من الصعب إيجاد مقولة تفسيرية لدعم القيادي الحمساوي خالد مشعل لسيطرة القوات التركية على مدينة عفرين السورية، غير مقولة الانحياز الأبدي لحركة حماس لصالح حلف “أردوغان- تميم”، والتموقع وراء خط الأمان الإخواني. تصريح مشعل يجرف إلى الأبد فرضيتين سياسيتين كثيرا ما وقع تطارحهما عند الحديث عن المشهد الفلسطيني عامة والحالة الحمساوية على وجه التحديد. السيناريو الأول المجتث بفعل تصريحات مشعل وعوامل عديدة أخرى، هو عودة الدفء التدريجي بين دمشق وحماس بعد جفوة الربيع العربي، فالكثير من التحليلات بنت على ترحيب حماس بإسقاط المقاتلات السورية للطائرة الإسرائيلية أساسا تفسيريا لنصف عودة حمساوية تقابلها نصف مراجعة من الطرف السوري. فبعد تصريحات مشعل، من الواضح أنّ المصالحة مع سوريا في ذهن وتمثل قادة حماس، لا تختلف في شيء عن المصالحة مع فتح، فالتمكين في القطاع بمختلف قطاعاته ومستوياته إضافة إلى التسريبات عن “صفقة القرن” بتحويل عاصمة السلطة الفلسطينية إلى مدينة غزة عوضا عن رام الله، يبدو أنّهما زادا من منسوب التشرذم والانقسام الفلسطينيين. أما السيناريو الثاني المستأصل، فكامن في تأثيث الأولويات الوطنية والتركيز على الملفات الداخلية وتأمين هوية فلسطينية صرفة للحركة تنأى عن الاصطفافات الأيديولوجية مع عواصم الإقليم وتبتعد عن حشر القضية الفلسطينية وتجييرها في ملفات لا تنفعها، لا من قريب ولا من بعيد. تصريحات مشعل تثبت أن الوثيقة الجديدة للحركة لم تكن سوى حصان طروادة استثمرته حماس زمن انكفاء الدوحة وتراجع أنقرة وبداية الفاعل الدولي في البحث عن بدائل حقيقية في غزة والضفة الغربية. وبمجرد أن عادت تركيا إلى مشهد الأحداث بقوة الاحتلال وبسطوة العثمانية المحينة، وصدور إشارات أميركية وغربية عن جهد دولي لإدارة غزة عبر تطبيع مرحلي مع الأوضاع في القطاع دون اعتراف بشرعية حماس مع التعامل معها في الحدّ الأدنى، حتى رجعت حماس إلى الرهان على الفاعلين الإقليميين على قاعدة الاقتراب الأيديولوجي. هناك عدة متغيرات في الملف الفلسطيني سهلت عملية إسقاط القناع عن القناع الواهم، أبرزها السجال الحمساوي- الفتحاوي حول محاولة اغتيال رئيس الوزراء رامي الحمدلله، والذي أطلق رصاصة الرحمة على المصالحة. تصريحات مشعل تثبت أن الوثيقة الجديدة للحركة لم تكن سوى حصان طروادة استثمرته حماس زمن انكفاء الدوحة وتراجع أنقرة وبداية الفاعل الدولي في البحث عن بدائل حقيقية في غزة والضفة الغربية ومن بينها أيضا السعي الدولي، وأنقرة غير بعيدة عن تفاصيله، لإدارة جديدة لقطاع غزة يعكف صهر الرئيس الأميركي برنارد كوشنر على إنجازها ضمن “خطة السلام”، تقوم على تسهيل حياة الغزاويين بتزويدهم بكميات من الوقود والكهرباء وبفتح كامل للمعبر من الاتجاهين، مقابل تعيين قيادة فلسطينية جديدة تقبل بمدخلات صفقة القرن. وطالما أن البحث عن القيادة الفلسطينية الجديدة متواصل، وأن المسار برمته لا يصطدم مع مقولة التمكين الحمساوي بل يتعامل معها بمنطق الأمر الواقع، فحماس ستعود إلى لعبتها التي تتقنها جيدا التمكين في القطاع داخليا والتمكين للجماعة خارجيا. أن تختلف حماس مع دمشق في قضايا الديمقراطية والمواطنة وإدارة الصراع بين الدولة والشعب، فهذا مفهوم وقد يتقاطع معها الكثيرون، ولكن أن تدفع حماس بالتباين إلى سقف مباركة الاحتلال والتصفيق للوجود الأجنبي على أرض عربية فهذا استدرار للاستعمار وقابلية للغزو، استنكف عن دركها أصحاب مقولات التطبيع مع إسرائيل. ولئن بنت حماس موقفها المعارض لسوريا من التعامل العسكري بين الجيش والشعب، وأصلت تمثلها المتضاد مع إسرائيل على أساس الاحتلال والغزو والاستيطان، فإن في الوجود العسكري التركي في عفرين، سوأتيْ المقاربة العسكرية بين جيش أجنبي وميليشيات وكيلة وشعب أصيل، واستيطان دولة لرقعة جغرافية عربية. ولئن مأسست حماس موقفها المعارض لحزب الله وإيران وروسيا من مقاربة التدخل العسكري في أوضاع سوريا، فلماذا يُسوغ لأردوغان ما يُرفض لغيره، ولماذا تُمنح تركيا ما يُحجر على غيرها من الدول التوسعية والميليشيات الطائفية؟ فلئن ضعف دليل مشعل على مقاومة الحقائق واستدلال حماس على بناء منظومة حجاجية متراصة ومنظمة، فإن الذريعة الوحيدة لهذا الغزل القديم الجديد بأردوغان هي الانضواء والاصطفاف الأيديولوجي، ومعه باقي العوامل التي أسلفنا ذكرها.
مشاركة :