أي حال، وكان من الواضح وجود فوائد عبر هذه اللعبة من الاستجابة التناسبية المتمثلة في مبدأ «محادثات مقابل محادثات ورصاص مقابل رصاص»، والتي استمرت من دون ضجة كبيرة وتميزت بقدر قليل من خطر التصعيد وبعدد أقل من الإصابات والضحايا مع نسبة أخف من الدمار. وعلى أي حال اشتملت هذه الاستراتيجية على ثمن سياسي رئيس، وذلك لأن المتشددين والمعارضة في الهند انتقدوا حكومة مانموهان سنغ واتهموها باتخاذ مواقف ضعيفة، وخصوصا عندما بدأت حملة إعدامات الجنود الهنود في سنة 2013 وأشارت التقارير الى تفاقم ما تشير الهند إليه باسم عمليات فريق عمل الحدود من جانب الجيش الباكستاني. وبدت تكلفة عدم الرد على أعمال القوات الباكستانية أعلى من الفوائد الحربية المتوخاة. القصف غير المتكافئ كانت الاستراتيجية الهندية الثالثة هي قصف غير متكافئ من جانب باكستان مع عدم إظهار أي رغبة في إجراء محادثات أو مفاوضات أو تنازلات، وكان واضحاً رفض الهند للاقتراح الذي صدر في شهر يناير الداعي إلى عقد اجتماع بين المديرين العامين للعمليات العسكرية بحجة أن نيودلهي كانت تريد أولاً رؤية هبوط في معدل تسلل، واعتبر حصيلة مباشرة لهذه الاستراتيجية. وبحسب باكستان فإن الهند قامت بأكثر من 389 انتهاكاً لوقف إطلاق النار في الفترة بين شهري أبريل وديسمبر من 2016 وأكثر من 2000 مرة في 2017 مع ميل إلى استمرار هذا الاتجاه في هذه السنة، وأبلغت الهند عن حدوث 449 انتهاكاً من جانب باكستان في سنة 2016 و860 انتهاكاً في 2017. وكانت فوائد استراتيجية هذا القصف غير المتكافئ جلية تماماً، وكانت نتيجتها السياسية المحلية بروز عدد قليل من الأسئلة التي وجهت الى الحكومة حول زيادة عدد الإصابات في صفوف العسكريين والمدنيين، وانطوت المجادلة حول «نحن نقتل منهم أكثر مما يقتلون منا»، والتي واكبتها «ضربات جراحية» أفضت إلى فوائد انتخابية في نيودلهي. وتوجد تكلفة متأصلة مرتبطة بهذه الاستراتيجية، وفي المقام الأول يمكن لاستراتيجية القصف غير المتكافئ أن ترفع من درجة القلق الذي يمكن أن يعكس الدعم الشعبي لهذا الأسلوب من استعراض القوة نتيجة ارتفاع عدد الإصابات. وثانياً، سيقلص ازدياد مستوى التدمير والقتل المتزايد مدى التفاوض المتاح مع باكستان، وأخيراً يمكن أن يفضي حجم التغطية الإعلامية الراهنة لعنف الحدود والمشاعر الوطنية المرتبطة بذلك الى مستوى من القلق بالنسبة الى الحكومة عندما تقرر التفاوض مع باكستان. استراتيجية باكستان الثلاثية يبدو أن باكستان تتبع استراتيجية ثلاثية الأطراف حول حدود جامو وكشمير بحسب مستواها المتدني أمام الهند: الحفاظ على مستوى العنف على الحدود، والسعي إلى إجراء محادثات ذات معنى حول كشمير من دون رفع مستواها، ومنع تسلل الخصم إلى داخل جامو وكشمير مع طرح إجراءات تهدف إلى خفض معدل العنف على الحدود من دون التخلي عن المطالب المتعلقة بكشمير. وبكلمات أخرى فإن باكستان تسعى الى إدارة النزاع حول حدود جامو وكشمير أو الى حوار رئيس من أجل حل هذه القضية.
مشاركة :