خطيب جامع الخير يشيد بجهود المراكز الاجتماعية في رعاية الوالدين والمسنين

  • 3/24/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قال خطيب بجامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة: إن المتأمل في واقع العالم وأحوال الشعوب يرى أنها تلهث وراء طوفان الماديات، وتركض مسرعة تجاه الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، تدور في فلكها حيث تدور، وتسير خلف أطروحاتها حيث تسير، (حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ) كما جاء عن رسول الله في صحيح البخاري! وفي خضم الأحداث الدولية والصراعات الإقليمية وما تقوم به الجماعات الإرهابية من تدمير وإرهاب وعنف، تبرز قضية لو أنفق الفرد عمره فيها لم يتحسر عليها يوماً، إنها قضية قد غفل عنها الكثير، لذا وجب التذكير بها، إنها برّ الوالدين، والإحسان إليهما، أحياءً وأمواتاً، قال تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا». [الإسراء: 23-24]. إذا كانت النفس مجبولة على حب من عطف عليها وأحسن إليها، فإن من أعظم الناس الأب والأم، فبرّهما فريضة من رب العالمين، وطاعتهما حتم مؤكد، لا عذر لأحد في جفائهما، أو التهاون في طاعتهما، فقد تكررت وصية رب العباد في حق الوالدين في أكثر من موضع في كتابه العزيز، قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا». [الأحقاف: 15]، وقال سبحانه: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا» [العنكبوت: 8]، يقول الإمام الطبريُّ: (أي: وصَّاه فيهما بجميع معانِي الحُسن، وأمرَ في سائرِ الناسِ ببعض الذي أمرَه به في والدَيْه، فقال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83]). إن بر الوالدين منهج سار عليه الأنبياء والمرسلون، واقتدى به الصحابة والتابعون والصالحون، قال تعالى عن عيسى عليه السلام: «وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا» [مريم: 32]، وقال عن يحيى بن زكريا عليهما السلام: «وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا» [مريم: 14]، وكان من منهجهم الدعاء للوالدين، أحياءً وأمواتًا، قال نوح عليه السلام: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» [نوح: 28]، وقال إبراهيم عليه السلام: «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ» [إبراهيم: 41]. الوالدان هما الخيمة التي يستظل تحتها الأولاد، فهما بهجةُ الحياة وزينتُها، وهما المكان الآمن، بالحديث معهما تتبدد غيوم الحزن والألم، وبدعائهما اليومي تسكن النفس وتطمئن الروح، وقد وقف رسول الله كثيراً للحديث عن الوالدين والإحسان إليهما، فقرنهما بالصلاة عمود الإسلام، فعن ابن مسعود قال: سألتُ النبيَّ: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: (الصلاةُ على وقتِها)، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: (برُّ الوالدَين)، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: (الجهادُ في سبيلِ الله) [البخاري ومسلم]، ويؤكد ذلك أن رجلًا جاء إلى النبي يستأذِنُه في الجِهاد، فقال: (أحيٌّ والدِاك؟)، قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهِد)، [البخاري ومسلم]. لقد قرنَ الله تعالى حقَّ الوالدَين بحقه سبحانه، فقال: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» [النساء: 36]، وقال سبحانه: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» [الإسراء: 23]، لقي ابنُ عمر رجُلًا في المطاف يحمِلُ أمَّه على ظهرِه يطوفُ بها، فقال: يا ابنَ عُمر، أتُرانِي جزيتُها؟ قال: ولا بزَفرةٍ واحِدةٍ. [البخاري في الأدب المفرد]، وجاء عن أبي أُسيدٍ الساعديِّ قال: قال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله، هل بقِيَ من برِّ أبوَيَّ شيءٌ أبرُّهما بهِ بعد موتِهما؟ قال: (نعم، الصلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما، وصِلةُ الرَّحِمِ التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صديقِهما) [الإمام أحمد في مسنده]. عباد الله، تأملوا معي في الصحابي الجليل أبي هريرة ماذا كان يفعل مع أمه، كان إذا ابتدَرَ الخروجَ من بيتِه وقفَ على بابِ أمِّه، فقال: السلامُ عليكِ يا أمَّاه ورحمةُ الله وبركاتُه، فتقول: وعليك السلامُ يا ولدِي ورحمةُ الله وبركاته، فيقول: رحمَكِ الله كما ربَّيتِني صغيرًا، فتقول: رحمَكَ الله كما برَرتَني كبيرًا. وإذا أراد أن يدخُل صنعَ مثلَ ذلك. عباد الله، هذا هو ديننا وتلك هي قيمنا ومبادئنا، سيرة الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين لهم بإحسان، محاسن دينِنا الحنيف تتجلى في بر الوالدين والإحسان لهما، ومن فقد ذلك فقد دينه وأمانته وخلقه. لا مقارنة بين محاسن ديننا الحنيف وبين الحضارة المادية الغربية الزائفة، فمازال الناس بخير ما استمسكوا بوالديهم، وحافظوا عليهم، وأكرموهم وبروهم وأحسنوا إليهم، ولم يقوموا برميهم في دور الرعاية الاجتماعية، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي قال: (رِضا الربِّ في رِضا الوالدَين، وسخَطُ الربِّ في سخَط الوالدَين) [الترمذي وصحَّحه ابن حبان والحاكم]. وتبقى كلمة شكر وتقدير لمراكز الرعاية الاجتماعية، فإن عملهم مشهود له، ومقدر من الناس أجمعين، فما يقومون به من رعاية للوالدين والمسنين والمتقاعدين لأعمال تثقل الموازين بالأجور العظيم، فالشكر والتقدير لكل من يعمل في تلك المراكز سواء كان موظفاً أو متطوعاً أو فاعل خير.

مشاركة :