الدعاية والتضليل الإعلامي.. هكذا تخوض الولايات المتحدة الحروب

  • 3/25/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا تدّخر وكالة المخابرات الأميركية “سي آي إيه”، أي وسيلة لتوظيفها في الحرب ضد السوفييت، من تجنيد الحيوانات إلى المقاهي السرية، بالإضافة إلى العمل التقليدي للعملاء المجندين والسرّيين. ومع تطور التكنولوجيا وتغير المعطيات والأعداء، تطور الوكالة من أساليبها، من ذلك استعمال وسائل التواصل الاجتماعي والطائرات دون طيار والتجسس عبر الأدوات المنزلية الذكية، لكن تبقى الدعاية الإعلامية ونشر الأخبار المظللة من أهم الوسائل التي تعتمدها السي آي إيه، ومختلف وكالات المخابرات للتأثير على الرأي. ويشير العميل السابق في السي آي إيه فليب جيرالد، إلى أن ماكينة الإعلام التابعة للمخابرات الأميركية تنشط في الفترة الأخيرة بشكل كبير مستفيدة من خبرة 70 عاما من تمويل مجلات الرأي والصحف ودور النشر. وكانت السي آي إيه إما مالكة وإما ممولة للعشرات من الصحف ووكالات أنباء ومحطات الإذاعة، كما نشطت دور نشر وعملت من خلال إصدار كتب، بتمويل من السي آي إيه، بمختلف اللغات. وقامت وكالة الاستخبارات المركزية وعبر حملات خاصة بتجنيد المئات من الصحافيين. ولم تتوقف وكالة الاستخبارات المركزية عن ممارسة هذه النشاطات، حيث قامت بتكثيفها بما يوجه الرأي العام والسياسات العالمية نحو تأييد السياسات الأميركية، من ذلك النشاط الإعلامي الكبير الذي سبق الغزو الأميركي للعراق والتبريرات التي ساقها الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون، لإقناع مواطنيهم والرأي العالم العالمي بضرورة الحرب. فليب جيرالد: عدنا ثانية إلى عصر التضليل الإعلامي حيث تتهم أجهزة الأمن الوطنية الأميركية بنشر مقالات تهدف إلى التأثير على الرأي العام في الولايات المتحدة وإنتاج ردة فعل سياسية فليب جيرالد: عدنا ثانية إلى عصر التضليل الإعلامي حيث تتهم أجهزة الأمن الوطنية الأميركية بنشر مقالات تهدف إلى التأثير على الرأي العام في الولايات المتحدة وإنتاج ردة فعل سياسية يعود جيرالد، في تحليل له نشرته مجلة “أميركان تريبيون”، إلى بدايات هذا التوجه، وتحديدا أثناء الحرب الباردة حيث كانت عمليات التضليل الإعلامي لعبة الكثير من الوكالات ويديرها الكثير من اللاعبين سواء في حلف الناتو أو في حلف وارسو المقابل. وفي بعض الأحيان يكون النشاط والرعاية واضحين للعيان والمثال على ذلك عندما يتبادل راديو أوروبا الحرة وراديو موسكو تعاليق لاذعة حول مدى رداءة الحياة اليومية في الحلف المقابل. لكن في أحيان أخرى تكون في شكل وضع مقالات في الإعلام من الواضح جدا أنها غير صحيحة لكنها مصممة لتغيير نظرة عموم الناس لما يحدث في العالم. ووفرت حرب فيتنام أرضية مثالية، حيث تخرج مقالات من الحكومة الأميركية ومسانديها تطرح خطابا عن معركة من أجل الديمقراطية ضد الحكم الاستبدادي بينما كان المعسكر الشيوعي يقدم حكاية مضادة عن قمع استعماري ورأسمالي لشعب يكافح من أجل الحرية. التأثير على الرأي العام ورثت وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” عباءة عمليات التحرك السري عن سلفها وكالة “أو آس آس” (مكتب الخدمات الاستراتيجية) التي أحرزت نجاحا باهرا في القيام بعمليات تضليل إعلامي خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه الوكالة، التي تم حلها رسميا في سبتمبر 1945، تعمل على جمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ بعض العمليات الخاصة والسرية، حيث قامت بتنفيذ العديد من العمليات خلف خطوط العدو أثناء الحرب، وكانت الوكالة تعمل أيضا في مجال الدعاية والإعلام للتأثير على الرأي العام. وفي أوروبا الغربية سارعت أحزاب شيوعية محلية قوية إلى التشهير بالهفوات التي ارتكبتها المخابرات الأميركية، ومع ذلك أدت القدرة على التلاعب بالإعلام الإخباري والمعلومات إلى وضع مقالات تنتقد السوفييت وحلفاؤهم إلى برامج كبرى موّلت مجلات وكتب وفي الوقت نفسه تسعى لكسب مجموعة من الصحافيين تنتج مقالات حسب الطلب. وأجري تدقيق مهم بأثر رجعي لاستخدام سي آي إيه وسائل التمويل السري بما في ذلك “مؤتمر الحرية الثقافية لتمويل الكتّاب والمجلات في أوروبا”، وأشهرها “باريس ريفيو”. وبوجود حرب منخفضة التوتر ضد الشيوعية، وهو صراع حظي بمساندة الكثير من الكتاب الوطنيين كان من السهل نسبيا تمويل المجلات وإيجاد مساهمين لكتابة مواد مناسبة ولم يجابه ذلك بمعارضة تذكر. وكان بعض رؤساء التحرير الكبار يعرفون أو تساورهم شكوك قوية حول مصدر تمويلهم بينما لم يكن البعض الآخر يعلم شيئا، لكن أغلبهم لم يطرح أي أسئلة لأن في ذلك الوقت مثلما هو الحال الآن كان أصحاب المجلات الأدبية يشكون من نقص في العرض. وكان الكثير من الكتاب يجهلون تماما مسألة التمويل لكنهم كانوا يكتبون ما يكتبون بدافع من قناعاتهم السياسية الشخصية. وكانت السي آي إيه التي تريد القيمة مقابل المال تحث على اتباع خطوط تحريرية معينة لكنها لم تكن دائما مصرة جدا على فعل ذلك في سعيها لترك العملية تسير دون الكثير من التدخل. الطائر المحاكي كشفت جلسات الاستماع في الكونغرس في عام 1976 أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تقوم بتقديم رشاوى للصحافيين والمحررين لسنوات، ضمن عملية سرية بدأت في الخمسينات، أطلق عليها اسم “الطائر المحاكي”، واستهدفت تشويه الشيوعية لدى الرأي العام العالمي. ويصنف الصحافي ماكيل فلوو هذا البرنامج من ضمن “أقذار” علميات السي آي إيه. وتلى جلسات استماع لجنة الكنيسة إعلان مدير وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت ورئيس الولايات المتحدة بعد ذلك جورج بوش الأب، أن “وكالة الاستخبارات المركزية لن تدخل في أي علاقة مدفوعة أو متعاقدة مع أي مراسلي أخبار معتمدين سواء أكانوا يعملون بدوام كلي أم جزئي لصالح أي خدمة إخبارية للولايات المتحدة من الصحف والمجلات والإذاعة أو شبكات أو محطات التلفزيون”. لكنه أضاف أن وكالة الاستخبارات المركزية ستواصل الترحيب بالدعم غير المدفوع والتطوعي للصحافيين. وكانت مجلات الرأي شيئا لكن الدخول إلى عالم الصحف قصة مختلفة كثيرا، إذ كان من السهل إيجاد صحافي من مستوى منخفض أو متوسط والدفع له لكتابة بعض المقالات المعينة، لكن المسار نحو النشر الفعلي كان وما يزال أكثر تعقيدا من ذلك، حيث تمر هذه المقالات بعدة مستويات مراجعة قبل طباعتها. ويذكر جيرالد أن السي آي إيه كان لها “عميل في صحيفة في كل عاصمة في العالم وذلك منذ سنة 1977 على الأقل”، يمكن توجيهه للنشر أو القضاء على مقالات. وبينما صحيح امتلاك السفارات وأجهزة المخابرات الأميركية قدرة كبيرة على وضع مقالات في عواصم أميركا اللاتينية وأجزاء من آسيا، إلا أن الأداء في أوروبا كان مختلطا نوعا ما. وكانت السي آي إيه بالفعل تمتلك عددا مهما من الوسائط الصحافية في أوروبا. وبالفعل يمكن للمرء أن يسأل عما إذا كان الدعم للمجلات الأدبية في الخمسينات والستينات، الذي تحول إلى عمليات أكثر مباشرة تبحث عن صحافيين عملاء، قد أحدث وقعا يذكر بالمعنى الجيوسياسي أو على الحرب الباردة نفسها. ويقول راي كلاين، الضابط السابق في مكتب الخدمات الاستراتيجية، ونائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية بين عامي 1966 و1962، إنه كانت للسي آي إيه إسهامات فكرية كبيرة لإبراز الجماعات اليمنية المحافظة بهدف تعبئة القوى السياسية والرأي العام، دعما لجنوح الولايات المتحدة في السبعينات نحو ممارسة سياسة القوة والتدخل بشؤون الدول في العالم. العودة إلى عصر التضليل العملية الأكثر مكرا كانت ما يسمّى بـ”عملية الطائر المحاكي” التي بدأت في مطلع الخمسينات والتي أحرزت على نحو مكشوف نوعا من تعاون النشريات الأميركية الكبرى ومصادر الأخبار للمساعدة في محاربة “التخريب” الشيوعي. وكشف هذا النشاط سيمور هارش في سنة 1975 وقامت لجنة الكنيسة في سنة 1976 بالتعمّق في توصيفه، وهي نقطة أصبحت فيها عمليات السي آي إيه للتأثير على الرأي في الولايات المتحدة غير قانونية وعموما تم حظر استعمال الصحافيين الأميركيين كعملاء مخابرات. كما تم الكشف أن الوكالة كانت تعمل خارج ميثاق تأسيسها لاختراق المجموعات الطلابية والمنظمات المناهضة للحرب في إطار “عملية الفوضى” التي كانت تحت إدارة قيصر المخابرات المضادة جيمس جسوس أنغلتون المثير للجدل إن لم نقل المجنون تماما، وفق فليب جيرالد. ولكون عجلة الحكومة كثيرا ما ينتهي بها المطاف بالدوران دورة كاملة، فإن جيرالد يرى أننا عدنا ثانية إلى عصر التضليل الإعلامي، حيث تتهم الآن أجهزة الأمن الوطنية الأ ميركية، بما في ذلك سي آي إيه، بنشر مقالات تهدف إلى التأثير على الرأي العام في الولايات المتحدة. ويذكر كمثال ملف كريستوفر ستيليه حول دونالد ترامب، وهو عبارة عن تقرير ظهر عن طريق سلسلة متعمدة من التحركات قام بها مدير سي آي إيه السابق جون برينان وكانت مليئة بالتعريضات غير المؤكدة لتدمير سمعة الرئيس المنتخب قبل استلامه السلطة. ودون شك يعتبر هذا الملف تطورا إيجابيا بالنسبة إلى كل الأميركيين الذين يهتمون بالحوكمة الرشيدة فيما يعتزم الكونغرس الآن التحقيق في الملف لتحديد من أمر بذلك وموله وما هو الهدف المقصود.

مشاركة :