الشاعر سمير درويش محتفياً بترجمة دواوينه للقارئ الغربي:

  • 4/1/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ما زال الشاعر المصري المعروف سمير درويش يرتقي بقصيدة النثر إلى مراتب عليا، فطوال مشواره الشعري الذي بدأه في عام 1991، بديوان «قطوفها وسيوفي»، استطاع أن يلفت أنظار النقاد إلى تجربته الفارقة التي أنتجت حتى الآن 16 ديواناً، تُرجم جميعها إلى الإنكليزية، في حين ينتظر قريباً ترجمة جديدة لبعض دواوينه إلى الفرنسية. «الجريدة» التقته في مقابلة تحدث فيها عن محطة الترجمة في مشواره الشعري... وفيما يلي نص المقابلة: ترجمة الشعر مهمة للشاعر. كيف سعيت إلى ذلك؟ لم أسع إلى تقديم دواويني للمترجمين، ولم أرسلها، أسوة ببعض زملائي، إلى أقسام اللغة العربية في جامعات أوروبا وأميركا، وهذا تقصير مني طبعاً. لكنني كنت، وما زلت، أشتغل على تجربتي الشعرية، وأدرك أنها يوماً ما ستجذب الانتباه، وهو ما حدث فعلاً. كانت اللبنانية سوسن الفقيه تتابع النصوص التي أنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتحدثت إلي بشأن أنها تتماس معها بشكل ما، وأنها تريد أن تنقلها إلى الإنكليزية. لم أكن أعرف، ولا هي، إلى أين يمكن أن تقود هذه التجربة، لكننا خضناها، وكانت كلما انتهت من ديوان طلبت آخر، حتى ترجمت دواويني كافة تقريباً، ثم فاتحتني بأنها ستبحث عن دار نشر في محاولة لخروج هذا الإنتاج إلى النور، وبحثت على الإنترنت حتى اهتدت إلى دار «أوستن ماكولاي» الإنكليزية العريقة، وأرسلت لها ديوان «أبيض شفاف» الذي كان فاز بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ47 عام 2016، وبعدما اطلع المسؤولون على المخطوط وافقوا على النشر. هل اتفقت مع دار «أوستن ماكولاي» على ترجمة هذا الديوان فقط؟ الحقيقة أنني لم أشأ أن أفوت هذه الفرصة، فطلبت من الدار أن تنشر ديوانين معاً في كتاب واحد، لأن حجمهما صغير نسبيّاً من ناحية، وكي نأخذ فرصة أوسع من ناحية أخرى. فعلاً أرسلت ديوان «تصطاد الشياطين» الذي صدرت طبعته العربية عن دار «شرقيات» في القاهرة عام 2011، ووافقت الدار أيضاً، وبدأت خطوات التنفيذ على الطريقة الإنكليزية التي تهتم بكل تفصيل، وتعطي كل خطوة حقها حتى يصدر الكتاب في أبهى صورة، وكانت تستطلع رأيي في الأمور كافة، وما زالت. الفرنسية ماذا عن تجربة الترجمة إلى الفرنسية؟ تجربة الترجمة إلى الفرنسية كانت غريبة فعلاً. طلب مني اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ديواناً للترجمة ضمن مشروع ضخم تتبناه إمارة الشارقة، ممثلة في هيئة الشارقة للكتاب، وتحت رعاية سمو الشيخ سلطان القاسمي، مع إحدى دور النشر الفرنسية، على أن يُطبع ويُعرض في معرض باريس للكتاب (الدورة الأخيرة)، مع تنظيم حفلات توقيع للكتاب المشاركين، فقلت لهم إن دواويني مترجمة فعلاً، وأرسلت ديوانين آخرين في كتاب واحد أيضاً، هما: «في عناق الموسيقى» و«مرايا نيويورك»، وظللت لفترة بعد توقيع العقد أعتقد أن ما سيطبع هو الترجمة الإنكليزية لسوسن الفقيه، لكنني فوجئت بالترجمة إلى الفرنسية، وأمر جيد أن يتعرف إليك القراء بالإنكليزية والفرنسية، خصوصاً أن الدارين اللتين نفذتا الكتابين كبيرتان. لم أستطع أن أذهب إلى باريس لأن دعوة المشاركة في معرض الكتاب وصلتني متأخرة نسبيّاً، فكان الوقت المتاح أضيق من الوقت اللازم للحصول على التأشيرة، لكن عوضني عن ذلك فرحة صدور الكتاب. ما أهمية الترجمة بالنسبة إلى الشاعر؟ الترجمة مهمة لتجربة أي شاعر، لكن الأهم أن تصدر عن دور نشر أجنبية مهمة تختار ما تنشر وفق دراسات دقيقة للسوق، وتستطيع تسويقه وترويجه في وسائل الإعلام المختلفة، وإلا فما قيمة أن تنشر ديواناً مترجماً بالإنكليزية في مصر مثلاً، كما كانت تفعل الهيئة المصرية للكتاب في مرحلة سابقة؟ من الذي سيهتم به؟ وإلى من يتوجه؟ وما يدعو للأسف هنا أن كل شاعر يخوض تجربته بنفسه من دون مساعدة من أحد، لا حكومات ولا مؤسسات ثقافية، من ثم الفرصة ليست متوافرة للجميع. تجارب ما التجارب التي يحتذى بها في هذا الصدد؟ في هذه النقطة بالذات لا يجب أن ننسى أن حكومات الاتحاد السوفياتي القديم كانت تترجم الأدب الروسي العظيم إلى اللغات المختلفة، وتتحمل أسعار المترجمين والطباعة والشحن، كي تبيعه بأسعار زهيدة، وهو ما جعلنا نقرأ في صغرنا جوجول ودستويفسكي وغيرهما، وهو ما جعل الثقافة الروسية عظيمة إذا قورنت بالثقافات الغربية التي لم تأخذ فرص الذيوع نفسها. التجارب الشعرية التي تستحق نقلها إلى القارئ الغربي قليلة. إلى أي مدى استحقت تجربتك هذه الخطوة؟ قال لي أحد النقاد إن تجربتي الشعرية عالمية بشكل ما، في كونها إنسانية تعبر عن المشاعر الداخلية للإنسان/ الشاعر بصدق قد يكون صادماً أحياناً، هذه المشاعر لا تنتمي إلى دولة معينة، بل هي مشتركة، موضحاً أن تميزها يأتي من صدقها الذي لا يسعى إلى التزييف أو التجميل، فتصلح شهادة على الزمن الذي كتبت فيه، خصوصاً أنني أميل جماليّاً إلى المشهدية التي يبدو فيها الشاعر، ظاهريّاً على الأقل، مجرد راصد، غير متورط في المشهد الذي يصفه. وقالت لي ناقدة مهمة إن هذا هو «ادعاء الحياد»، حيث يكون الشاعر/ الإنسان متورطاً أكثر مما ينبغي في ما يدَّعي أنه محايد تجاهه... أليست معادلة صعبة؟! طبعاً، قيل كلام كثير، لكن هذين الرأيين قريبان أكثر إلى ذاكرتي لأنهما يصفان تجربتي الشعرية، فمنذ ديواني الأول «قطوفها وسيوفي» عام 1991 أستمع إلى الأصوات التي تحيطني، وأتعايش مع آخرين يشاركونني السكن من دون أن أراهم أو أن أنزعج من وجودهم، وأحب المرأة وأقيم حواراً لا ينقطع معها، لدرجة أنني كتبت مرة على «فيسبوك»: «أنا لا أبحث عن امرأة... أنا أبحث عن قصيدة»، فكل امرأة قصيدة تمشي على الأرض تحتاج إلى شاعر. وقالت عني صديقة كاتبة في شهادة منشورة إنني «أتخلص من النساء بعد أن أكتب عنهن»، لكن عموماً الكتابة تهوِّن الحِمْل، وتجعل الشاعر خفيفاً. محطات في رصيد سمير درويش حتى الآن 16 ديواناً، فأيها الأقرب إليه ويشكل محطات في رحلته الإبداعية؟ يقول في هذا الشأن: «ثمة دواوين قريبة إليّ أكثر من غيرها، وأعتبر أن «قطوفها وسيوفي» محطتي الأولى التي قدمتني بشكل جيد، ثم «يوميات قائد الأوركسترا» الذي صدر نهاية عام 2007 محطة ثانية، والثالثة «تصطاد الشياطين»، والرابعة والأقرب إلى قلبي ديوان «أبيض شفاف» الذي صدر عام 2015. عموماً، أكتب تاريخي الشخصي بالشعر، وأحرص على إثبات تاريخ كل قصيدة ومكان كتابتها لو كان خارج مصر، كي أتعرف إلى ذاتي من خلالها. كذلك أحاول أن يكون كل ديوان تجربة مستقلة موضوعيّاً وجماليّاً، مع الاعتراف بأن «اليوميات» استمرت في ما بعد، و«أبيض شفاف» لا يزال يؤثر في قصائدي حتى هذه اللحظة، وهو ما أقاومه بشدة وأحاول التغلب عليه».

مشاركة :