تونس - رفعت الحكومة التونسية، الأحد، أسعار البنزين والوقود بنحو ثلاثة بالمئة للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر. وتأتي هذه الزيادات في الأسعار التي أعلنت عنها الحكومة السبت ضمن مجموعة إصلاحات يطالب بها المقرضون الدوليون لخفض العجز. ووصل سعر البنزين إلى 1.85 دينار (0.77 دولار) بعد أن كان 1.8 دينار، بحسب بيان صادر عن وزارة الطاقة التونسية. وذكر أكرم الباروني نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس، لـ”العرب”، بقرار أصدرته الحكومة في وقت سابق لإحداث صندوق لتعديل أسعار المحروقات. وقال إن مهمة هذا الصندوق تعديل أسعار المحروقات في كل مرة تقع فيها زيادة أسعار هذه المواد ليتحمل الصندوق الفارق في الأسعار وبذلك لا تنعكس الزيادات على المقدرة الشرائية للمواطن. وانتقد الباروني عدم تنفيذ هذا القرار، إذ أن الدولة لم تتدخل لتخفيف أعباء ارتفاع الأسعار على جيب المواطن. واعتبر أن أسعار الطاقة بصفة عامة تشوبها ضبابية ووصفها بأنها “غير واضحة”. ولفت إلى أن ارتفاع أسعار المحروقات يعود بالأساس إلى زيادة الضرائب أو ارتفاع سعر النفط العالمي “وفي النهاية المواطن هو من يتحمل تكلفة كل هذه الزيادات”. وكانت الحكومة رفعت أسعار المحروقات في يناير الماضي للمرة الأولى خلال العام الحالي. ويشكو التونسيون من غلاء أسعار المواد الاستهلاكية، التي تشهد ارتفاعا مستمرا. وكان معهد الإحصاء التونسي قد أعلن، مطلع فبراير الماضي، أن نسبة التضخم السنوي في أسعار الاستهلاك العائلي صعدت لأعلى مستوى في 20 عاما حيث بلغت 6.9 بالمئة في يناير الماضي. وأكد معهد الإحصاء أن ارتفاع نسب التضخم يعود إلى صعود أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية في البلاد، منذ مطلع العام الحالي. ووافق صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، على صرف قسط ثالث تبلغ قيمته 257 مليون دولار لتونس من قرض متفق عليه سابقا قيمته 2.8 مليار دولار. لكن الصندوق طالب الحكومة بتسريع وتيرة الإصلاحات لخفض العجز. أكرم الباروني: الدولة لم تتدخل لتخفيف أعباء ارتفاع الأسعار على جيب المواطن أكرم الباروني: الدولة لم تتدخل لتخفيف أعباء ارتفاع الأسعار على جيب المواطن وقال الصندوق، في بيان، إن من بين أولويات العام 2018 زيادة حصيلة الضرائب والامتناع عن زيادة الرواتب إلا إذا حقق النمو ارتفاعا غير متوقع. كما طالب صندوق النقد الدولي بزيادة أسعار الوقود على أساس فصلي. وقال توفيق الراجحي، وزير الإصلاحات في الحكومة التونسية، إن قيمة دعم الدولة للمحروقات سترتفع في 2018 إلى نحو ثلاثة مليارات دينار من 1.5 مليار متوقعة بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وتطمح الحكومة إلى خفض العجز إلى 4.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة مع نحو 6 بالمئة العام الماضي. وتعتمد تونس منذ العام 2016 سياسة التعديل الدوري إما بالرفع وإما التخفيض، بحسب الأسعار العالمية للنفط. وقالت وزارة الطاقة التونسية إن هذه الزيادة تأتي “تبعا للارتفاع المسجل في أسعار النفط بالأسواق العالمية، التي بلغت خلال الأشهر الأولى من السنة الحالية حوالي 70 دولارا للبرميل”. وورد في وثيقة نشرتها رئاسة الحكومة، الأسبوع الماضي، أنه “سيتم تطبيق آلية التعديل الآلي لأسعار المحروقات بانتظام كل ثلاثة أشهر لغاية حصر حجم دعم المحروقات بما لا يضرّ مع التوازنات المالية”. وشدد الباروني على أن موضوع النفط والطاقة والمحروقات يحتاج إلى المزيد من التوضيح، منتقدا “غياب سياسة التواصل لدى وزارة الطاقة” التونسية. وأفاد بأنه من المفروض أن تفتح الوزارة هذا الملف لضمان مبدأ الشفافية، مؤكدا على وجود أزمة ثقة بين الحكومة والمواطن. واستنكر الباروني “الزيادات المفاجأة” في الأسعار، داعيا الحكومة التونسية إلى تحضير الأرضية المناسبة لهذه الزيادات والإعلان عنها بطريقة مسبقة. والعام الماضي، تم تعديل أسعار المحروقات مرتين من خلال الرفع في أسعار البنزين والغازوال بـ50 مليما. ونفّذت الحكومة التونسية في قانون موازنة 2018، سلسلة إجراءات اقتصادية وضريبية وتقشفية دفعت الأسعار نحو الزيادة. وأثارت هذه الإجراءات القاسية موجة احتجاجات واسعة في مناطق مختلفة من البلاد، إذ عبّر المتظاهرون عن رفضهم للرفع في الأسعار وزيادة الضرائب وحاولوا الضغط على الحكومة للتراجع عن إجراءاتها التقشفية. وتكثر في تونس المخاوف من اشتراطات المقرضين على تونس خاصة في ما يتعلق بتداعياتها على الأوساط الشعبية وعلى الفئات الهشة من المجتمع. ونبّه الصندوق الحكومة التونسية، الأسبوع الماضي، من تأخرها في تنفيذ الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها للحصول على القرض. وتتضمّن الإجراءات التي تحدّث عنها الصندوق، خلال مراجعته الأخيرة، سعر المحروقات وإيرادات الضرائب والرواتب في القطاع العام وصندوق دعم المواد الأولية وإصلاح المؤسسات العمومية والجهاز البنكي وتدارك عجز الميزان التجاري. وتطرح هذه الإجراءات مشكلات أمام الحكومة التونسية، فرغم التزامها مع صندوق النقد الدولي هي من جهة أخرى وقّعت على اتفاق آخر مع الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة العمالية القوية في تونس بشأن الزيادة في الرواتب في القطاعين العام والخاص. وهذه المفارقات جعلت خبراء الاقتصاد في تونس يتساءلون حول قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات، خاصة أنها تتعامل من جهة مع ضغط المقرضين ومن جهة أخرى تواجه وضعا اجتماعيا متأزما وقابلا للانفجار في أي لحظة. ولا ينكر صندوق النقد الدولي أن تونس تقوم بالجهود اللازمة لتنفيذ الإصلاحات، حيث ذكر في بيانه أن “الإجراءات التي بدأتها بهدف تعديل المالية العامة بدأت تؤتي ثمارها”.
مشاركة :