عندما نتحدث عن مباريات المالكية وخاصة مع الفرق الكبيرة والتاريخية يجب أن نفرد لها الكثير من المحاور والمفردات، ونخصص لها المساحة الكافية لاحتواء وتسليط الأضواء على مختلف التفاصيل الصغيرة وحتى الكبيرة، وهذا من منطلق الإيفاء بالحق، وتبيان الحقيقة الناصعة لهذا الفريق العظيم، الذي يثبت يوما عن آخر إيمانه التام بشبابه ورجاله الأوفياء المخلصين. لقاء المالكية والمحرق المؤجل من الجولة الرابعة عشرة من دوري NBB لأندية الدرجة الأولى، والذي انتهى بالفوز المثير وفي الدقيقة الأخيرة من زمن الوقت المحتسب بدلا من الضائع (الدقيقة95)، وبنتيجة هدفين مقابل هدف لصالح المالكية، أعطانا الكثير من الدروس والعبر في عالم كرة القدم، والخلاصة أن الرغبة في الفوز وتحقيق أعلى معدلات النجاح لا تأتي لمجرد التاريخ والأمنيات، بل تحتاج إلى العمل ثم العمل ومن دون توقف. الخلاصة أن المالكية استطاع أن يؤجل حسم المسابقة ولو لأيام فقط، والذي كان متوقعا منذ جولات سابقة لصالح شيخ الأندية، صاحب التاريخ الأبيض، والمرصع بالذهب فريق المحرق عاجلا أو آجلا، ورفض رفضا قاطعا أن يتم هذا التتويج على أكتافه ومن أمام جماهيره الوفية التي زحفت للملعب وهي تدرك أن فريقها يعاني على المستوى الآسيوي ولا يعيش في أفضل حالاته الفنية، رغم كونه بطلا لمسابقة الدوري في الموسم الماضي. إصرار وعناد إيجابي مصطلحات الإصرار وقوة الإرادة قد تتحول إلى مصطلحات إيجابية أو سلبية تبعا للمواقف التي تظهرها، وفي الواقع فإن إصرار وعناد المالكية على رفض التعادل فضلا عن الخسارة من أمام المحرق، كان إيجابيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والفريق في مجمله العام قدم نموذجا حيّا على البذل والعطاء، وتجسيد قيم المنافسة الشريفة، والاحترام المتبادل، وأعتقد أن المالكية استطاع أن يبرهن على ثقته بنفسه كفريق بطل في الخارطة المحلية، ويؤكد حضوره في المواقف الصعبة، والاختبارات الجادة، مهما قصّر في بطولة أو مسابقة ما. المالكية رفض التتويج المحرقاوي المنتظر لبطولة دوري NBB لهذا العام ومن أمامه، وذلك لثقافة متأصلة في أبناء المالكية أعتقد جازما أنها كانت في قواميس المحرق لسنوات طويلة وستظل كذلك لاسم وتاريخ وعراقة نادي المحرق العظيم، وهذه الصفة جعلت من فريق المالكية اليوم مثار إعجاب العديد من النقاد والرياضيين ومحبي كرة القدم في البحرين وخارجها. المالكية بأيّ حال من الأحوال حتى وإن فاز، كان يدرك قبل هذه المواجهة أنه سيظل في المركز الثالث خلف النجمة الوصيف والمحرق المتصدر، لكنه آثر اللعب على حظوظه وأمله الضعيف بالمنافسة على اللقب، واستشعر أهمية العودة بعد الإخفاق الآسيوي الأخير أمام فريق القوة الجوية العراقي، والمباراة الدراماتيكية التي كان يتقدم فيها المالكية بثلاثة أهداف نظيفة، قبل أن يخرج خاسرا بالأربعة، ولذلك حوّل الدرس السلبي إلى حالة إيجابية معنوية ومن أمام فريق لا يحتاج إلى تعريف أصلا وهو المحرق المتربع على عرش الألقاب المحلية. الأسلوب المثالي اتخذ المالكية أسلوبا مثاليا في مواجهة المحرق، وفضّل الاعتماد على سلاح منافسه المباشر في مواجهة مختلف الفرق، وهو أسلوب الضغط المبكر من الأمام، وعدم فتح المجال أمام لاعبي الفريق المنافس في التقدم أو بناء الهجمات إلا في حالات نادرة، وأعتقد أن تخطيط المدرب الخبير أحمد صالح الدخيل كان على صواب وخاصة في الشوط الثاني الذي لم نشهد فيه أية فرصة حقيقية للمحرق. نعم.. شوط كامل ربما هو أسوأ أشواط المحرق في الموسم والدوري وحتى في مسابقة الكأس، لأنه من غير المعقول أو المقبول أن يخرج المحرق بخفي حنين في شوط واحد وبدون فرصة واضحة، وهذا ما أثار استغراب العديد من الجماهير والمتابعين في نهاية اللقاء، وفتح المجال للتساؤلات الكبيرة حول مستوى وأداء اللاعبين الذهني والبدني. الدرس المستفاد هو أن المدرب أحمد صالح الدخيل اتخذ (التكتيك) المناسب لعقلية لاعبيه الناضجة، وتم ترجمته من قبل المجموعة على أعلى درجات الكفاءة، والصراحة يجب أن تقال وهي أن المالكية فريق غني عن التعريف في أسلوب المثابرة وعدم اليأس أو الاستسلام، حتى أن أغلب المباريات التي لا يؤدي فيها الفريق جيدا، يؤكدحضوره من خلال العديد من الفرص التي يحصل عليها لاعبوه. تألق وانسجام يجب أن نشيد ونقف وقفة احترام لأداء المحترف السوري إسراء عامر الحموية لاعب خط الوسط في صفوف المالكية، والذي أبلى بلاء حسنا وكان عنوانا للتألق في لقاء المحرق، وأحرز هدفي فريقه، وقدم مجهودا بدنيا جبارا في لقاء عصيب ومثير من أمام متصدر الدوري، وهذا يعطي الانطباع العام بأن المحترفين الذين يتواجدون في صفوف المالكية يتطبّعون بأطباع أبناء هذه القرية الجميلة، ويتصفون بصفات زملائهم اللاعبين في الرغبة بتحقيق الإنجاز وعدم التوقف عند حدود معينة، وباختصار يؤكدون مقولة واحدة هي أنه (لا مستحيل مع المالكية). المحترف السوري جدد عقده مع الفريق وسيواصل عطاءه مع المجموعة للموسم القادم، وربما يتواجد معه بقية اللاعبين الذي يقدمون مستويات رائعة، تحقيقا للانسجام التام والتألق الكبير بقيادة المدرب الوطني أحمد صالح الدخيل، الذي أثبت أنه الرقم الصعب في المجال التدريبي محليا، والقادر على إعادة صناعة التاريخ مع أبناء المالكية. الاحتفال المبكر لا نبالغ إن قلنا ان لاعبي المحرق استعجلوا الاحتفال باللقب مبكرا، بل وأيقنوا من خلال أدائهم أن المالكية من المستحيل أن يحرز هدفين في الشوط الثاني، ولذلك لاحظنا غياب الحالة الذهنية، والتراجع البدني لدى مجموعة كبيرة من اللاعبين، حتى أن الهجوم المحرقاوي تأثر كثيرا نتيجة هذه الحالة السلبية التي تكاد تحدث للمرة الأولى هذا الموسم. هذه الأمور واردة في كرة القدم، واللاعبون الكبار يتعرضون لها، وكان من الواجب إدراك لاعبي المحرق حقيقة واحدة، هي أن المباراة لم تنته بعد، وأن هناك شوطا آخر يحمل في طياته الكثير، و45 دقيقة قادمة من العمل والمعاناة أمام فريق المالكية بطل المسابقة، والذي فاز على المحرق في الموسم الماضي مرتين ذهابا وإيابا. ليس من العيب أن تخطئ، ولكن من المعيب أن تستمر على هذا الخطأ، والمحرق اليوم بات أقوى من أيّ وقت مضى، ولا أعتقد أن الفريق سيفرّط بلقب هذا الموسم في الجولة القادمة أمام الشباب فهو بحاجة إلى نقطة واحدة للتتويج رسميا، ومصالحة جماهيره الوفية التي خرجت من ملعب اللقاء الأخير وهي في حالة دهشة وصدمة وامتعاض من الأداء السلبي. بقي أن نوضح أن نقطة مهمة وهي أن التراجع الذي خلّفه الفريق أمام المالكية لم يكن مبررا على الإطلاق، حتى أن التغييرات التي أجراها المدرب الوطني الخبير سلمان أحمد شريدة فيها العديد من علامات الاستفهام، فلم يكن هناك دور بارز للبدلاء في تلك المواجهة، والفريق بشكل عام افتقد للعب الجميل والحماسة والرغبة في إثبات نفسه كبطل حقيقي لهذا الموسم ومن دون خسارة. شكرا للجماهير وللفريقين هنا نوجّه شكرا خاصا لجماهير المالكية والمحرق على الروح الإيجابية والاحترام التام الذي أظهروه في لقائهما بالجولة الماضية، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على حالة التوافق التام بين الطرفين، والمحبة وأواصر الألفة التي تجمع ممثلي الرابطتين والناديين عموما، فقد قدموا نموذجا مميزا من الوطنية والانتماء بعيدا عن التعصب والمغالاة. كما لا ننسى أن نشكر ونشيد بعطاء اللاعبين والجهازين الفني والإداري بالناديين على روحهم الرياضية والتصريحات التي اتسمت بالحياد، والإنصاف في أغلبها، ونطالب بقية الأندية بأن تحذو حذوهما في إظهار روح المنافسة والرغبة الحقيقية في إسعاد الجماهير، وتقديم كرة القدم الجميلة التي ترفع من شأن الكرة البحرينية في مختلف المواقف.
مشاركة :