عندما تنبت الأرض زهرة جديدة تملأ الأرواح بزكي رائحتها الفريدة النادرة، وتشغل العيون عما سواها بجمال ألوانها وأشكالها الآسرة الساحرة، فذلك يعد ميلادًا كونيًا جديدًا واستثنائيًا في حياة هذه الأرض وسكانها، وعليه يبذل القائمون على شؤون هذه الأرض أقصى جهودهم من أجل رعاية هذه الزهرة والتعريف بها والترويج لها داخل المنبت وخارجه؛ حتى تصبح هذه الزهرة أجمل وأزكى الزهور قاطبة في الكون كله، بل إن بعضها أصبح رمزًا لتاريخ وحضارة في بعض البلدان، وشعارًا فريدًا ومهما تحتفي به بعض الشعوب في حياتها اليومية وفي مناسباتها الوطنية. ومن أجمل الزهور التي نبتت على أرض دلمون؛ مملكة البحرين، تلك الزهرة التي استوقفت وأسرت العالم العربي كله بفرادة صوتها وتعدد مساحات ألوانها وروائحها الضاربة عميقا في جذور هذه الأرض، الذاهبة بعيدا نحو أفق أثار دهشة واهتمام من يدرك هذا الصوت في خريطتنا الكونية. إنه الفنان فيصل الأنصاري، ذلك الصوت الفريد والمختلف والمغاير الذي طل علينا من خلال برنامج the voice الشهير بفضائية mbc، الذي نهل من أجمل وأعرق فنون الصوت في البحرين، أعذب ما جادت به قريحته الصوتية، وهي أغنية (دمعي جرى) للفنان الكبير والأصيل محمد بن فارس، ليؤكد من خلال هذه الأغنية حضور تراثه الغنائي الأصيل الثري، وقدرته الهائلة على بث روح أصيلة وجديدة وخلاقة من شأنها أن تمنح هذا الفنان هويته الغنائية الخاصة به التي تميز صوته عن كل الأصوات التي تغنت بفن الصوت قبله، وأن تشكل لونًا مختلفًا له رائحته ونكهته الخاصتين به اللتين من شأنهما أن تشكلا في المستقبل مدرسة يقصدها ويستثري منها أهل الفن والصوت من شباب هذا الوطن وربما من خارجه. إن هذا الفنان الذي درس أهم فنون الصوت بمختلف أنواعها وأصعب طبقاتها ودرجاتها، ولعل أصعبها مساحة الفنون الأوبرالية التي تتطلب جهدا غير عادي لإتقانها، تمكن بثقة المبدع المحترف، أن يستضيفها في أغنية الصوت البحرينية ويشكل منها لونا جديدًا خاصًا به، كما لو أنك وأنت تصغي إليه، تصغي لأعرق الأوبراليات الإيطالية التي تعرش هرمها (بافاروتي) الشبيه جدا شكلا وحجما بالفنان فيصل الأنصاري، ولأعرق الأغنيات اللاتينية الإسبانية، والمقامات التركية، وهو يتقنها غناء، متداخلة هذه الفنون باحترافية عالية مع فن الصوت الذي أضفى إليه الأنصاري بعمق ممكناته الصوتية أصعب فنون (لفجري) مثل (لجرحان) في النهمة الذي تميز فيه ندرة الندرة من نهامي البحرين، مثل العلان وبوطبنية. لقد كان الأنصاري وهو يقدم أغنية الظهور الأولى في البرنامج، أشبه ببحر ترى في مداه الواسع الممتد، هدوء المد تارة وفرح الزبد على السواحل، ورجرجة أمواجه في لحظات السمر وصخبها في لحظات الغضب، وهديرها في لحظات التجلي. لقد كان هذا الفنان مبهرا حقا في أدائه لهذه الأغنية، وهذه ليست شهادتي أنا فيه فحسب، وإنما شهادة لجنة الحكم من نجوم الأغنية أيضا التي أفصحت عن إعجابها بهذا الفنان منذ الوهلة الأولى لمواله الافتتاحي للأغنية، وبالتأكيد أن هذا التميز لم يأتِ هكذا دون تشرب للغناء أو دون حب وولع به، فالأنصاري نهل هذا الولع منذ نعومة قريحته من والده المنشد المعروف حسن الأنصاري وعمه أحمد الأنصاري اللذين يعدان أشهر من قدم التواشيح الدينية في مملكة البحرين، ولقد أسهم هذا التشرب في خلق مسحة روحانية تبدو واضحة وجلية في صوته عندما يغني. فيصل الأنصاري، هو الفنان القادم بقوة وباقتدار إلى ساحتنا الغنائية، سواء قدر له أن يحظى بعرش الـ(voice) أم لا، المهم أنه تمكن من خلال هذا البرنامج أن يبرز لعالمنا العربي إمكاناته الصوتية الفريدة والهائلة، ومثله يستحق الدعم رسميا وأهليا وشعبيا، فكما أسلفت، الزهور الفريدة تستحق رعاية خاصة وفريدة كي تمنح أرواحنا وأنفاسنا أزكى روائحها وأبدع ألوانها وأنفس عطرها، فلتكن البحرين حاضنتها الأولى.
مشاركة :