* قد يتساءل البعض من هم مرتادوا عياديات التجميل الكورية التي يتجاوز عددها 600 عيادة؟ ومن هم مستهلكو علاجاتها؟ الإجابة: أي أحد وكل أحد، فطالما أنك في كوريا، سيبدو الأمر غريباً إن لم تغريك تلك الإعلانات المتناثرة في محطات المترو التي بلغ عددها في عام 2016 وحده إلى 143 ألف إعلان، تلك التي تسألك باستنكار، الكل فعلها. متى سيحين دورك؟ فإن استجبت إلى تلك النداءات وزرت إحدى تلك العيادات!ستناولك موظفة الاستقبال نموذجاً غريباً لتملأه!. فبحسب مقال كتبته صحفية في مجلة نيويوركر، حين تصل إلى بعض عيادات التجميل سيطرح عليك عدة أسئلة مثل: لماذا تريد القيام بعملية تجميل؟ ثم عليك اختيار أحد الخيارات التالية: لاستعادة ثقتك بنفسك، الاستعداد لوظيفة جديدة، اقتراحات من أشخاص مقربين، وأخيراً الزواج. والسؤال الثاني ما هو الشكل الذي تطمح إليه؟ طبيعي، مختلف جداً، مختلف كلياَ! السؤال الثالث: إذا خضعت إلى عملية تجميل، ما أكثر شيء تتمنى حدوثه؟ نشر صورتك دون تعديلها بالفوتو شوب، إيجاد حب حياتك، الحصول على وظيفة، المشاركة في مسابقة للجمال. وأخيراً املأ الفراغ التالي: ما هو أكثر فنان تتمنى أن تبدو مثله بعد الخضوع للجراحة؟ * هذه العمليات التجميلية التي تدعمها وتباركها الحكومة بل ويخضع لها أحياناً من هو على رأس الهرم الحكومي كرئيس الوزراء الكوري السابق! الذي سبق وخضع لعملية الجفن المزدوج أثناء توليه المنصب، تشكل مصدر دخل للحكومة الكورية لدرجة أن مطار العاصمة سيئول فكر بافتتاح عيادة تجميل في إحدى صالاته، لولا معارضة الأطباء لهذا الاقتراح، وعلى نفس الصعيد، باتت هذه العمليات تسبب قلقاً متزايداً لسلطات المطارات الدولية، حيث أصبحت إجراءات مراقبة ومراجعة جوازات العائدين من كوريا الجنوبية بعد العمليات أمرا في غاية الصعوبة وذلك بسبب التغير الكبير والجذري في الشكل قبل وبعد العملية!. أما المراهقون فهم أكثر الفئات المتأثرة، إذ يشلكون ما نسبته 50 % من مجموع الكوريين الخاضعين للعمليات التجميلة، فلم تعد هدايا التخرج الشائعة هاتفاً جديداً أو جهاز بليستيشن أو سفرة إلى مدينة جديدة في العالم بل عملية تجميلية مدفوعة الأجر يهديها الآباء لأبنائهم ليشعروا بثقة أكبر وهم يستقبلون الفصل الجديد من حياتهم. هذا الإقبال على التحول في المظهر لا يأتي بمباركة أسرية فحسب، بل بمؤثرات خارجية أشهرها ثقافة الكي بوب التي يعرف نجومها بإقبالهم الكثيف على عمليات التجميل حتى بات البعض منهم يظهر في كل ألبوم جديد بصورة مختلفة ليس في ملابسه فحسب بل بلامحه أيضًاً. ثقافة الكي بوب تخطت حدود كوريا وغزت العالم بموسيقها الإيقاعية، ورقصاتها العصرية، ومزجهم بين اللغة الكورية وغيرها من لغات العالم..! أشهرها (غانغنام ستايل) من لا يعرفها؟ فقد دخلت موسوعة غينس للأرقام القياسية كإحدى أكثر الأغنيات مشاهدة على يوتيوب حتى عام 2017.. انتشرت خطوات الرقص عليها على نطاق واسع لدرجة أن العديد من القادة السياسيين البارزين حاولوا أن يتبعوا خطوات الرقص الشهيرة عليها مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون الذي اعترف بالأغنية كـ «قوة من أجل السلام العالمي». وخلال لقائه بالمغني في مقر عمله في نيويورك، علق قائلاً: «لدينا مفاوضات متعسرة في الأمم المتحدة، فخطر على بالي أن اشغل أغنيتك لعل المتفاوضين يتوقفون للحظة ويرقصون على أنغامها». أخيراً.. حين كنت في كوريا أعترف أني عشت مشاعر غضب وامتعاض من هذا الإقبال المخيف على عمليات التجميل، فالأرقام والإحصائيات تبدو صادمة ومغرية لإطلاق الأحكام.. ولكن من المهم أن لا نقتطعها من سياقها التاريخي بدوافعه ومؤثراته الثقافية والاجتماعية، فالجماعات كما الأفراد، والأوطان كما الأرواح.. تتألم وتتعلم.. تمضي قدماً رافضة النظر إلى الخلف وإن كان الثمن أن تغير ملامح وجهها كما تغير معالم عمرانها.. فما رأيكم؟
مشاركة :