خطيب جامع الخير يدعو إلى وأد الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي

  • 3/31/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة: قال تعالى: «إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» [الأنبياء:92]، وقال: «وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» [الروم:31-32]. إن من مقاصدِ هذه الآياتِ أن تكونَ أمتُكم -أمةَ الإسلام- أمة أصولُها المحبةُ والأخوةُ والترابطُ والتسامح، فهي كالجسدِ الواحدِ المتراص، لذا فإن عظمةَ هذا الدين أنه قد جمع الأعداءَ وألف بين قلوبِهم، لقد جاء الإسلام بأعظم من أخوةِ الإنسانية، جاءَ بأخوةِ الدينِ، واعتبر الفرقةَ والخلافَ، والدعوةَ للتحزبِ تحت مسمياتِ الطائفيةِ والقبليةِ والحزبيةِ من دعاوى الجاهلية، فقال للذي عيّر رجلاً بأمهِ: (إنك امرؤ فيك جاهلية). إن أصغرِ صبي لديكم اليوم يعلمُ مكمن القوة لدى أعداء الأمة، إنها في فلسفة (فرّق تُسد)، وأعداءُ الإسلام اليوم ينخرونَ في جسد الأمة بشتى وسائلِ الكيدِ والمكرِ، ويجنّدون شبابَ الأمة -مع الأسف الشديد- تحت كلِ دعوةٍ ضالة، حيثُ يعملُ بعضٌ من أبناءِ جلدتنا ممن يتكلمون بألسنتنا بهدم أسس المحبة والإخاء في المجتمع حتى انحرف بهم التيار، فصاروا كالضفدع، يقذف بها السيلُ للهاويةِ وهو يرغد. لقد نبتت في أبناءِ الأمةِ اليوم دعواتٌ فاسدةٌ، وأفكارٌ ضالةٌ، تزرعُ في شباب الأمة الحقد والضغينة لكل ما هو مختلف، وأصبحَ التنابزُ بالألقابِ المشينةِ، والمسمياتِ الكريهةِ، والطعنُ في الأنسابِ، بل الطعن في ولاة الأمور والعلماء أصبحَ رمزًا للتدين وعنوانًا للبطولة، وما سمعنا ولا قرأنا في تاريخِ أمتنا أحدًا يُعتد بعلمه وحكمته يدعو لتفريق كلمة الأمة وتمزيق وحدتها. اختلفت اليهودُ والنصارى قبل أن يُبعثَ محمدٌ فتفرقوا، فلما بُعث محمدٌ أُنزل عليه: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيء [الأنعام: 159]. وهذه الآيةُ دليلٌ قاطعٌ على أن اللهَ ورسولَه بريئانِ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، قالت أم سلمة في هذهِ الآية: ليتيقن امرؤ ألا يكون من رسولِ اللهِ في شيءٍ. لقد كانت الحربُ بين الأوسِ والخزرجِ عشرين ومائة سنة حتى جاءَ رسولُ اللهِ، وأقامَ الإسلام، فأطفأ الله بذلك الدينِ نار العداوةِ والبغضاء، وألفَ بين قلوبِهم، قال قتادةُ في قولهِ تعالى: «وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» إذ كنتم تتذابحون فيها، يأكلُ شديدُكم ضعيَفكم، حتى جاءَ اللهُ بالإسلام، فآخى به بينكم، وألف به بينكم، قال رسولُ اللهِ: (يا معشر الأنصار، بم تمنون عليَّ؟ أليس جئتكم ضُلاّلاً فهداكم الله بي، وجئتكم أعداءً فألف الله بين قلوبكم بي؟!)، قالوا: بلى يا رسول الله. إن اللهَ سبحانه ذم الاختلاف في كتابه، ونهى عن التفرق والتنازع، فكيف يطيبُ لمسلمٍ يؤمنُ بأخوةِ الدينِ أن يفرق بين أبناءَ الأمةِ؟! لقد كان التنازعُ والاختلافُ أشد شيءٍ على رسولِ الله، وكان إذا رأى من الصحابة اختلافًا يسيرًا في فهمِ النصوص ظهر في وجهه حتى كأنما فُقِئ فيه حب الرمان ويقولُ: (أبهذا أمرتم)، وقال عمرُ رضي الله عنه: (لا تختلفوا، فإنكم إن اختلفتم كان من بعدكم أشد اختلافا)، ولما سمع رضي اللهُ عنه أبيّ بن كعب وابن مسعودٍ يختلفانِ في صلاةِ الرجلِ في الثوبِ الواحدِ أو الثوبينِ صعد المنبر، وقال: (رجلانِ من أصحاب النبي اختلفا، فعن أيّ فتياكم يصدرُ المسلمون؟ ما اسمع اثنينِ اختلفا بعد مقامي هذا إلا صنعت وصنعت)، وقال علي رضي الله عنه في خلافتهِ للقضاةِ: (اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكرهُ الخلاف، وأرجو أن أموتَ كما مات أصحاب محمد). وقال أبو الدرداء وأنس وواثلة بن الأسقع: خرج علينا رسولُ اللهِ ونحن نتنازعُ في شيء من الدينِ، فغضِب غضبًا شديدًا لم يغضبَ مثله، قال: ثم انتهرنا، قال: (يا أمةَ محمد، لا تُهيجوا على أنُفسكم وهج النار). تقامُ العداواتُ اليوم في مسائل خلافية، ويصنفُ الناسُ بسببِ انتماءاتِهم المذهبية والطائفية، فكم من الرسائل تؤلف ومن الفتاوى توزع كلها تحتوي على سوءِ ظن وتحريش وفرز وتحشيد، فهل من العقلِ أو الدين أن يكفر المسلمون بعضهم بعضًا؟ وأن يقتل المسلم أخاه المسلم؟ أسألكم بالله العظيم -من المستفيد من كل تلك الممارسات الطائشة؟ ومن الذي يسعى ليجعل المنطقة في حالة توتر مستمر؟ أليس الأعداء هم الذين يتربصون بالأمة ويسعون لتغيير هويتها ضمن مخطط يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير. إن مراكز التواصل الاجتماعي وما تبثه من تغريدات مسمومة هي سلاح أعداء الأمة وخلاياها النائمة، هدفها زعزعة المجتمعات وخلخلة تماسكها، قال تعالى: «وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـذَا سُبْحَـنَكَ هَـذَا بُهْتَـنٌ عَظِيمٌ» [النور: 16]. إن المسؤولية تحتم على الجميع اتخاذ المواقف الصارمة أمام تلك التغريدات، بوأدها في مهدها والتحذير منها والإبلاغ عن مروجيها، كما ينبغي صون اللسان في أوقات الفتن، فليس الكلامُ خيرًا دائمًا، وليس الصمت بِرًّا دائمًا، وقد جاء عن رسول الله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمُت) [البخاري]. وهكذا -عباد الله- الكثير من تلك التغريدات هي كلمات (حق أُريدَ بها باطل)، يسعى مرجوها للنيل من وحدة الأمة وتماسكها، لذا فإن مسؤولية كل فرد عدم قبول تلك التغريدات، ورفضها وعدم نشرها، والإبلاغ عن مصدرها، وأعلموا أن أمنكم واستقراركم قد أغاض أعداء الأمة. ألا فانتبهوا لأنفسكم رعاكم الله، واحفظوا أغلى ما تملكون حفظكم الله.

مشاركة :