الإمارات والمياه العذبة.. تجربة رائدة نحو الاستدامة

  • 3/29/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

د. ثاني بن أحمد الزيودي*لا شك في أن أزمة الجفاف وتراجع مستويات المياه العذبة تعد واحدة من أهم الإشكاليات البيئية التي يواجهها العالم حالياً، وبالأخص في ظل تزايد حدة تداعيات التغير المناخي، وارتفاع درجة حرارة الأرض. وتعد أزمة مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا التي تصدرت وسائل الإعلام العالمية مؤخراً، بسبب تراجع منسوب المياه في تلك المدينة ذات الـ4 ملايين نسمة إلى حد الجفاف، المثال الأحدث والأكثر إيضاحاً لخطورة هذه الأزمة على حياة ملايين البشر.وعلى الرغم من سياسة ترشيد الاستهلاك الفردي القصوى للمياه التي تطبقها كيب تاون، والتوقعات بزيادة منسوب الأمطار، الأمر الذي أرجأ احتمالية جفاف المدينة للعام 2019، إلا أن ما يحدث يدق ناقوس خطر، ويلفت الانتباه العالمي إلى ضرورة العمل من أجل المياه، والتحرك لابتكار حلول ناجعة لهذه الأزمة.ووفقاً للإحصاءات العالمية، فإن 60% من سكان العالم يتواجدون في مناطق تعاني نقصاً في موارد المياه العذبة، بسبب تجاوز معدل الطلب إجمالي العرض. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة في ظل ما نشهده عالمياً من تداعيات التغير المناخي التي تؤثر في أنماط سقوط الأمطار، ما يتسبب بفترات أطول من الجفاف.لقد أصبح العالم يدرك تماماً مدى خطورة التغير المناخي، وتداعياته، ولذلك اعتمدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة خلال انعقادها الأخير في نيويورك، قراراً بإجماع دولي، على إطلاق خطة عمل عالمية من أجل المياه على مدار 10 أعوام، تحت شعار «عقد من العمل الدولي: المياه لتنمية مستدامة». وتشمل الخطة تنفيذ برامج وأنشطة تهدف إلى التركيز بشكل أكبر على التنمية المستدامة، والإدارة المتكاملة لموارد المياه، انطلاقاً من حقيقة أن المياه النظيفة والعذبة تعتبر من أهم عوامل التنمية المستدامة.وتعد دولة الإمارات واحدة من الدول التي تواجه إشكالية نقص وندرة المياه العذبة، بحكم وقوعها ضمن المنطقة المناخية الأعلى حرارة، والأقل في منسوب الأمطار عالمياً، حيث لا يتعدى متوسط كمية الأمطار التي تشهدها طول العام 4 بوصات.وما يفاقم حجم هذه الإشكالية بالنسبة لدولة الإمارات، ما شهده المجتمع المحلي من نمو في عدد السكان خلال العقود الأربع الماضية، من مليون نسمة إلى 9 ملايين نسمة، مصحوباً بمعدلات كبيرة من النمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي، ما خلق زيادة عالية في معدل الطلب على المياه العذبة. وعلى الرغم من هذه المعطيات المحلية التي تؤكد احتمالية مواجهة أزمة في المياه العذبة، إلا أن اهتمام القيادة الرشيدة للدولة بهذا الملف الأمني الحساس، وتوجيهاتها، وطبيعة الخطط والمشاريع والمبادرات التي تم تنفيذها، والأخرى الجاري العمل عليها، جعل من الإمارات نموذجاً عالمياً رائداً في ابتكار حلول لهذه الإشكالية .وتُبرز تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما قال «إن المياه أكثر أهمية من النفط بالنسبة لدولة الإمارات»، مستوى الاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة لهذا الملف.وعلاوة على ذلك، نفّذت دولة الإمارات - بفضل توجيهات قيادتها الرشيدة - مجموعة من المبادرات الهامة في مجال ترشيد استهلاك المياه وضمان استدامتها، ومنها إقرار معايير الأبنية الخضراء الإلزامية التي ساهمت في خفض استهلاك المياه في المباني بنسبة تتجاوز 33%.وتعد مدينة مصدر مثالاً فريداً لمشروع تطوير حضري مستدام ومبتكر يضع ترشيد استهلاك المياه عنصراً رئيسياً له، حيث تم تصميم المباني في المدينة لتستهلك ما يقل عن 54% من المياه مقارنة بمتوسط استهلاك المباني العادية في الدولة، كما يتم توفير 75% من الماء الساخن من خلال ألواح الطاقة الشمسية المثبتة على أسطح المباني، وتم تقليل معدل استخدام مياه الري بنسبة 60% من خلال اعتماد نظام توزيع فعال، ومبتكر.وتمثل مبادرات هيئة كهرباء ومياه دبي مساهمة قوية في مسيرة الحفاظ على المياه العذبة والمحلاة في الدولة، حيث تمكنت خلال ال11 عاماً الماضية، وعبر توظيف التقنيات الحديثة، من توفير 1.4 مليار غالون من المياه من استهلاك المنشآت التعليمية عبر زيادة مستوى الوعي لدى القائمين عليها بأهمية التوفير، واعتمادها نظاماً إلكترونياً لمراقبة شبكات نقل وتوزيع المياه لضبط نسب البخر والتسرب، وعكوفها حالياً على تطوير هذا النظام للمفهوم الذكي لمزيد من الكفاءة في الأداء، كما تطبق حالياً منظومة التناضح العكسي في عمليات تحلية مياه البحر التي ستساهم في خفض تكلفة هذه العملية نسبة كبيرة ورفعت من معدل إنتاجيتها، وكفاءتها، وصداقتها للبيئة.كما تستثمر الدولة حالياً عبر الاستراتيجية الوطنية للابتكار في الأبحاث والتطوير بهدف خلق حلول جديدة للحفاظ على المياه وضمان استدامتها تحقق إفادة على المستويين المحلي والعالمي في الوقت ذاته، ويعد برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار واحداً من أهم مبادرات الابتكار والتطوير، المعترف بها دولياً وتقدم منحة سنوية تبلغ 5 ملايين دولار أمريكي للابتكار في مجال تعزيز الاستمطار، ما يساهم في توفير حلول مبتكرة للمناطق التي تعاني الجفاف مستقبلاً.إن دولة الإمارات،، تعد من أبرز النماذج العالمية القادرة على تعزيز الجهود الدولية لتنفيذ خطة العمل العالمية من أجل المياه «عقد من العمل الدولي: المياه لتنمية مستدامة» التي اعتمدتها الأمم المتحدة مؤخراً.*وزير التغير المناخي والبيئة

مشاركة :