يقرّ أحد المواقع المتخصّصة بنوع الأفلام التي تحدّثت عن الكائنات الغريبة الغازية للأرض، بأنها تجاوزت الـ150 فيلما، حيث كانت ثيمتها الأساسية الكائنات القادمة من المجهول، ومنها فيلم “ميتروبولس” (إنتاج 1927)، وفيلم “ديون” (1984)، وفيلم “ستوكر” (1979)، وفيلم “مفقود في الفضاء” (1995)، وفيلم “العامل الخامس” (1997)، وفيلم “الكوكب الكنز” (2002)، وسلسلة “المنتقمون وحراس المجرة”، وصولا إلى سلسلة “حرب النجوم”. وفي المقابل، ماذا لو كانت كل تلك الكائنات القادمة من المجرات البعيدة مجرد وهم وخرافة ونظرية مؤامرة؟ وفي فيلم “المواجهة” للمخرج فولفيو سيستيتو سننطلق من فرضية تقول إن كل تلك القصص التي تحاك عن الكائنات الغرائبية التي تزور الأرض خلسة وتختطف أشخاصا هي قصص ملفقة وأقرب إلى الخرافة. كل ذلك يجري من وجهة نظر كريس (الممثل رايان كارنيس)، وهو مخرج أفلام وثائقية، وكان قد شهد وهو صغير اختفاء والدته بدعوى أن كائنات فضائية قد هبطت إلى الأرض وقامت باختطافها، وهو ما لم يصدّقه قط من والده وبقي هاجس إثبات الحقيقة يراوده. وفي بحثه المضني يكتشف أن هنالك تجمّعات لأناس كانوا قد تعرّضوا لتلك الظاهرة، ومن بينها تجمع يقوده رجل الأعمال والسياسي بيل جونسن (الممثل دون ستارك)، حيث يعقد ندوات يروي من خلالها أناس عديدون قصتهم مع الاختطاف. لطالما كانت احتمالات وجود كائنات عاقلة في المجرة البعيدة موضوعا للنقاش، وانتقل ذلك أيضا إلى أدب وسينما الخيال العلمي، فذهبا بعيدا في تجسيم وتشكيل تلك الكائنات الزائرة الغريبة، وتراوحت ما بين طبيعتها العدائية وبين سلميّتها، وما بين ذلك كان هنالك جيل من المشاهدين يكتشف في كل مرة نوعا جديدا من تلك الكائنات وتقوم فكرة الفيلم على التحري وتعقّب الناجين من الاختطاف، لكن الشخصية الدرامية المحورية التي يتم من خلالها الغوص في الحقيقة، هي إيميلي (الممثلة جوردان هنسون)، والتي تكرّس حياتها بالكامل على أساس هذه الفكرة، معترفة بأنها عاشتها بجميع تفاصيلها المرعبة. في موازاة مرويات إيميلي واستذكاراتها من خلال الوثائق الفيلمية المسجلة التي تروي فيها محنتها، سوف تتجذّر فكرة الخرافة بزيارة إيميلي وكريس مجموعة نائية من الهنود الحمر الذين يسقونهما شرابا يجعلهما يعودان إلى العقل الباطن مستذكرين ما وقع لهما. وتتشابك خطوط السرد مع سعي جونسن إلى التصدي لمشروع كريس في إنجاز الفيلم الوثائقي، حيث يعمل على إيقافه بأي طريقة، بما في ذلك التخلّص منه، ليتحوّل الفيلم إلى صراع بين الطرفين. وخلال ذلك كله، هناك المزيد من الحبكات الثانوية التي يتم بثّها، ومن ضمنها وجود جسم كهرو مغناطيسي يكون سببا في تحريك العقل الباطن للأشخاص، كان قد تركه الفضائيون في عهدة إيميلي التي تعيش محنة كونها معرضة للاختطاف بناءً على خرافات الهنود الحمر. ولعل التحوّل الجذري في مسار الأحداث يكمن في تغيّر مسار شخصية كريس من حرصه على الوصول إلى الحقيقة إلى الدفاع عن إيميلي مهما كان ثمن المخاطرة، إذ يشعر بأنها ضحية مخادَعة مّا، وهو تحوّل درامي ما لبث أن تطوّر إلى مواجهة مع تلك الكائنات الغازية الافتراضية. واحتشد الفيلم بحلول بصرية وخدع سينمائية واستخدام متنوع للغرافيك في العديد من المواضع، وذلك للموازنة مع المشاهد العديدة التي تم تصويرها بكاميرا متحركة أو محمولة على الكتف، حيث كانت المشاهد النهائية من المواجهة مع الكائنات الفضائية هي الأجمل والأكثر براعة. ولتعزيز هذا الجانب البصري حفل الفيلم بتنوّع مكاني وانتقالات حملت الكثير من العناصر الجمالية المميزة، كالاتساع المكاني للقطات العامة عبر البراري من مستويات وزوايا عليا، وكذلك المشاهد داخل المركبة الفضائية أثناء احتجاز كريس وإيميلي، ومشاهد اللقاء مع الهنود الحمر التي مزجت الواقع بالشعوذة والسحر والهلوسة. وفي المقابل، لم يكن هنالك تكافؤ في قوى الصراع، إذ شاهدنا كريس وهو يواجه الكائنات الفضائية التي يفترض أنها اختطفت إيميلي، يواجهها أعزلَ ويتلقى ضرباتها، وكل ذلك في سبيل الحب الذي صار يتطوّر تدريجيا بينه وبينها. وبسبب التداخل بين ما هو متخيل وما هو واقعي يلتبس على المشاهد الفصل بينهما، فعلى فرض أن الشخصيات كانت تتعرّض للتخدير، فلماذا تعرض من هو وراء اللعبة كلها، أي بيل جونسن للاختطاف هو الآخر، إلاّ إذا كان ما شاهدناه من وجهة نظر كريس وإيميلي ما هو إلاّ ضرب من الهلوسة والخداع البصري لا غير؟ طاهر علوان
مشاركة :