أحيانا حين أقرأ خبرا عن بعض الاختلاسات الغبية والتي يمرق فاعلها كما يمرق السهم من الرمية أتمنى لو أني احترفت النصب. وهي مهنة تحتاج إلى قليل من المراوغة ومعرفة الأنظمة وكيفية تنفيذها ثم تضرب ضربتك وتغادر الحدود لتسهر في بلادك ضاحكا ومبينا لرفاقك كيف اجتزت كل الجهات الرقابية من غير أدنى خشية، وهي النصيحة التي تعلمناها صغارا في أزقة الحواري (خلي قلبك قدك) وللأسف أن هذه القاعدة طبقت علينا ولم نطبقها، فكثير من الاختلاسات يكون قلب المختلس بقوة عشرين حصانا (فيلعب بحسبتنا) وينجح في سلبنا (ما تحت البلاطة) ويأخذ البلاطة كذكرى. وآخر من أخذ البلاطة كتذكار مدير شركة (تركي الجنسية) بعد أن أخذ معه 260 مليون ريال تاركا لنا صفته الاستثمارية التي سهلت له أخذ الملايين وكذلك ثغرة (التعاقد من الباطن) فبهاتين الطريقتين (مع معرفته بأنظمتنا) قلع البلاطة ومضى. وقصة هروب هذا المستثمر غريبة إذ تظهر التراخي الشديد في تطبيق الأنظمة والملاحقة والمتابعة، فالرجل تم اكتشاف لعبته وتم القبض عليه وأودع توقيف شرطة بشمال الخبر على ذمة التحقيق بعد أن تبين اختلاسه إلى هنا والإجراءات سليمة لكن ما حدث بعد ذلك كان استغلالا لفجوات الأنظمة والتراخي الزمني فقد خرج من السجن بكفالة حضورية وظل حرا طليقا لمدة ستة أشهر ومع دخول موعد التحقيق معه في قضايا الاختلاس والنصب غادر البلاد عن طريق جسر البحرين، ولولا أنه يعرف التراخي لما استطاع الهرب فخلال مدة إطلاقه (ستة أشهر) لم يسحب جوازه ولم يوضع ضمن قائمة الممنوعين من السفر و(راح الحبيب). الآن القضية سوف تبقي المشروع المتعثر -الذي تدخل فيه هذا المستثمر- متعثرا وستدخل الكفيل في السجن وسوف تبدأ المطالبات للإنتربول (هذا إذا كان هناك اتفاقية لتبادل المجرمين) ولن يحصل الناس على فللهم التي هي في مرحلة العظام سوى أنهم يواصلون التمني بأن تكسى لحما (هذا إذا حجت البقرة على قرونها). مع هذه القصة (المعيوبة وسهلة التنفيذ) هل تلومون شخصا يفكر في اختلاس ما يجده أمامه ويمضي موفور الأمنيات، يبدو أننا ملعب لممارسة ركض للنصابين والمحتالين الذين يحلمون بقشع كل بلاطة في البلد.. ومع التراخي وضعف الإجراءات والمتابعة هل نستطيع القول إنها أحلام مشروعة؟
مشاركة :