أستغربُ أن يكون هناك كل هذا الزخم الكبير للانفتاح على الفنون والرياضات المتنوعة، في سياق إعادة «تطبيع» المجتمع، ثم لا يكون هنالك أي حديث عن المسرح!، وأستغربُ أكثر أن يذهب الاهتمام كله لصالح السينما فيما لا أثر هنالك (لأبو) الفنون حتى ولا في طابور الانتظار. المسرح المحلي بوصفه الواجهة الأكثر حضارية للثقافة، ومنذ حسين سراج وأحمد السباعي في أواسط الأربعينيات الميلادية لا يزال يسير بعكازين. وفي مطلع السبعينيات الميلادية، تنبه الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- إلى تلك الإشكالية، فبادر بإنشاء جمعية الثقافة والفنون، التي أحدثت بعض الحراك، إلا أنها كانت أدنى من أن تكسر حواجز الإعاقات، أولا بسبب ضيق هامش الحرية في الطرح والانتقاد، ثم وجود قائمة ممنوعات طويلة كافية لإرسال ذلك المسرح إلى أقصى زوايا العتمة، لذلك ظل هذا الفن على المستوى المحلي كسيحا، ومعاقا، ومصابا بفقدان الهوية، رغم محاولات الكثيرين من الشباب تحدي الظروف وصناعة حياة مسرحية مقنعة، لكنها اصطدمت بفروض الواقع فأنتجت في الغالب فنا مسرحيا هجينا، لا هو تمثيلية ولا هو مسرحية، تماما كمخلوق ملفل في «موبي ديك» (لا هو شرنقة ولا هو فراشة). اليوم «ليس الجريدة» وإنما الظرف الزمني، ومع هذه الحالة من سيلان المجمدات، كنتُ أفترض، أو هكذا يجب -حسب رأيي على الأقل- أن أول ما كان يلزم الالتفات إليه هو المسرح، حتى قبل السينما، لماذا؟، لأنه إن وجد البيئة، والمناخ، والحاضنة الطبيعية الشفافة والخالية من التوجس، ووجد هامش الحرية في النقد والتصويب، فإنه سيكون أهم أدوات التثقيف، والترفيه، وكذلك أهم أسلحة محاربة الفساد، ونقد الأخطاء والسلوكيات الملتوية، لا بل سيكون الباب أكثر اتساعا لاستيعاب مواهب وقدرات شبابنا، والتي كشفت عنها وسائل التواصل، وتحديدا اليوتيوب، بعد أن أعادوا اكتشاف أنفسهم يوم لم يجدوا من يكتشفهم، حتى أننا أصبحنا فعلا أمام ظاهرة فنية سعودية زاحمت بالمناكب كل من كان يتسيد هذه الساحة على مدى عقود.
مشاركة :