صفقات مشبوهة تركيا مقبلة على انتخابات مهمة في عام 2019، وينكب حزب العدالة والتنمية الحاكم على التحضير لا من الآن؛ إذ سبق أن انطلق في مساع لضمان أن تقدم وسائل الإعلام المحلية وشبكة مصالح الأعمال التي ترتبط بها كثيرا صورة جيدة عن الحزب الحاكم. كان من بين التحركات الحاسمة في هذا السياق، -والتي ستشكل صورة الإعلام المحلي في العشرين شهرا السابقة على إجراء الانتخابات- شراء رجل الأعمال المؤيد لحزب العدالة والتنمية أردوغان ديميرورين آخر شركة إعلامية مستقلة تمثل الاتجاه العام في تركيا، وهي مجموعة دوغان ميديا الإعلامية. في عام 2008، بيعت صحيفتا صباح وتقويم اليوميتان إلى جانب قناة ايه.تي.في التلفزيونية المحلية مقابل 1.1 مليار دولار لرجل الأعمال أحمد تشاليك الذي تربطه علاقات وطيدة بالحكومة التركية. وبعد مرور عشر سنوات، خرج ديميرورين بحريت وبوستا وفاناتيك -وثلاثتها صحف رائدة، كل واحدة في مجالها- بالإضافة إلى قناتين تلفزيونيتين محليتين تحظيان بأهمية هما “كنال دي” و“سي.إن.إن ترك” ووكالة دوغان للأنباء، التي تعد أكبر وكالة أنباء في البلاد بعد وكالة الأناضول التي تديرها الدولة. بل إن الأهم من ذلك أن الصفقة شملت ياي-سات أكبر شركة توزيع إعلامي في تركيا، والتي تغطي أكثر من نصف سوق الصحف والمجلات المحلية في أنحاء البلاد. طبعا هذا ناهيك عن دي-سمارت، وهي واحدة من منصات البث الرقمي الرائدة في البلاد، والعشرات من القنوات المحلية والدولية التي مُنحت لها رُخص، كل ذلك مقابل 890 مليون دولار! أضف إلى ذلك أن المبلغ لن يتم سداده مباشرة من أموال ديميرورين بل من خلال وعاء أسسه كونسورتيوم يضم بنوكا محلية ودولية من بينها بنك زراعات، أكبر بنك حكومي في تركيا. وقد ناقشت الدوائر المصرفية على نطاق واسع المكانة الرائدة التي حصلت عليها “جلف كابيتال” في التمويل. ومن شأن وجود دولة أو حكومة في مثل هذا النوع من أوعية التمويل الواسعة النطاق طمأنة الدائنين على أن هذا الدين سيكون آمنا. وبالنظر إلى أن مالك دوغان ميديا الجديد ديميرورين مقرب جدا من الحزب الحاكم إلى درجة تجعل صفقة البيع يُنظر إليها على أنها عملية تنفذها الدولة، وفي ظل تدفق الأموال من بنوك عامة لتمويل الصفقة، فإن إيجاد التمويل الائتماني يجب أن يكون أسهل من أن يلعب طفل مع أقرانه. ومن المرجح أن يجد رجال الأعمال الموالين للحكومة فرصا مشابهة ومثمرة في أماكن أخرى في المستقبل القريب إذ يتهيأ عام 2019 لأن يكون عام “انتخابات سوبر” حيث سيشهد إجراء الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية. وقد أعدت الحكومة حزما من “الحوافز السوبر” لمشروعات الاستثمار من أجل تعزيز الاقتصاد في الفترة السابقة على إجراء الانتخابات وسيقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شهادات حوافز لتسعة عشر مشروعا من تلك المشاريع بنفسه إلى الشركات في القصر الرئاسي يوم 29 مارس من العام الجاري. وستغطي الدولة نفقات مخططات البناء والبنية التحتية وتراخيص البناء ومصاريف الرسوم. وستغطي الخزانة مصاريف الطاقة والنقل والمياه وضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية وضريبتي الدخل والشركات. وستضمن الخزانة أيضا إعفاء العاملين الذين يصل دخلهم إلى 20 مثل الحد الأدنى للأجور من ضريبة الدخل والأقساط التأمينية. أردوغان أعطى لبوتين كل ما يتمناه الرئيس الروسي بمنحه مشروع محطة آق قويو وشراء منظومة الدفاع الصاروخي إس- 400. وسيكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب سعيدا أيضا بتجارة بلاده مع تركيا وعلى رأس تلك المشروعات محطة آق قويو للطاقة النووية التي تهدف الحوافز الموضوعة لها من الناحية العملية إلى إغراء المستثمرين بضخ أموالهم في ذلك المشروع. والرجل الذي من المنتظر أن يستفيد من هذه الجائزة الكبرى هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبعدما يقدم أردوغان شهادات الحوافز لشركة روساتوم الروسية التي تمتلك حصة الأغلبية في آق قويو، سيتوجه الرئيس التركي ونظيره الروسي إلى موقع المشروع بالقرب من مدينة مرسين جنوبي تركيا لإجراء مراسم وضع حجر الأساس. تم التوقيع على المشروع في أبريل عام 2015 لكن جرى تعليقه بعد نشوب أزمة بين البلدين عندما أسقطت تركيا طائرة روسية مقاتلة على الحدود السورية في شهر نوفمبر من ذلك العام. وعندما تحرك أردوغان لرأب الصدع بخطاب اعتذار، صارت جميع أوراق اللعب في يد بوتين. وبينما كان من المنتظر أن تغطي روسيا جميع نفقات المشروع البالغة 22 مليار دولار بالكامل، أبطأت موسكو خطاها. ومن المنتظر الآن أن تغطي تركيا 80 بالمئة من التكاليف عبر حزمة حوافز ضخمة تحطم جميع الأرقام القياسية بقيمة 76 مليار ليرة تركية. وبوضوح، فإن الحديث بإيجابية شديدة عن المباحثات بشأن إحياء صادرات فاكهة وخُضر بقيمة تتراوح بين 30 و40 مليون دولار كانت تركيا قد خسرتها عندما ساءت علاقاتها مع روسيا هو مجرد عملية تجميل. ففي الواقع أعطى أردوغان لبوتين كل ما يمكن أن يتمناه الرئيس الروسي بمنحه مشروع محطة آق قويو وشراء منظومة الدفاع الصاروخي إس-400 في صفقة بثلاثة مليارات دولار. وسيكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب سعيدا أيضا بتجارة بلاده مع تركيا. فعلى الرغم من خطاب أردوغان الحاد ضد الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الأضرار المحتملة التي قد تقع على الصناعة التركية جراء فرض ترامب رسوما جمركية على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم، وافقت الخطوط الجوية التركية في 13 مارس على صفقة بسبعة مليارات دولار لشراء طائرات من شركة بوينغ الأميركية. وبعدما عرفنا كل هذا، يتعين علينا أن نتطرق إلى اتجاه آخر وثيق الصلة في الاقتصاد التركي. فمع هبوط قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، جرى تحويل نحو 50 بالمئة من الأموال المودعة لدى البنوك التركية إلى عملات أجنبية بارتفاع منذ العام الماضي إلى 206.7 مليار دولار من 183 مليار دولار. وحذر أردوغان ومستشاروه والوزراء المعنيون بالاقتصاد من مغبة شراء العملات الأجنبية قائلين إن قيمة تلك العملات ستنخفض مقابل الليرة، لكن العكس حدث ووقع الضرر على من تمكسوا بالعملة المحلية. بعبارة أخرى، قد يكون الاقتصاد على أرضية مهتزة أكثر مما قد يبدو من توقعات الحكومة أو من إنفاقها بسخاء على حِزَم الحوافز. وقد يحاول حزب العدالة والتنمية صرف الأنظار عن هذه الحقيقة من خلال إطالة أمد العمليات العسكرية التركية في سوريا والعراق. وقد يسعى الحزب إلى إبرام صفقات مع قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا للمساعدة في دعم الاقتصاد على المدى القصير. والأمر الوحيد المؤكد هو أن الحزب سيفعل كل ما بوسعه لتظل العجلة تدور حتى يذلل كافة العقبات التي تقف أمامه في الطريق نحو انتخابات 2019.
مشاركة :