غادر ما يزيد عن 5400 شخص من مقاتلين ومدنيين أمس، جنوب الغوطة الشرقية بسوريا، في عملية إجلاء هي الأكبر في يوم واحد بموجب اتفاق مع روسيا، وتفتح الطريق أمام قوات النظام للسيطرة على كامل المنطقة باستثناء مدينة دوما معقل الفصائل الأخير قرب دمشق. وتشكل خسارة الغوطة الشرقية، التي حاصرتها قوات النظام بشكل محكم منذ العام 2013، واستهدفتها بهجوم عنيف منذ 18 فبراير، ضربة موجعة للفصائل المعارضة التي احتفظت طوال سنوات بقدرتها على تهديد أمن العاصمة السورية دمشق. وتوصلت روسيا تباعًا مع فصيلي حركة “أحرار الشام” في مدينة حرستا ثم فيلق “الرحمن” في جنوب الغوطة الشرقية، إلى اتفاقين تم بموجبهما إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين إلى منطقة ادلب (شمال غرب)، فيما تجري مفاوضات مع جيش الإسلام بشأن مدينة دوما، وقال أحد قيادييه إن المفاوضات تضمن “البقاء” في المدينة. وخرجت منذ صباح الأحد عشرات الحافلات تدريجياً، واحدة تلو أخرى من جنوب الغوطة عبر ممر عربين وانتظرت حتى اكتمال القافلة، لتبدأ بعد منتصف ليل الاثنين الثلاثاء التحرك في طريقها إلى أدلب. وأورد التلفزيون السوري الرسمي، بعد منتصف ليل الأحد الاثنين أن “81 حافلة تقل 5435 من المسلحين وعائلاتهم” كانت جاهزة للانطلاق. ومع إجلاء 981 شخصاً في دفعة أولى السبت، يرتفع العدد الإجمالي للذين تم إخراجهم من زملكا وعربين وعين ترما وحي جوبر الدمشقي إلى أكثر من 6400 شخص، بين مقاتلين وافراد عائلاتهم ومدنيين آخرين. وكان التلفزيون السوري الرسمي، رجح عند إعلانه التوصل للاتفاق الجمعة، إجلاء نحو سبعة آلاف شخص من جيب سيطرة فيلق الرحمن. وغالباً ما تعلن قوات النظام بعد انتهاء تطبيق عملية الإجلاء، المنطقة المعنية خالية من وجود الفصائل قبل أن تدخلها وتبدأ عملية تمشيطها. – “لم أحمل سلاحاً” -وخلال ساعات الانتظار الطويلة، شاهد مراسل فرانس برس ركاباً يخرجون من الحافلات لتدخين السجائر أو لتناول بسكويت تم توزيعه عليهم. وشاهد مراسل فرانس برس العديد من مقاتلي الفصائل وهم يؤدون الصلاة أثناء انتظارهم وأسلحتهم معلقة على أكتافهم، فيما عمل جنود روس على منع الصحافيين من الاقتراب من مكان التجمع. وتخضع الحافلات بعد خروجها من عربين، لعملية تفتيش من قوات النظام للتأكد من احتفاظ المقاتلين بسلاحهم الخفيف فقط، قبل أن يستقل جندي روسي كل حافلة لمرافقتها حتى بلوغ وجهتها. وقال المقاتل أبومحمد (27 سنة)، لفرانس برس في أثناء انتظاره “قررت المغادرة لأحافظ على حياة زوجتي وأطفالي”. وأوضح أبويزن، وهو شاب في العشرينيات، “أنا مدني ولم أحمل السلاح، هجّرت من منطقتي بعد قصف عنيف جداً”. وتعرضت الغوطة الشرقية منذ 18 شباط/فبراير لحملة عسكرية عنيفة، تمكنت خلالها قوات النظام من تضييق الخناق وبشكل تدريجي على الفصائل وتقسيم مناطق سيطرتها إلى ثلاثة جيوب منفصلة، ما دفع بمقاتلي المعارضة إلى القبول بالتفاوض. في عربين وقبل دخول الحافلات صباحاً، تجمع عشرات المقاتلين والمدنيين وسط حالة من الحزن، بعدما وضبوا ما أمكنهم من حاجياتهم في الحقائب وأكياس من القماش، وفق مراسل لفرانس برس. ولم يتمكن بعضهم من حبس دموعهم وهم يهمون بالصعود إلى الحافلات وسط شوارع مملوءة بالركام، وعلى جانبيها أبنية مهدمة وأخرى تصدعت واجهاتها أو طوابقها العلوية جراء كثافة القصف. وقال أحد السكان ويدعى حمزة عباس لفرانس برس “يخرج الناس إلى بلاد غير بلادهم، لم يعد لديهم مال أو منازل أو حتى ملابس ليأخذوها نتيجة القصف”. وأضاف بتأثر “قررت مغادرة الغوطة، كيف بإمكاني أن أعيش مع شخص قتل أهلي وأصدقائي؟ مع من دمرني ودمر مستقبلي؟”. ويأتي اخلاء جنوب الغوطة الشرقية حيث لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) تواجد محدود بعد اجلاء اكثر من 4500 شخص بينهم 1400 مقاتل من حركة احرار الشام يومي الخميس والجمعة. وقبل التوصل إلى اتفاقات الإجلاء، تدفق عشرات الآلاف من المدنيين إلى مناطق سيطرة قوات النظام، مع تقدمها ميدانياً داخل مناطق سيطرة الفصائل. وقدرت دمشق عدد الذين غادروا من بلدات ومدن الغوطة الشرقية، منذ نحو أسبوعين بأكثر من 107 آلاف مدني عبر “الممرات الآمنة”، التي حددتها الحكومة السورية. – بانتظار مصير دوما-وبعد حرستا وجنوب الغوطة، تتوجه الأنظار إلى مدينة دوما مع انتظار نتائج مفاوضات تجرى مع مسؤولين روس. وقال الناطق باسم جيش الإسلام، حمزة بيرقدار، في تصريحات نشرها على موقع تلغرام ليل الأحد إن “المفاوضات الجارية مع روسيا هي من أجل البقاء في دوما وليس الخروج منها”. وبعد وقت قصير، أعلنت اللجنة المدنية التي تشارك في التفاوض حصول لقاء مع الوفد الروسي، تمت خلاله منقاشة نقاط عدة على أن يعقد اجتماع مقبل بعد ثلاثة أيام. ويرجح المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق يقضي بتحويل دوما إلى منطقة “مصالحة” على أن تعود إليها مؤسسات الدولة مع بقاء مقاتلي “جيش الإسلام” من دون دخول قوات النظام. وتتواصل منذ أيام عدة حركة النزوح من دوما عبر معبر الوافدين شمالاً، وأفادت وكالة سانا بخروج 1092 مدنيا الأحد. وجعل النظام السوري، مطلع هذا العام، من استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية أولوية له نظرا لرمزيتها الكبيرة بسبب قربها من العاصمة، وهي تعد من أولى المناطق التي شهدت تظاهرات احتجاج مناهضة للنظام في عام 2011. وخلال سنوات النزاع، شهدت مناطق سورية عدة بينها مدن وبلدات قرب دمشق، عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية، إثر حصار وهجوم عنيف، أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب نهاية العام 2016.
مشاركة :