جاء انتقال النجم الإنجليزي الشاب جادون سانشو الصيف الماضي من مانشستر سيتي الإنجليزي إلى بروسيا دورتموند الألماني، بمثابة إعلان صريح على أن هذه الموهبة الشابة لن تنتظر كثيراً من أجل إيجاد فرصة للعب في الفريق الأول لمانشستر سيتي المدجج بالنجوم.وقد تفجرت موهبة سانشو العام الماضي مع المنتخب الإنجليزي للشباب بعدما قدم أداءً رائعاً أيضاً مع المراحل السنية المختلفة لمانشستر سيتي. وكان سبب انتقال اللاعب البالغ من العمر 17 عاماً من الدوري الإنجليزي إلى الدوري الألماني واضحاً للغاية، وهو شعوره بأنه بات جاهزاً للعب مع الفريق الأول، ولذا من الأفضل له البحث عن نادٍ يحقق له هذا الهدف، وهو الأمر الذي وجد له صدى كبيراً في جميع أنحاء أوروبا.ولم يكن سانشو هو أول لاعب يرحل عن ناديه لهذا السبب، فخلال السنوات الأخيرة لم يتمكن باريس سان جيرمان الفرنسي من الإبقاء على خدمات لاعبيه الشباب كينغسلي كومان، وفي الآونة الأخيرة دان أكسيل زاغادو، اللذين رحلا في صفقتي انتقال حر إلى يوفنتوس وبروسيا دورتموند على الترتيب. ولكن في حالة سانشو، فقد رفض اللاعب الاستمرار مع مانشستر سيتي مقابل الحصول على راتب أسبوعي يبلغ 30 ألف جنيه إسترليني، ووعد من المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا بأنه سيتدرب بشكل منتظم مع الفريق الأول للنادي.ورغم أن انتقال سانشو أحدث صدى كبيراً في هذا الإطار، إلا أن كان هناك بالفعل شعور بالسخط بين عدد من أفضل المواهب الشابة في قارة أوروبا خلال فترة الانتقالات الصيفية الماضية، فقد انتقل نجم فريق برشلونة الفائز بلقب دوري أبطال أوروبا للشباب عام 2017 جوردي مبولا إلى موناكو الفرنسي، كما انتقل لاعب آخر من نجوم أكاديمية الشباب بالنادي وهو إريك جارسيا إلى مانشستر سيتي بعدما دفع النادي الإنجليزي الشرط الجزائي الموجود في عقد اللاعب، الذي تصل قيمته إلى 1.3 مليون جنيه إسترليني. وفي الوقت نفسه، فضل عدد من اللاعبين الإنجليز الشباب الرحيل إلى دوريات أخرى، لعل أبرزهم لاعب آرسنال كريس ويلوك الذي انتقل إلى بنفيكا في صفقة انتقال حر.لكن يمكن القول إن صفقة انتقال سانشو هي التي شجعت اللاعبين الشباب في جميع أنحاء أوروبا على القيام بالشيء نفسه، ففي فترة الانتقالات الشتوية الماضية دخل نجم المنتخب الإنجليزي الفائز بكأس العالم تحت 20 عاماً أديمولا لوكمان في تحدٍ مع سام ألاردايس ونادي إيفرتون، وطلب الانتقال على سبيل الإعارة لنادي لايبزيغ الألماني، رغم رغبة المدير الفني في انتقال اللاعب إلى ديربي كاونتي خلال الفترة المتبقية من الموسم. وفي ظل هذا التزايد الملحوظ في انتقالات اللاعبين الشباب، تسعى أندية الصف الثاني في أوروبا لاستغلال هذه الفرصة، ويأتي في مقدمتها نادي بروسيا دورتموند الألماني الذي نجح في التعاقد مع سانشو وزاغادو، وفي الآونة الأخيرة مع نجم برشلونة والمنتخب الإسباني تحت 17 عاماً سيرجيو جوميز. وينجح بروسيا دورتموند في القيام بهذا الدور بفضل تقديمه لرواتب جيدة للاعبين وتاريخه الجيد في تطوير إمكانات وقدرات اللاعبين الشباب والدفع بهم في صفوف الفريق الأول بالنادي. وهناك حقيقة واضحة للغاية في الآونة الأخيرة ساعدت النادي كثيراً في هذا الصدد، وهي ضمه للاعب الفرنسي عثمان ديمبلي وهو في الـ19 من عمره ثم الدفع به مباشرة في صفوف الفريق الأول بالنادي قبل بيعه في العام التالي لنادي برشلونة الإسباني بمقابل مادي ضخم.وخلال المؤتمر الصحافي لتقديم سانشو لوسائل الإعلام، قال المدير الرياضي لنادي بروسيا دورتموند، مايكل زورك، إن اللاعب البالغ من العمر 17 عاماً يعتبر صفقة «على المدى المتوسط». ومنح النادي الألماني للاعب الشاب القميص رقم 7 الذي كان يرتديه ديمبلي، وهو ما يعد علامة أخرى على الثقة الكبيرة التي يضعها النادي في هذا اللاعب. وكان زورك قد صرح بعد الحصول على خدمات المهاجم السويدي ألكسندر إيزاك - الذي كان مطلوباً أيضاً من ريال مدريد لكنه فضل الانتقال إلى النادي الألماني - بأن بروسيا دورتموند «لا يمكنه أن يشتري فقط النجوم الجاهزة»، مشيراً إلى أن النادي قد «أثبت خلال السنوات السابقة أنه يمنح اللاعبين الشباب فرصة اللعب في أعلى مستوى». وأكد زورك على أن سياسة النادي في سوق الانتقالات ترتكز على «نموذج ثنائي القطبين»، أي مزيج من اللاعبين الشباب الذين ينتظرهم مستقبل واعد واللاعبين الدوليين.وتسعى أندية أخرى مثل لايبزيغ وموناكو للاستفادة من هذه الظاهرة، حيث دخل الناديان في صراع قوي من أجل ضم المهاجم الشاب لنادي ليون ويليم جيوبلز الذي قرر عدم تجديد تعاقده مع النادي الفرنسي. وقدم الناديان نموذجاً لجذب اللاعبين الشباب من خلال إغرائهم باللعب في صفوف الفريق الأول، والمشاركة في دوري أبطال أوروبا، وفي حالة نجم موناكو، الموافقة على بيع اللاعب لنادٍ أكبر في حال حصوله على عرض مُرض. وينتهي عقد جيوبلز في صيف عام 2019 وقد قرر الرحيل عن النادي، مثل سانشو، على الرغم من تصريحات رئيس النادي الفرنسي، جين ميشيل أولاس، بأنه على استعداد لأن يجعل اللاعب البالغ من العمر 16 عاماً اللاعب صاحب أعلى أجر في تاريخ اللاعبين الشباب الصاعدين من أكاديمية الناشئين بالنادي.وبات يطلق على هذه الأندية اسم «الأندية التي تبيع لاعبيها»، مثل لايبزيغ وبروسيا دورتموند وموناكو، حيث دائماً ما يكون أبرز لاعبيها محط أنظار الأندية الأوروبية الكبرى. لكن تعاقد مثل هذه الأندية مع هؤلاء النجوم الشباب يقلل الفجوة بينها وبين الأندية الكبرى مثل برشلونة وريال مدريد وبايرن ميونيخ. ويجب الإشارة إلى أن القواعد الإجبارية في إسبانيا التي تلزم جميع الأندية بوضع شرط جزائي في عقودها مع اللاعبين قد جعلت نادي برشلونة يقف مكتوف الأيدي في محاولاته للاحتفاظ بلاعبيه مبولا وجوميز، اللذين تصل قيمة الشرط الجزائي لكل منهما إلى ثلاثة ملايين يورو.وعلاوة على ذلك، فإن إنفاق برشلونة الهائل على اللاعبين الكبار في الفريق الأول قد قوض ثقة اللاعبين الشباب بالنادي في إمكانية حصولهم على فرصة للعب مع الفريق الأول. وهناك أيضاً شعور بالتهميش بين اللاعبين الشباب في صفوف نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، ومن المتوقع أيضاً أن يرفض نجما فريق الشباب ياسين عدلي وكلاوديو جوميز تجديد تعاقدهما مع النادي.ومع ذلك، ما زال بإمكان برشلونة وباريس سان جيرمان أن يتعاقدا مع المواهب الشابة، إذ يقول كشاف بأحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز: «بعض الأندية الكبرى يمكنها التعاقد مع اللاعبين التي تشعر بأنهم لن يضيفوا للفريق الأول، لكن هذه الأندية تتعاقد مع هؤلاء اللاعبين الشباب وتبيعهم على سبيل الإعارة، وتسمح لهم باكتساب الخبرات اللازمة ثم تبيعهم بمبلغ أكبر وتحقق أرباحاً كبيرة. وتعرف الأندية أن هناك قيمة كبيرة في شراء المواهب الشابة بمقابل مادي صغير نسبياً». ومع ذلك، أصبح اللاعبون الموهوبون من الشباب أقل انجذاباً للأسماء الكبيرة في عالم كرة القدم مثل برشلونة ومانشستر يونايتد بسبب صعوبة الحصول على فرصة، وأكثر رغبة في الانتقال إلى أندية تعتمد بشكل أكبر على اللاعبين صغار السن من أجل الحصول على الخبرات اللازمة.
مشاركة :