قال معالي المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري أنه ينبغي للداعية أن يجعل حياة الناس عبودية لله ـــ عز وجل ــ؛ لأن العباد إنما خلقوا لعبادة الله ــ عز وجل ــ قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وإقامة العبودية لله ـــ عز وجل ــ يجب أن تكون في كل مناحي الحياة كما قال الله تعالى قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ومنشأ هذا جعل الناس لا يقدمون على أي فعل حتى يعرفوا معنى حكم الله فيه فإذا وجد هذا المعنى في النفوس حين إذن كانت النفوس متشوقة للعلم طالبة له لا تعمل إلا بناء على نية صحيحة . جاء ذلك في مستهل المحاضرة التي ألقاها معاليه يوم الثلاثاء العاشر من شهر رجب 1439هـ ، تحت عنوان (إسهام الداعية في تعزيز الوسطية في المجتمع) ضمن فعاليات الدورة الثامنة للدعاة التي تنظمها الوزارة حالياً بمقرها في الرياض . وأبان أن العلم منشؤه الكتاب والسنة، ومن الأمور التي ينبغي التركيز عليها معرفة الأوصاف التي تبنى عليها الأحكام؛ لأن الأحكام الشرعية مبنية على علل تكون مَناطًا للأحكام فإذا عرفت العلة كان هذا من أسباب إقامة العبودية لله ــ عز وجل ــ وتحقيق العلم، موضحا أن معرفة العلل والأوصاف التي تبنى عليها الأحكام تؤدي إلى معرفة حكم الله في المسائل. وواصل الشثري يقول إن الإرادة التي توجد بالنفوس منشؤها التذكير بالعلاقة برب العزة والجلال والتذكير بالعلاقة بالله عز وجل يكون في ثلاث نواح أولها ناحية الخلق؛ فالله هو الخالق ــ سبحانه تعالى ــ ولذا قال الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون , والناحية الثانية التذكير بنعم الله ــ عز وجل ــ على العباد التي تجري عليهم في أمور حياتهم ومن هنا قال في الآية الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقا لكم، فهذا كله تذكير بنعم الله في الدنيا , والأمر الثالث التذكير بلقاء العباد ربهم ـــ سبحانه وتعالى ــ ، فهذه الأمور الثلاثة متى ذكِّر الناس بها وجدت عندهم الإرادة، مشيراً إلى أن إقامة العبودية لله ــ عز وجل ــ من أعظم مقاصد الشريعة التي يجب على الداعية أن يحرك نفوس الناس من أجل الاهتمام به ومن أجل تحقيقه. وتابع إن الأمر الثاني الذي يسعى إليه الشرع ليكون غاية من غاياته هو جلب المصالح ودرء المفاسد ولكن ليعلم أن الشريعة جاءت بتحقيق المصالح بما لا تصل إليه العقول المجردة ولذا جاء في النصوص النهي عن اتباع الهوى وجاء أن اتباع الناس قد يكون من أسباب الضلال كما في قوله تعالى وإن تتبع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، ومن هنا فإن تحقيق المصلحة مرتبط بالعمل بالشريعة وذلك أن العباد لا يشاهدون الأعمال إلا من جوانب ضيقة وحكم الله يكون على الأفعال من جميع جوانبها ومن ثم قد يكون هناك مصلحة جزئية لكنها تفوِّت مصلحة كلية فيلتفت بعض الناس إلى المصلحة الجزئية ويغفلون عن المصلحة الكلية التي جاءت الشريعة بمراعاتها، وقد قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، وقال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت الإسلام لكم دينا، وعلل كثيرًا من الأحكام بتحقيق مصلحة للعباد كما في قول تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون. وأشار معاليه إلى أن جلب المصالح ودرء المفاسد له قواعد منظمة وليس من الأمور الاعتباطية، والعبد لا ينبغي له أن يقصد مجرد المصلحة الدنيوية وإنما تكون مقاصده أخروية، وفي القرآن تنبيهات على هذا قال تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا، مشيراً إلى أن من أعظم ما يوقع في أسباب الضلال أن يُقصد بدين الله مجرد الدنيا ويغفل عن إرادة الآخرة. وأضاف من المقاصد الكبيرة التي جاءت بها شريعتنا وجود التواصل بين الناس؛ ولذا يجد الإنسان أن الشرع ركز على عدد من الروابط التي تربط بين الناس من القرابة والزوجية والجوار والصحبة والزمالة وغيرها من الروابط التي تكون بين الناس، بل إن الشريعة امتدت إلى أن تجعل الرابط الإيماني يشمل كل من انتسب إلى دين الله عز وجل، ومن أسمى العلاقات أجراً وثوابا علاقة الأخوة والمحبة في الله ــ عز وجل ــ قال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء. وقال إن من المقاصد الشرعية مقصد الاستقرار، وهذا يشمل استقرار النفس البشرية ولذا جاءت الشريعة بطلب اليقين، وأن اليقين هو الأصل، وجعلت أول الواجبات عبودية الله عز وجل لا الشك ولا النظر كما تقوله بعض الطوائف، وإنما جعلت اليقين بعبودية الله ـــ عز وجل ــ هو الواجب الأول، وهكذا جاءت الشريعة بالاستقرار في جميع مراحل وجميع طبقات ما يكون في المجتمع ابتداءً من الأسرة إلى صلة الرحم والقرابة إلى الاستقرار الأمني والاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي، مؤكدًا أن الإنسان متى علم أن الله ــ عز وجل ــ هو المتصرف في الكون، وأنه لا يقع في الكون شيء بغير قضاء من الله وقدر، حينها تستقر نفسه وتطمئن . وخلص معاليه إلى أن الشريعة قد جاءت بتوجيهات وسط لا غلو فيها ولا جفاء قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا، ومن مقتضى الوسطية أن يراعي الإنسان القواعد والمقاصد السابقة، ومن أعظمها النظر إلى العباد بنظرة الرأفة والرحمة بهم ولو بارزوك بالعداء، حتى عند إقامة العقوبة تنظر إلى من تقيم عليه العقوبة من باب الرحمة والشفقة التي جاءت بها الشريعة، فإقامة الحكم الشرعي أو التحذير من الشخص هو إحسان ورحمة به؛ لئلا يكثر وزره بكثرة أتباعه في الباطل، ومنبهًا على أن العداوة المطلقة إنما هي مع إبليس وما عداها من عداوات فهي نسبية. وفي نهاية المحاضرة، استمع معاليه إلى بعض المداخلات والأسئلة وأجاب عنها.
مشاركة :