في اللقاء الذي عقده معالي وزير المالية الدكتور ابراهيم العساف مع رؤساء تحرير الصحف المحلية وممثلي وسائل الإعلام الأخرى، بعد انتهاء اجتماعات قمة العشرين في برزبن، استراليا، مساء أمس الأحد، أشار معاليه إلى الأهمية الكبيرة التي حظيت بها مشاركة المملكة في القمة، حيث كان لحضور الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأثر الإيجابي على مكانة المملكة في هذا التجمع العملاق الذي يملك 80% من اجمالي الناتج المحلي العالمي، ويمثل ثلثي سكان العالم. لقد كانت هناك عدة لقاءات ثنائية لسمو ولي العهد مع زعماء الدول المشاركة، ومثل هذه اللقاءات تجدد الحيوية السياسية التي تتمتع بها بلادنا، فوجود المملكة في هذا التجمع هو أيضا حضور ومشاركة للدول العربية، وضمان لطرح وتبني القضايا التي تهم الشعوب العربية والإسلامية. منذ سنوات بعيدة، حضور خادم الحرمين الشريفين أو سمو ولي العهد في اللقاءات العالمية أو الإقليمية يترك أثرا إيجابيا على هذه اللقاءات، ويبقي الأثر الإيجابي على سمعة ومكانة بلادنا، وهذا تدعمه عدة اعتبارات. يأتي في مقدمتها المكانة الروحية للمملكة في العالم الاسلامي، ومعها المكانة الاقتصادية، وأيضاً يدعم ذلك الموقع الجغرافي الإيجابي لصنع المواقف السياسية والاقتصادية. يضاف إلى ذلك أن المملكة بنت منذ سنوات بعيدة سياستها الخارجية على الوقوف من القضايا الأساسية الدولية المطروحة بايجابية، ولا تدخل التجمعات الإقليمية أو الدولية إلا لتكون عنصر اضافة إيجابيا لهذا التجمع وتعمل بمبدأ أن تكون جزءا من الحلول، وهذا ما يحدث في مساهمة المملكة في مجموعة العشرين، منذ انطلاق هذا التجمع الذي ارتقت المشاركة في اجتماعاته لتكون على مستوى الزعماء، وذلك بعد الأزمة المالية التي هزت العالم في العام 2008. فرغم أن هذا التجمع غير ملزم للأعضاء ولا يقوم على معاهدة أو اتفاقية ملزمة، إلا أن المملكة التزمت بتنفيذ أغلب الخطط والاجراءات التي دعت إليها القمة الأولى للمجموعة بعد الأزمة العالمية في العام 2008، وهذا ما أشار إليه وزير المالية. فالمملكة مضت في تنفيذ الإجراءات الضرورية لتقوية المؤسسات المالية عبر زيادة متطلبات الشفافية ورفعت متطلبات الحوكمة، ودعمت القطاع المصرفي ليساهم في استمرار النمو الاقتصادي وتعزيز سياسات تنويع البنية الاقتصادية. كذلك كانت المملكة سباقة إلى توسيع مشاريع البنية التحتية، قبل الأزمة المالية العالمية، وقبل إقرار ضرورة الإنفاق على البنية التحتية ضمن السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء. الملك عبدالله، حفظه الله، انطلق بهذا المشروع بقوة منذ ارتفاع ايرادات الدولة. وحتى مع بوادر تراجع أسعار النفط، أعلنت المملكة التزامها بالمضي بالانفاق على المشاريع الأساسية الكبرى، مثل مشاريع النقل العام. ووزير المالية كان مطمئنا في حديثه أمس إلى قدرة الحكومة على ضمان الاستقرار المالي لمشاريع البنية التحتية، فقد ذكر ان القائمين على التخطيط للسياسات المالية والاقتصادية وضعوا في اعتبارهم المخاطر المُحتملة لتراجع أسعار النفط، فمنذ سنوات اتخذت خطوات لإنهاء الدين العام، وبناء احتياطيات مالية، وغير ذلك من الأدوات والآليات التي سوف تضمن استقرار الدولة في الانفاق على المشاريع الضرورية للتنمية المستدامة. حضور ولي العهد للقمة هو تأكيد لارادة سياسية ثابتة تضع المملكة أمام مسؤولياتها تجاه القضايا الأساسية للانسانية، والمشاركة الإيجابية المستمرة للمملكة في القمة عنصر اضافة لهذا التجمع، وحضورنا فيه يضعنا في قلب اتخاذ القرارات الدولية المصيرية. وحتى نكون أكثر فاعلية، ذكر وزير المالية ان المملكة كرست فرق العمل الفنية المتخصصة، من الكفاءات السعودية العاملة في المملكة أو في المنظمات الدولية الرئيسية، للتحضير طوال العام للقمم، حتى تتحقق المصالح الوطنية العليا لبلادنا. ومصالحنا أمامها تحد رئيس، ففي السنوات القادمة سوف تتضاعف الأهمية لهذا التجمع بعد دخول موضوعات أساسية لاستدامة النمو الاقتصادي، فقد أضيفت قضايا توظيف الشباب إلى الاجندة الرئيسية، وكذلك دور مؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث ومؤسسات صنع السياسات، وادخل قيادات القطاع الخاص في هذا المنتدى لإثراء النقاش، ويطرح ضرورة ادخال قضايا البيئة والتغير المناخي. نتطلع إلى تعزيز دورنا في مثل هذا التجمع الذي يقود العالم، وغيره من التجمعات الدولية، فالمملكة دولة محورية، وإذا تحركت بثقلها الروحي والسياسي والاقتصادي واستثمرت تجاربها وخبرتها الدولية والدبلوماسية، فإنها ستكون بمثابة القاطرة التي تأخذ معها العديد من القضايا الحيوية والأساسية، ليس لبلادنا بل للعالمين العربي والإسلامي، إلى الاجندة والاهتمامات العالمية.
مشاركة :