الرياض: «الشرق الأوسط» قال تقرير اقتصادي حديث صدر أمس بأن الطاقة التكريرية للسعودية سترتفع بنحو 1.2 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020. حيث تشمل هذه الطاقة الإنتاجية مصفاة ساتورب، والتي بدأت بالفعل عملياتها التشغيلية ومصفاة ياسرف التي يتوقع أن تبدأ التشغيل في الربع الأخير من العام الحالي. وقالت شركة جدوى للاستثمار في تقرير لها بعنوان «مستقبل التكرير في السعودية» بأن هذا الاستثمار الضخم في قطاع التكرير من قِبل المملكة يتزامن مع نمو ضخم في المصافي الحديثة في دول كالهند والصين، الأمر الذي يعني أن تلك المصافي السعودية الجديدة التي تستهدف الأسواق الخارجية ستنافس في سوق عالمية صعبة. ولفت التقرير حول التحولات الرئيسية في قطاع التكرير العالمي، حيث شهد متغيرات واسعة خلال العقد الأخير، تتمثل في تحول نمو الطلب من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى الدول خارج هذه المنظومة، ثانيا ازدياد استخدام المصافي الحديثة عالية التقنية، كوسيلة لتقليل الاعتماد على الواردات. ويتضمن المتغير الثالث في أن الهند والصين شهدتا نموا كبيرا في طاقة التكرير ساهم في خلق فائض على مستوى العالم، تسبب بدوره في خفض هوامش أرباح التكرير ومعدلات الاستخدام، وكذلك اضطرت المصافي القديمة التي لا تقوى على المنافسة للتوقف عن العمل، وكانت أوروبا الغربية واحدة من المناطق الأكثر تضررا، ورابعا تحولت الولايات المتحدة بفضل الزيت الصخري من أكبر مستورد للبنزين في العالم إلى أحد أكبر مصدري الديزل، بل ساهمت كذلك في زيادة توفير المنتجات المكررة عالية الجودة في السوق العالمية. وأشارت «جدوى» أنه بغض النظر عن الفائض الواضح في طاقات التكرير على مستوى العالم، هناك مجموعة كبيرة من مشاريع التكرير ستضيف طاقة تكريرية عالية الجودة تصل إلى 7 ملايين برميل يوميا بين العام الحالي وعام 2020، وتشمل هذه الطاقة مصافي جديدة من السعودية، ينتظر أن تجعل المملكة مصدّرا للمشتقات المتوسطة - بما فيها الديزل - بنهاية العقد الحالي، ومعها روسيا والصين والولايات المتحدة والهند. وعن التحولات الرئيسية في قطاع التكرير في المملكة، قال تقرير شركة جدوى «ظل الاستثمار في قطاع التكرير يمثل منذ فترة طويلة هدفا أساسيا لحكومة المملكة، حيث كانت، ولا تزال، ترى فيه وسيلة مضمونة لتحقيق نمو اقتصادي متنوع وتوفير فرص العمل للمواطنين السعوديين». وبلغت الطاقة التكريرية للمملكة في نهاية عام 2013 نحو 2.5 مليون برميل في اليوم، وهي أكبر طاقة إنتاجية في منطقة الخليج وتليها الكويت بطاقة تقدّر بنحو 0.94 مليون برميل في اليوم، وبما أن معظم الطاقة الإنتاجية السعودية قد بنيت قبل 1990، فإن تلك المصافي تعتبر قديمة وأقل تطورا ولذلك فهي تنتج نسبة كبيرة من المشتقات الثقيلة منخفضة القيمة كزيت الوقود، مقارنة بما تنتجه المصافي في المناطق الأخرى. وبلغ متوسط استهلاك السعودية من المنتجات المكررة عام 2002 نحو 1.2 مليون برميل في اليوم، ولكن بحلول عام 2013 تضاعف هذا الاستهلاك ليبلغ متوسطه 2.2 مليون برميل في اليوم. وبين التقرير أن ذلك النمو في الاستهلاك يعود إلى عدة عوامل أهمها الزيادة المطردة في عدد السكان والنمو الاقتصادي وتحسن مستويات المعيشة، وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى رفع استهلاك المنتجات المكررة من خلال زيادة استهلاك الكهرباء وزيادة استخدام الوقود في الصناعة وزيادة معدلات امتلاك السيارات، إضافة إلى عامل آخر هام يسهم في زيادة الاستهلاك هو نظام الدعم الحكومي لوقود النقل وتوليد الكهرباء. وبينت أن أسعار وقود النقل في السعودية تعد واحدة من أقل الأسعار في العالم - يباع الديزل بنحو 6.7 سنت للتر والبنزين بـ16 سنتا للتر - علاوة على ذلك، تباع المنتجات المكررة بأسعار مخفضة إلى الشركة السعودية للكهرباء التي تستخدم يوميا نحو 200 ألف برميل من الديزل و40 ألفا من زيت الوقود لتوليد الكهرباء. وأوضحت «جدوى» أنه نتيجة للزيادة الكبيرة في الطلب مقرونة بالنسبة المرتفعة التي تشكلها المشتقات الثقيلة في منتجات المصافي السعودية، فقد أصبح هناك عجز في إنتاج المشتقات الخفيفة والمتوسطة، وعلى وجه الخصوص، أدى الارتفاع في استهلاك الديزل والبنزين إلى زيادة مطردة في مستويات الواردات من هذين المنتجين خلال السنوات القليلة الماضية. وأوضح التقرير أن المصافي الـ3 الجديدة عالية التقنية التي يبلغ إجمالي إنتاجها 1.2 مليون برميل في اليوم ستؤدي إلى تغيير ميزان المنتجات المكررة في المملكة بحلول عام 2020، لكن درجة هذا التغيير ستعتمد على نمو الطلب المحلي على تلك المنتجات. وقال: «إن اقتصاد السعودية سيدخل مرحلة توسعية بين الفترة الحالية وعام 2020، في طريقه إلى التحول إلى اقتصاد أكثر تنوعا وتطورا، فنتوقع أن ينمو الطلب على المنتجات المكررة بمعدل أسرع حتى من وتيرة النمو خلال العقد الماضي». وتابع: «نتيجة لذلك، ستبقى السعودية بنهاية عام 2020 مستوردا صافيا للمشتقات الخفيفة، ورغم أن المصافي الـ3 ستضيف ما مجموعه 260 ألف برميل في اليوم من المشتقات الخفيفة بين عامي 2014 و2020، فإن الطلب سينمو خلال نفس تلك الفترة بإجمالي 330 ألف برميل في اليوم، وفي ظل عدم وجود إصلاح وشيك في نظام الدعم الحكومي لأسعار وقود النقل، فمن غير المستغرب أن يصبح البنزين المحرك الأساسي لنمو الاستهلاك في المشتقات الخفيفة». ولفت التقرير إلى أنه رغم احتمالية تحقيق بعض الفائض في المشتقات الخفيفة خلال تلك الفترة المذكورة، لكن في النهاية سيتفوق الطلب على العرض بحلول عام 2020، وسيقتصر تأثير الإضافات الجديدة للطاقة التكريرية على تقليل مستوى الواردات فقط ولن تحقق الاكتفاء الذاتي. وسيؤدي بطء وتيرة نمو الطلب على المشتقات المتوسطة، مقارنة بالمشتقات الخفيفة، إضافة إلى زيادة نسبة الطاقة الإنتاجية التكريرية المخصصة لإنتاج هذه الفئة وفقا للتقرير، إلى تحقيق فائض في المشتقات المتوسطة يصل إلى 470 ألف برميل يوميا بحلول عام 2020، وسيشكل الديزل عالي الجودة الذي يستوفي معايير يورو 5 نحو 90 في المائة من هذا الفائض. ويُنتظر أن تصبح السعودية مصدّرا صافيا للمشتقات المتوسطة بحلول عام 2020، إلا أن عدم وجود بديل عملي في المدى المتوسط لتوليد الكهرباء، بسبب محدودية احتياطيات الغاز الطبيعي والبنيات التحتية المصاحبة، سيعزز استمرار استخدام الديزل في تلبية الطلب المحلي على الكهرباء، وبالتالي تقليل الكميات المحتمل تصديرها. وفي ظل المستويات المرتفعة من التقنية التي تتمتع بها المصافي الـ3 جميعها، فإن النمو في إنتاج المشتقات الثقيلة سيكون عند حده الأدنى، ولكن كما هو الحال بالنسبة للديزل، فإن الاستخدام المستمر لزيت الوقود في قطاع الطاقة سيؤدي إلى جعل السعودية تستورد كميات صغيرة من المشتقات الثقيلة بحلول عام 2020، ما يؤدي إلى انقلاب في وضعها كدولة مصدّرة لهذه الفئة حتى عام 2014. وتواجه المصافي السعودية منافسة حادة مع عدد من المنافسين العالميين، يسعون جميعهم لضمان الحصول على سوق لمنتجاتهم من الديزل، وتاريخيا، كانت السعودية تصدّر جميع أنواع المنتجات، بما فيها الديزل، إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي، إلا أن القدرة على الاستمرار في ذلك حتى حلول عام 2020 ستكون محدودة. وستؤدي زيادة الطاقات التكريرية ذات التقنية العالية، التي تقودها الصين، إلى جعل المنطقة متخمة بالديزل، أما أميركا الشمالية، وهي شريك تجاري تقليدي آخر في مجال الطاقة، فلن تكون في حاجة إلى واردات الديزل، كما أن التوسعات وتطوير التقنيات في قطاع التكرير حول الشرق الأوسط ستحد من فرصة تسويق المصافي السعودية منتجاتها محليا. وتبقى أوروبا الغربية وأميركا الجنوبية وأفريقيا هي فقط المناطق التي يُتوقع أن يكون لديها عجز في منتجات الديزل حتى عام 2020، والمعايير المتشددة والمواصفات الخاصة التي تطبقها أوروبا على استخدام الديزل يُنتظر أن تجعلها سوقا مناسبة لمنتجات الديزل منخفض الكبريت المتوقع إنتاجها من المصافي السعودية. وذكر التقرير أن المصافي السعودية لن تكون هي المتنافس الوحيد في سوق أوروبا الغربية، حيث إن جميع مراكز التكرير الرئيسية التي يغلب عليها إنتاج الديزل هي أيضا لها خطط للتصدير إلى هناك، ونتيجة لقرب المصافي الروسية من الأسواق الأوروبية فإن حصة كبيرة من صادراتها من الديزل منخفض الكبريت سترسل إلى هناك. إضافة إلى ذلك، فإن صادرات المصافي الأميركية، التي ستظل تستفيد من وفرة إمدادات الخام نتيجة للزيت الصخري، والتي بلغ إجمالي صادراتها من الديزل مليون برميل في اليوم، سينتهي المطاف بمعظمها في غرب أوروبا. وأوضحت «جدوى» أن المصافي السعودية لها ميزة تنافسية في مجال واحد هو توفر الخام اللقيم، ويجب تكييف المصافي الجديدة بحيث تستطيع معالجة الخام الثقيل لتنتج منه مشتقات متوسطة وخفيفة، وينتظر أن يأتي إمداد تلك الخامات من آخر الحقول الكبيرة في السعودية، ألا وهو حقل منيفة، وبما أن الحقل سيبلغ طاقته الإنتاجية القصوى 0.9 مليون برميل يوميا بنهاية عام 2014. فيمكنه توفير الخام للمصافي الـ3 في الجبيل وينبع وجيزان. ومع ذلك، فإن التغييرات التي تجري حاليا في سوق التكرير العالمية، حيث يُنتظر أن تدخل السوق طاقات إنتاجية كبيرة وذات تقنيات عالية، تحتّم على المصافي السعودية أن تتطلع، في المدى البعيد، إلى ما وراء الأسواق التقليدية كأوروبا وآسيا والمحيط الهادي وأن تكيّف نفسها لإيجاد أسواق جديدة لمنتجاتها المكررة، وأنسب هذه المناطق حاليا هي أفريقيا وبدرجة أقل، نتيجة لبعد المسافة، أميركا الجنوبية.
مشاركة :