الثقوب السوداء تعرف علمياً بأنها منطقة من الفضاء الكوني لها جاذبيتها الشديدة جداً التي تمكنها من امتصاص أي شيء حتى الضوء الذي يمر بالقرب منها وتمنعه من الإفلات ومن ثم تبتلعه وترمي به في هاويتها المعتمة. فهل يوجد في حياتنا ثقوب سوداء؟! إن الحرب والاقتتال والدمار، الحزن والبؤس والشقاء، الغضب والنفاق والفراق، القلق والضيق والاكتئاب، العقوق والعنف والطلاق، هي أمثلة قليلة ومحدودة لقائمة طويلة منسدلة من الثقوب السوداء في حياتنا، هذه النيران الملتهبة التي تتأجج في النفوس وتلتهب في الأرواح يصنعها الإنسان في حياته ويؤمن بها للأسف الشديد ثم لا يأبه بنفسه ولا بمن حوله حين ينشر ذلك الشرر الكريه إلى مساحات هائلة تحول الأرض الخضراء المزهرة إلى أرض محروقة يعلوها الدخان حد الاختناق ويكسوها الرماد حد السواد. إن النفوس الشريرة لا تستطيع وحدها أن تتجاوز الحيز الذي تعيش فيه إلا بالقدر الذي يسمح فيه الآخر ويعطيه جواز مرور ليجتاز حاجز الصد والمنع ليحوله إلى نقطة تقبل والتقاء وتوحد وانصهار. إن الحب والسلام والسعادة والحلم والتآلف والاستقرار النفسي والأسري والمجتمعي ليست شعارات تكتب وليست حروفا تؤلف إنها مشاعر وأحاسيس وصفات وسمات هي أيقونات متوهجة ومبهجة للفرح وتعتبر هي الأساس في الحياة وبممارستها تزهو الحياة وتنطلق إلى آفاق رحبة لا تحدها حدود الزمان والمكان من المودة والسكينة والاتفاق والتعاون والعطاء والبناء. وتلك الظلامية الشديدة التي تعشعش في النفوس فتحجز عنها أشعة النور وخيوط الضوء لا تنتظر أحداً يأتي إليك فيزيلها منك ومن على كاهلك إن لم تبدأ أنت بنفسك وتبادر ثم تطلب العون والمساعدة على ألا تضل الطريق ولا تخطئ الهدف والمعين، إنك إن ضللت الطريق أو انحرف بك المسار فتأكد أنك تسير في الاتجاه الخاطئ الذي سيفضي بك إلى ثقب أسود سيجذبك بكل قوة فلا تستطيع الإفلات منه بعد أن يمتصك ويبتلعك ويهوي بك إلى قاع سحيق. من الذي أفقد الزهور المتفتحة من شبابنا الرغبة في الحياة وعمارة الأرض إلى أن أصبحوا وقوداً لآلة الحرب والدمار والخراب؟! ومن الذي أقنعهم ليكونوا قنابل موقوتة وحزامات ناسفة متفجرة في أراض بعيدة ملتهبة تغمرها الفتن والصراعات؟!. كيف لبلاد كانت أرضها جنة من الزهر والشجر والماء والثمر يتم تدميرها ويسحل شعبها لتصير كهوفاً مظلمة ترفرف في جحورها خفافيش الظلام وتنعق على أطراف أبوابها الغربان؟! إنه الإنسان الأناني الكاره لنفسه المنتقم من أهله ومجتمعه الذي أعمته الديكتاتورية والتسلط وتمكنت منه الشوفينية والسادية فأضحى طوفاناً مدمراً لكل أثر للحياة بل للحياة نفسها، إنه بذاته ثقب أسود خطير ابتلع الضوء وامتص الحياة وتركها رماداً تذروه الرياح. وكنت وما زلت أتساءل: لماذا يجعل الإنسان مساحة الحزن أكبر من مساحات الفرح في حياته؟! وماذا سيستفيد حين يوجه سهام الحقد والكره والضغينة على جماليات الحياة فيرديها قتيلة مضرجة بالدماء؟! إنه بلا شك التحول الشديد من حالة الضوء الساطع إلى حالة شبيهة بالعدم حين تلتهمنا الثقوب السوداء بلا رحمة ونكون نحن من تسبب وأسهم في الوصول لهذه النتيجة المؤسفة. ولك أن تحسب وتقارن حين تنقلك بين الفضائيات الإخبارية ولعقود طويلة فائتة بين مشاهد الحرب والقتال والدمار وبين أخبار تقدم للبشرية والإنسانية أملاً ابتكارياً طبياً جديداً أو اختراعاً صناعياً حديثاً وستجد- قطعاً- أن ليس ثمة نسبة للمقارنة. ثم تصفح الصحافة الورقية والالكترونية وسترى في المستوى الاجتماعي والأسري على سبيل المثال ما يذهلك من مساحة الفساد والفقر والطلاق والجريمة والظروف المعيشية التعيسة وقارن بينها وبين الأخبار التي تبعث السرور والتفاؤل والأمل. وليس المقصود هنا أن نغطي أعيننا ونكمم أفواهنا ونسد أسماعنا عن مشكلاتنا بل من الضروري أن نواجهها بكل حسم وقوة وشفافية ووضوح وأن نعترف بها فالاعتراف بالمشكلة وتحديدها هي البداية العلمية الصحيحة للحل لكنني أوردت هذا المثال هنا لأدلل على أن التركيز ذا النبرة العالية والطاغية على هذه المشكلات يبعث في النفوس نوعاً من الإحباط واليأس الذي يوجهنا بشكل قسري إلى الثقوب السوداء. ما أجمل أن نعمر الكون بالحب والسلام ونعيش السعادة وجماليات الحياة بكل تفاصيلها وهذا- قطعاً- لا يحدث بالأماني والأحلام وطول الرقاد، ويبقى أن التوقف عن ذلك ولو للحظة واحدة هو اقترابنا– شئنا أم أبينا– من الثقوب السوداء ونهايتها المؤلمة والمرعبة. تربوي
مشاركة :