أي مـسـتقبل ينـتـظر الـقـضـية الـفـلـسـطـيـنية؟

  • 3/27/2018
  • 00:00
  • 43
  • 0
  • 0
news-picture

لا نزال حتى الآن بانتظار «صفقة القرن» التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في الأثناء هناك الكثير من الإشارات والتلميحات إلى ما قد تحتويه هذه الصفقة - وما قد لا تحتويه أيضا. تطرقت صحيفة نيويورك تايمز إلى هذا الوضع ووضعت تصورا يتضمن الخطوط العريضة لمثل هذه الصفقة الموعودة. يقال إن سلطات البيت الأبيض قد أطلعت ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على الخطوط العامة للصفقة. يقال أيضا إن القادة الفلسطينيين والأردنيين قد اطلعوا بدورهم على هذه الخطوط العامة وأنهم قد انزعجوا كثيرا لما سمعوه بهذه الشأن. لم نملك حتى اليوم إلا أن نستند إلى الإشارات المبطنة والمراهنات والتكهنات والتي قد تسبب خيبة أمل كبير وتقابل بالرفض التام. لعله من السابق لأوانه الآن الحكم على العمل الأول الذي أنجزه كل من الثنائي كوشنير وجرينبلات غير أنه من الأفضل أن نبادر منذ الآن بإطلاق بعض التحذيرات المبكرة كي نبين ونوضح الحدود المقبولة وتلك الأخرى التي لا يمكن القبول بها لفداحة عواقبها إضافة إلى الاستعداد منذ الآن لردود الأفعال الطويلة والقصيرة المدى والتي ستشكل بدورها المواقف وردود الأفعال الإقليمية. ينتظر أن تنقل الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها رسميا إلى القدس يوم 14 مايو المقبل. فلا بد إذن التفكير من الآن في تبعات مثل هذه الخطوة على الوضع القانوني للمدينة المقدسة. لقد قال الرئيس ترامب إنه أقدم على رفع مسألة القدس من طاولة المفاوضات كي يتمكن في المستقبل من انتزاع التنازلات من الإسرائيليين غير أن الإسرائيليين لا ينظرون إلى المسألة بنفس هذا المنظار. سيظل الفلسطينيون يتمسكون بالمطالبة بحقهم في اتخاذ القدس الشرقية عاصمة لهم غير أن إسرائيل تصر بدورها على جعل إمكانية تلبية هذا الطلب الفلسطيني مستحيلة. لقد استقوت حكومة بنيامين نتنياهو بعد الإعلان الذي صدر عن دونالد ترامب فراحت تعمل بكل قوة على تعزيز موقعها في ما يسمى «القدس الكبرى». فقد تمت الموافقة على تشييد عدة أحياء جديدة لليهود في المدينة المتنازع عليها علما أن بعض هذه المشاريع سيبنى في قلب الأحياء العربية في القدس الشرقية. يجري الآن في الكنيست مناقشة التشريعات الجديدة التي ستقلص عدد السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في مدينة القدس. هناك أيضا مسألة مركزية لا تقل أهمية وهي التي تتعلق بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. سيكون من المفرح لو أن الثنائي كوشنير وجرينبلات يقدمان لنا حلا عمليا لتسوية هذه المشكلة التي تعود إلى سبعة عقود من الآن غير أنني لا أنتظر أي شيء على هذا الصعيد، إذ إنه لم يأت أي أحد حتى اليوم على ذكر هذه القضية التي باتت تعتبر مجرد «مشكلة ديمغرافية» بالنسبة لإسرائيل - التي تتناسى أنه قد تم تشريد الفلسطينيين وتهجيرهم تاريخا من أجل أن تقوم الدولة الجديدة على مزيد من الأراضي مع وجود اقل عدد ممكن من السكان العرب. في الواقع فإن قضية اللاجئين أكثير من مجرد «مشكلة ديمغرافية». إنها مسألة تتعلق بحقوق الملكية والعدالة وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم - وهي الحقوق المعترف بها من المجتمع الدولي. ظل الفلسطينيون يناضلون على مدى جيلين كاملين من أجل ممارسة حقهم الشرعي في العودة إلى ديارهم، لذلك فإن «صفقة القرن» ستولد ميتة لو أنها حاولت أن تمسح هذا الحق بجرة قلم أو تتجاهل هذا المطلب الذي يتمسك به الفلسطينيون بكل قوة. في هذه الأثناء تظل إسرائيل تزعم أنها لا تستطيع (وهي في الحقيقة لا تريد) أن تستوعب اللاجئين الفلسطينيين، لذلك فإننا لا نستبعد التبعات الوخيمة التي قد تنجم عن أي محاولة لإسقاط «حق اللاجئين في العودة» ووقع ذلك على اللاجئين الفلسطيني في بلدان الشتات في المنفى، ناهيك عن التحديات التي تتعلق بمستقبل الاستقرار في كل من الأردن ولبنان -ناهيك أيضا عن مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة والذين يحلمون حتى اليوم بالعودة إلى ديارهم واستعادة أملاكهم داخل الخط الأخضر. قد لا تعبأ إسرائيل بهذه التبعات والعواقب الوخيمة على كامل المنطقة غير أنه لا بد للولايات المتحدة الأمريكية أن تفكر في هذه العواقب الوخيمة. لم تتوخ إدارة الرئيس ترامب أسلوب الوضوح فيما يتعلق بالموقف من الدولة الفلسطينية. في نفس الوقت قال الرئيس ترامب إنه منفتح على حل الدولتين – مهما كانت النتيجة التي يقبل بها الطرفان. يعيش اليوم 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية في مناطق استراتيجية تربط بينها شبكة من الطرقات الخاصة باليهود دون سواهم، لذلك بات اليوم من الصعب أن نتصور أنه لا يزال بالإمكان القيام بعملية فصل المستوطنين من أجل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. يشدد الفلسطينيون على حقهم في إقامة دولة مستقلة غير أن الإسرائيليين، الذي يحظون بدعم كامل من الكونجرس الأمريكي، يواصلون سياساتهم الاستيطانية الرامية إلى جعل هذا الطلب الفلسطيني غير قابل للتطبيق على أرض الواقع. فقد ظلت حكومة بنيامين نتنياهو تضم مزيدا من الأراضي المحتلة كما أن الكونجرس بات يتحدث من خلال التشريعات التي يصدرها عن «إسرائيل والأراضي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية» ويعتبرها كتلة واحدة. إذا ما فشل الثنائي كوشنر - جرينبلات في معالجة المشاكل الناجمة عن الجدار (الذي شيد أغلبه في الأراضي الفلسطينية) والمستوطنات والطرقات، ورفض إسرائيل أي تفاوض بشأن سيطرتها على وادي الأردن وعلى كل المنافذ الحدودية إضافة إلى الأمن في كامل الأراضي - إذا ما فشل هذا الثنائي في ذلك فإن الحل الوحيد الممكن سيكون قيام دولة واحدة، بدل حل الدولتين. إذا لم يتحقق ذلك فإن إسرائيل ستكون دولة أبرتهايد - للفصل العنصري. لقد كثر الحديث عن «صفقة القرن» وإمكانية أن تلقى قبولا واسعا من كبرى الدول العربية فيما تأمل إسرائيل أن تحقق لها «صفقة القرن» التطبيع الذي تنص عليه مبادرة السلام العربية، من دون أن تدفع للعرب ثمن التطبيع، أي الانسحاب من الأراضي المحتلة. هذه فنتازيا خطيرة ووخيمة العواقب وهو أقل ما يمكن أن نقوله. لا شك أن العالم يواجه اليوم الكثير من التحديات الجسيمة، مثل التطرف والخطر الإيراني غير أن الكثيرين قد ضاقوا ذرعا أيضا بما تعاني منه القيادة الفلسطينية، من وهن وتفكك وانعدام الرؤية. سيكون من الخطأ الجسيم القول إن كل هذه العوامل تعني أن القضية الفلسطينية لم يعد لها من يؤيدها. ‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :