أجرى الصحفي جيفري غولدبيرغ، حوارا مع سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لصالح مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية. جيفري غولدبيرغ : من الجيد أن نسمع عن بعض الأشياء التي تعِد بأن تقوم بها في السعودية، لكنها لاتزال في مراحلها الأولى. بلدك يعد بلدًا كبير ومعقداً ومن الصعب جدًا أن يتم تغيير الثقافة فيه. هل بإمكانك أن تبدأ بالحديث عن الإسلام والدور الذي يمكن أن يلعبه الإسلام في العالم؟ محمد بن سلمان: الإسلام هو دين السلام. هذه هي الترجمة الصحيحة للإسلام. ربنا، في الإسلام، وضع على عاتقنا مسؤوليتين: أولًا الإيمان، والقيام بكل ما هو جيد وتجنب المعاصي. وفي حال عصينا، فإن الله سيحاسبنا يوم الحساب. وواجبنا الثاني. وواجبنا الثاني كمسلمين هو نشر كلمة الله -سبحانه. فعلى مدى 1400 سنة، كان المسلمون يسعون لنشر كلمة الله في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، لم يكن مسموح لهم نشر كلمة الله بالحسنى، لذلك قاموا بالقتال من أجل نشر الرسالة، وهذا واجبنا. ولكنك ترى أيضًا أنه في العديد من الدول في آسيا، مثل إندونيسيا وماليزيا والهند – كان لدى المسلمين الحرية في نشر كلمة الله. وقد قيل لهم “تفضلوا” بإمكانكم قول ما ترغبونه وللناس حق الإيمان بما يشاؤون. في هذا السياق، لم يكن نشر الإسلام باستخدام السيف بل بالنشر السلمي لكلمة الله. والآن وفي مثلث الشر – جيفري غولدبيرغ: مثلث الشر؟ محمد بن سلمان: صحيح، سأشرح ذلك بعد لحظات. في هذا المثلث (إيران، الإخوان المسلمون، الجماعات الإرهابية)، يسعون للترويج لفكرة أن واجبنا كمسلمين هو إعادة تأسيس مفهومهم الخاص للخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقًا لفهمهم وأطماعهم، لكن الله –سبحانه – لم يأمرنا بذلك، والنبي محمد لم يأمرنا بالقيام بذلك. فالله أمرنا بنشر كلامه. وهذه المهمة لا بد من إنجازها. واليوم -في الدول غير الإسلامية- أصبح لكل بشرٍ الحق في اختيار معتقده وما يؤمن به. وأصبح بالإمكان شراء الكتب الدينية في كل دولة. والرسالة يتم إيصالها. والآن لم يعد واجبًا علينا أن نقاتل من أجل نشر الإسلام –مادام مسموحًا للمسلمين الدعوة بالحسنى-. لكن في مثلث الشر، يرغبون بالتلاعب بالمسلمين، وإخبارهم بأن واجبهم كمسلمين – ومن أجل كرامتهم– يتطلب تأسيس إمبراطورية إسلامية (بالعنف والقوة وفق الأيديولوجيا المحرفة لكل أضلاع مثلث الشر). جيفري غولدبيرغ: فيما يتعلق بالمثلث – محمد بن سلمان: أولًا لدينا النظام الإيراني الذي يريد نشر فكره المتطرف، الفكر الشيعي المتطرف (ولاية الفقيه). وهم يعتقدون أنهم إن قاموا بنشر هذا الفكر فإن الإمام المخفي سيظهر وسيعود ليحكم العالم من إيران وينشر الإسلام حتى الولايات المتحدة. وهم يقولون ذلك كل يوم منذ الثورة الإيرانية في عام 1979م. وهذا الشيء مُسلّمٌ به في قوانينهم وتثبته أفعالهم. الجزء الثاني من المثلث هو جماعة الإخوان المسلمين، وهو تنظيمٌ متطرف آخر. وهم يرغبون في استخدام النظام الديموقراطي من أجل حكم الدول ونشر الخلافة في الظل –تحت زعامتهم المتطرفة- في شتى أنحاء المعمورة. ومن ثم سيتحولون إلى إمبراطورية حقيقية متطرفة يحكمها مرشدهم. والجزء الآخر من المثلث يتمثل في الإرهابيين – تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية – والذين يرغبون في القيام بكل شيء بالقوة، وإجبار المسلمين والعالم على أن يكونوا تحت حكمهم وأيديولوجيتهم المتطرفة بالقوة. وجديرٌ بالذكر أن قادة تنظيم القاعدة وقادة تنظيم الدولة الإسلامية كانوا كلهم في الأصل أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وقائد تنظيم الدولة الإسلامية. هذا المثلث يروج لفكرة أن الله والدين الإسلامي لا يأمرنا بنشر الرسالة فقط، بل بناء إمبراطورية يحكمونها بفهمهم المتطرف، وهذا يخالف شرعنا وفهمنا. وللعلم فإن فكرهم هذا يخالف مبادئ الأمم المتحدة أيضًا، وفكرة اختلاف القوانين في مختلف الدول حسب حاجة كل دولة. المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والبحرين وعمان والكويت والإمارات العربية المتحدة واليمن – كل هذه البلدان تدافع عن فكرة أن الدول المستقلة يجب أن تركز على مصالحها وبناء علاقات جيدة على أساس مبادئ الأمم المتحدة، ومثلث الشر لا يريد القيام بذلك. جيفري غولدبيرغ: رغم ذلك، أليس صحيحًا أنه بعد 1979م، ولكن قبل 1979م كذلك، أن الفئة الأكثر تحفظًا في السعودية كانت تأخذ أموال النفط وتستخدمها من أجل تصدير الأيدلوجية الوهابية التي تعد أكثر تعصبًا وتطرفًا في الإسلام، والتي يمكن أن يُنظر إليها على أنها أيدلوجية متوافقة مع فكر الإخوان؟ محمد بن سلمان: قبل كل شيء، هذ المصطلح الوهابية – هل يمكنك أن تعرّفه لنا. نحن لا نعرف أي شيء عنه. جيفري غولدبيرغ: ماذا تقصد بأنك لا تعرف عنه شيء؟ محمد بن سلمان: ماهي الوهابية؟ جيفري غولدبيرغ: أنت ولي عهد المملكة العربية السعودية. بالتأكيد أنك تعرف الوهابية. محمد بن سلمان: لا أحد بإمكانه تعريف هذا المصطلح “الوهابية”. جيفري غولدبيرغ: إنها حركة أسسها ابن عبدالوهاب في القرن الثامن عشر، وهي ذات طبيعة أصولية متطرفة وتفسير متشدد للسلفية – محمد بن سلمان: لا أحد يستطيع تعريف -ما تسمونه- الوهابية. ليس هُناك ما يسمى بالوهابية! نحن لا نؤمن بأن لدينا وهابية. ولكن لدينا في المملكة العربية السعودية مسلمون سُنّةً وكذلك لدينا مسلمون شِيعة. ونؤمن بأن لدينا في الإسلام السني أربع مدارس فقهية، كما أنه لدينا العلماء الشرعيين المعتبرين ومجلس الإفتاء. نعم، في المملكة العربية السعودية واضحٌ أن قوانيننا تأتي من الإسلام والقرآن، ولدينا المذاهب الأربعة -الحنبلية، الحنفية، الشافعية، والمالكية، وهي مذاهب تختلف فيما بينها في بعض الأمور، وهذا أمر صحي ورحمة. الدولة السعودية الأولى، لماذا تم تأسيسها؟ بعد النبي مُحمد وخلفائه الأربعة، عاد الناس في الجزيرة العربية ليُقاتل بعضهم البعض كما فعلوا منذ آلاف السنين. لكن أُسرتنا، قبل 600 سنة، أنشأت بلدة من الصفر تُسمى الدرعية، قبل إنشاء الدولة السعودية الأولى، ومن هذه البلدة انطلقت الدولة السعودية الأولى. وأصبحت الجزء الاقتصادي الأقوى في شبه الجزيرة. لقد ساعدوا في تغيير الواقع. معظم المدن الأخرى، اقتتلت على التجارة، واختطفت التجارة، ولكن أُسرتنا قالت لقبيلتين اُخرَيَيْن، بدلاً من مهاجمة طرق التجارة، لماذا لا نستعين بكم كحراس لهذه المنطقة؟ لذلك نمت التجارة، ونمت المدينة. كانت تلك هي الطريقة. وبعد ثلاثمائة سنة، لم تزل تلك هي الطريقة. كانت الفكرة دائماً هي أنك تحتاج إلى جميع العقول العظيمة في شبه الجزيرة العربية -الجنرالات، وقادة القبائل، والعلماء -الذين يعملون معاً. وكان أحدهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب. لكن أساسنا يستند إلى إيمان الناس ثم تأمين المصالح كافة، ومنها الاقتصادية، وليس إلى المصالح الأيديولوجية التوسعية (مثلما لدى مثلث الشر). في السعودية لدينا أمور مشتركة؛ جميعنا مسلمون، جميعنا نتحدث العربية، وكلنا لدينا نفس الثقافة ونفس الاهتمام. عندما يتحدث بعضكم عن الوهابية، فهم لا يعرفون بالضبط ما الذي يتحدثون عنه. أصبحت عائلة ابن عبدالوهاب (عائلة آل الشيخ) معروفة اليوم، ومثلها عشرات الآلاف من العائلات المهمة في المملكة العربية السعودية اليوم. وستجدون شيعياً في مجلس الوزراء، وستجدون شيعةً في الحكومة، كما أن أهم جامعة في السعودية يرأسها شيعي. لذلك نحن نعتقد أن لدينا مزيجًا من المدارس والطوائف الإسلامية. جيفري غولدبيرغ: ولكن ماذا عن تمويل المتطرفين؟ محمد بن سلمان: عندما تتحدث عن التمويل، وخصوصًا قبل عام 1979، فلنتحدث عن الحرب الباردة. لقد انتشرت الشيوعية في كل مكان، مُهددةً الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك نحن. تحولت مصر في ذلك الوقت إلى نوع قريب من هذا النظام. لقد عملنا مع أي شخص يمكن أن نستخدمه للتخلص من الشيوعية بنيّة حسنة. وكان من بين هؤلاء الإخوان المسلمين. تم تمويلهم في المملكة العربية السعودية. ومولتهم الولايات المتحدة الأمريكية. جيفري غولدبيرغ: هل كان ذلك خطأً؟ محمد بن سلمان: لو عدنا بالزمن إلى الوراء، فسنقوم بالأمر ذاته. سوف نتعامل مع هؤلاء الناس مرة أخرى. لأننا كنا نواجه خطرًا أكبر – التخلص من الشيوعية. وفي وقت لاحق كان علينا أن نرى كيف يمكننا التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين (وتصحيح مسارهم). تذكر، أن أحد رؤساء الولايات المتحدة وصف هؤلاء الناس بأنهم مقاتلو الحُرية. حاولنا التحكم في حركاتهم وتقويمها. ولكن بعد ذلك جاء عام 1979؛ الذي فجَّر كل شيء. الثورة الإيرانية قامت بخلق نظام قائم على إيديولوجية الشر المحض. نظام لا يعمل من أجل الشعب، لكنه يخدم إيديولوجية متطرفة مُعينة. وفي العالم السني، كان المتطرفون يحاولون استنساخ التجربة ذاتها. شهدنا الهجوم (على المسجد الحرام) في مكة. كنا شهدنا حالة ثورة في إيران، وكانوا يحاولون تطبيقها في مكة. كنا نحاول إبقاء كل شيء مرتبطاً ببعضه البعض، لمنع الانهيار. واجهنا الإرهاب في المملكة العربية السعودية وفي مصر. لقد طالبنا باعتقال أسامة بن لادن في وقت مبكر جداً، لأنه لم يكن في المملكة العربية السعودية. عانينا الكثير من خلال محاربة الإرهاب، حتى جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر. هذه هي القصة الحقيقية. جيفري غولدبيرغ: لقد قضيت أنا الكثير من الوقت في باكستان وأفغانستان في أواخر التسعينيات، في أوائل عام 2000، وكان من المفهوم بشكل عام أن المدارس الدينية كانت تحصل على المال من المملكة العربية السعودية. يبدو أن ما تقوله هو أن الأمور خرجت عن السيطرة – حكومتكم، أُسرتكم، لم تُسيطر على الإنفاق والدعم الأيديولوجي، ثم عاد ذلك وألحق الضرر ليس بكم فحسب، بل بالأصدقاء والحلفاء كذلك. مشروعكم الكبير، إن كنت قد فهمته بشكل صحيح، هو محاولة احتواء بعض الأمور التي أطلق لها بلدك العنان. محمد بن سلمان: تم التعامل مع الإخوان المسلمين في فترة الحرب الباردة – كلانا قام بذلك – جيفري غولدبيرغ: أنا لا أقول هنا أن الولايات المتحدة بريئة – محمد بن سلمان: ذلك هو ما حتمت فعله المصلحة ليس لنا فحسب، بل لشركائنا أيضًا ومنهم أمريكا (التي تعلم ذلك). وكان لدينا ملكٌ دفع حياته ثمنًا مُحاولًا التصدي لهؤلاء الناس بعد تغلغلهم ورفضهم تقويم مسارهم، وهو الملك فيصل، أحد أعظم ملوك المملكة العربية السعودية. وعندما يكون الأمر متعلقًا بتمويل الجماعات المتطرفة، فأنا أتحدى أي شخص يُمكنه جلب دليل على تمويل الحكومة السعودية للجماعات المتطرفة. نعم، ثمة أشخاص من السعودية ممن مولوا الجماعات الإرهابية. وذلك ضد القانون السعودي. ولدينا العديد من الأشخاص زُج بهم في السجن حاليًا، وذلك ليس بسبب تمويل الجماعات الإرهابية فحسب، بل حتى لتقديم الدعم لهم. إن أحد الأسباب خلف وجود مشكلة مع قطر هي أننا لا نسمح لهم باستخدام النظام المالي القائم بيننا لجمع الأموال من السعوديين وتقديمه إلى المنظمات المتطرفة. جيفري غولدبيرغ: هل تعتقد بأنكم لن تكونوا أصدقاءً مع قطر مرة أخرى؟ محمد بن سلمان: يجب أن يحدث ذلك يومًا ما. نأمل أن يتعلموا بسرعة. فتلك المسألة تعتمد عليهم. جيفري غولدبيرغ: أنت تتحدث بصراحة غير عادية عن إيران وأيديولوجيتها. بل أنك شبهت المرشد الأعلى بهتلر. فما الذي يجعل منه كهتلر. فهتلر هو أسوأ ما يُمكن أن تكونه. محمد بن سلمان: برأيي أن المرشد الأعلى الإيراني يجعل من هتلر يبدو شخصًا جيدًا. جيفري غولدبيرغ: حقًا؟ محمد بن سلمان: هتلر لم يقم بما يُحاول المرشد الأعلى القيام به. هتلر حاول احتلال أوروبا. هذا سيء. جيفري غولدبيرغ: نعم، سيء جدًا. محمد بن سلمان: ولكن المرشد الأعلى يُحاول أن يحتل العالم. فهو يعتقد أنه يملك العالم. كلاهما شخصان شريران. هو هتلر الشرق الأوسط. وفي العشرينيات والثلاثينيات، لم ينظر أي أحد إلى هتلر باعتباره خطرًا، مجرد عدد قليل من الناس، إلى أن حدث ذلك. نحن لا نريد أن نرى ما حدث بأوروبا أن يحدث في الشرق الأوسط. نُريد إيقاف ذلك عبر التحركات السياسية، والاقتصادية، والاستخباراتية. نُريد تجنب الحرب. جيفري غولدبيرغ: هل المشكلة برأيك طائفية؟ محمد بن سلمان: كما أخبرتك، يتمتع الشيعة بحياة طبيعية في السعودية. وليس لدينا مشاكل مع المذهب الشيعي. لدينا مشكلة مع أيدولوجية النظام الإيراني (ولاية الفقيه). ومشكلتنا هي: أننا لا نعتقد أن لديهم الحق في التدخل بشؤوننا، ولن نسمح لهم بذلك في أي حال. جيفري غولدبيرغ: ينتابني فضول حول دونالد ترامب وباراك أوباما بخصوص هذه القضية. يبدو بأنك تعتقد بأن دونالد ترامب يتفهم بشكل أفضل هذه القضية من باراك أوباما. محمد بن سلمان: كلاهما يفهمان القضية. لكن أعتقد أن الرئيس أوباما لديه أساليب مختلفة. فالرئيس أوباما يعتقد أنه إذا ما منح إيران الفرص للانفتاح، فإنها ستتغير. ولكن مع نظامٍ قائمٍ على هذه الأيدلوجية، فهي لن تنفتح في وقت قريب. وما نسبته 60% من الاقتصاد الإيراني يتحكم به الحرس الثوري. وإن الفوائد الاقتصادية الناتجة عن الاتفاقية النووية لا تذهب إلى الشعب. فقد أخذوا 150 مليار دولار بعد الاتفاقية -هل يُمكن أن تُسمي مشروعَ إسكانٍ تم بناؤه باستخدام هذه الأموال؟ منتزهاً واحداً؟ منطقةً صناعيةً واحدة؟ هل بإمكانك أن تُسمي طريقاً سريعاً واحداً أنشأوه؟ أنا أنصحهم وأسألهم: من فضلكم أرونا شيئًا يدل على بنائكم لطريق سريع بجزء الـ من 150 مليار دولار! بالنسبة إلى السعودية، ثمة احتمالية نسبتها 0.1 % في أن هذه الاتفاقية ستعمل على تغيير إيران. أما بالنسبة لباراك أوباما، كانت النسبة 50%. ولكن حتى وإن كانت احتمالية نجاحها هي 50%، فإنه لا يُمكننا المخاطرة بذلك. فالنسبة الأخرى التي تبلغ 50% هي احتمالية حرب. علينا أن نذهب إلى سيناريو لا يتضمن وجود حرب. نحن نقوم بردع هذه التحركات الإيرانية. لقد قمنا بذلك في أفريقيا وآسيا وماليزيا والسودان والعراق ولبنان واليمن. نعتقد أنه بعد هذا الردع، فإن المشاكل سوف تنتقل إلى إيران؟ لا نعلم ما إذا كان النظام سينهار أم لا-فذلك ليس هو الهدف، ولكن إذا انهار النظام، هذا عظيم، فتلك هي مشكلتهم. لدينا سيناريو حرب محتمل في الشرق الأوسط حاليًا. لا يُمكننا أن نتحمل الخطر هنا. علينا أن نتخذ قرارات جدية مؤلمة الآن في سبيل تجنب اتخاذ قرارات مؤلمة لاحقًا. جيفري غولدبيرغ: بالحديث عن القرارات المؤلمة، هل تجعلون وضع اليمن أسوأ من خلال الأعمال العسكرية التي تتسبب في الكوارث الإنسانية؟ هُنالك الكثير من الانتقاد المُبرر لحملات القصف التي تقومون بها. محمد بن سلمان: أولًا، علينا أن نعود إلى الأدلة والبيانات الحقيقية. لم يبدأ انهيار اليمن في عام 2015م، بل كان ذلك في العام 2014م، وذلك بناءً على تقارير الأمم المتحدة، وليس بالاستناد على تقاريرنا. لذا، فقد بدأ انهيارها قبل عامٍ على بدء الحملة. حدث انقلاب ضد الحكومة الشرعية في اليمن. ومن الجانب الآخر، حاولت القاعدة استخدام هذه الخطوة لمصلحتها الخاصة والترويج لأفكارها الخاصة. لقد ناضلنا للتخلص من المتطرفين في سوريا والعراق، ثم بدأوا في خلق ملاذ في اليمن. يُعتبر التخلص من المتطرفين في اليمن أصعب من التخلص منهم في العراق أو سوريا. وتركز حملتنا على مساعدة الحكومة الشرعية وتحقيق الاستقرار. وتحاول المملكة العربية السعودية مساعدة شعب اليمن. إن أكبر مانح لليمن هو المملكة العربية السعودية. وإن الأشخاص الذين يتلاعبون بهذه المساعدات هم الحوثيون الذي لا يسيطرون على حوالي 10% من مساحة اليمن. ما أريد قوله هنا، لجعل الأمر بسيطًا، هو أنه في بعض الأحيان في الشرق الأوسط لا يكون لديك قرارات جيدة وقرارات سيئة. في بعض الأحيان يكون لديك قرارات سيئة وقرارات أسوأ. في بعض الأحيان يتعين علينا اختيار الخيار السيئ. نحن لا نريد المجيء إلى هنا، بصفتنا المملكة العربية السعودية، لتُطرح علينا هذه الأسئلة. نريد أن تُطرح علينا أسئلة عن الاقتصاد وعن شراكاتنا وعن الاستثمار في أمريكا (والتنمية في) المملكة العربية السعودية. نحن لا نريد أن نقضي حياتنا في النقاش حول اليمن. هنا لا يتعلق الأمر بمسألة الاختيار. بل يتعلق بمسألة الأمن والحياة بالنسبة لنا. جيفري غولدبيرغ: هل تؤمن بمساواة المرأة؟ محمد بن سلمان: أنا أدعم المملكة العربية السعودية، ونِصف المملكة العربية السعودية من النساء. لذا أنا أدعم النساء. جيفري غولدبيرغ: لكن ماذا عن المساواة؟ وتحقيقها في المجتمع؟ محمد بن سلمان: في ديننا لا يوجد فرق بين الرجال والنساء. هناك واجبات على الرجال وهناك واجبات على النساء. لكن هناك أشكال مختلفة من فهمنا للمساواة. في السعودية مثلاً، يُدفع للنساء نفس المقابل المالي الذي يُدفع للرجال. وسيتم تطبيق هذه اللوائح على القطاع الخاص. لا نريد تفرقة المعاملة للأشخاص المختلفين. جيفري غولدبيرغ: ولكن ماذا عن قوانين الولاية على المرأة؟ هل تريد تغييرها بشكل نهائي؟ أعتقد أن الجميع منبهر بقرارك بالسماح للمرأة بالقيادة، لكن بالنسبة للعديد من الأمريكيين، فإن القضايا الرئيسية هي العوائق الهيكلية الحقيقية التي تعوق مساواة المرأة. محمد بن سلمانقبل عام 1979 كانت هناك عادات اجتماعية أكثر مرونة، ولم تكن هناك قوانين للولاية في المملكة العربية السعودية. وأنا لا أتحدث عن قبل زمن طويل في عهد النبي. بل في الستينيات، لم تكن النساء ملزمات بالسفر مع أوليائها الذكور (مادامت في صحبة آمنة). لكن هذا يحدث الآن، ونتمنى إيجاد طريقة لحل هذا الأمر بحيث لا يضر بالعائلات ولا يضر بالثقافة. جيفري غولدبيرغ: هل ستلغي هذه القوانين؟ محمد بن سلمان: هناك الكثير من الأسر المحافظة في المملكة العربية السعودية. هناك الكثير من العائلات المختلفة في فهمها وعاداتها بالداخل؛ فبعض العائلات تحب أن تكون لها سلطة مطلقة على أفرادها، وبعض النساء لا يرغبن في سيطرة الرجال عليهن. هناك عائلات تعتبر هذا أمراً جيداً. هناك عائلات منفتحة وتتيح للنساء والبنات حرية أكبر فيما يريدون. لذا إذا قلت نعم على هذا السؤال، فهذا يعني أنني أخلق مشاكل للعائلات التي لا تريد إعطاء الحرية لبناتها .. السعوديون لا يريدون أن يفقدوا هويتهم، صحيح أننا نريد أن نكون جزءاً من الثقافة العالمية. ولكننا نريد دمج ثقافتنا مع الهوية العالمية (بما لا يؤثر فيها). جيفري غولدبيرغ: الآن لدي سؤال يتعلق بالقيم. أنت قادم من بلد مختلف تمامًا عن بلدنا – فبلدك يملك ملكية مطلقة، وهو مكان لا يحق للأشخاص فيه التصويت، ويوجد فيه العقاب البدني وعقوبة الإعدام بالطرق التي لا يحبها الكثير من الأمريكيين – محمد بن سلمان: نحن لا نشارككم نفس القيم. ولكنني أعتقد أيضًا أن مختلف الولايات في الولايات المتحدة لا تتشارك نفس القيم تماماً. هناك قيم مختلفة بين كاليفورنيا وتكساس. إذن، كيف تريد منا مشاركة قيمكم بنسبة 100٪ عندما لا تتشاركون أنتم نفس القيم؟ بالطبع هناك مبادئ أساسية للقيم التي يشترك فيها جميع البشر. ولكن هناك اختلافات، من ولاية إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد. جيفري غولدبيرغ: لكن ماذا عن الملكية المطلقة؟ محمد بن سلمان: الملكية المطلقة لا تُعد تهديدًا لأي بلد. أنت تقول عبارة “الملكية المطلقة” وكأنها تهديد. لولا الملكية المطلقة، لما كان لديك الولايات المتحدة. إذ ساعدت الملكية المطلقة في فرنسا على إنشاء الولايات المتحدة من خلال دعمها. إن الملكية المطلقة ليست عدوة للولايات المتحدة. إنها حليفة لوقت طويل جدًا. جيفري غولدبيرغ: هذه إجابة ذكية، لكنها في موضوع مختلف. محمد بن سلمان: حسناً، كل بلد، كل نظام، يجب عليه أن يطبق ما يعتقد الناس أنه قابل للتطبيق. والمملكة العربية السعودية عبارة عن شبكة من آلاف الأنظمة الملكية المطلقة، ويوجد النظام الملكي المطلق الأكبر. فنحن لدينا أنظمة ملكية قَبَلية، مثل مشايخ ورؤساء المراكز على قبائلهم، وأنظمة ملكية حضرية. هم يحكمون وسيحكم أبناؤهم بعدهم. وإن التحرك ضد هذه الهيكلة من شأنه أن يخلق مشاكل كبيرة في المملكة العربية السعودية. إن التركيب السعودي أكثر تعقيدًا مما تعتقد. وفي الواقع لا يملك ملكنا سلطة مطلقة. وتستند قوته على القانون. وإذا قام بإصدار مرسوم ملكي فلا يمكنه أن يقول: “أنا الملك سلمان وأنا أقرر ذلك”. إذا قرأت المراسيم، فأنت سترى أولاً قائمة القوانين التي تسمح للملك باتخاذ هذا القرار. بالمناسبة، ملكة المملكة المتحدة، لديها السلطة المطلقة في تغيير أي قانون. لكنها لا تمارس ذلك. لذلك الأمر معقد. جيفري غولدبيرغ: هل من الممكن أن تتحرك نحو نظام يصوت فيه الناس لممثليهم؟ إذ عندما تبدأ في السماح للأشخاص باختيار من يمثلهم، هذا هو التغيير. محمد بن سلمان: ما يمكنني فعله هو تشجيع قوة القانون. نود أن نشجع حرية التعبير بقدر ما نستطيع، طالما أننا لا نعطي الفرصة للتطرف بالظهور. ويمكننا تحسين حقوق المرأة –وفق ضوابطنا- وتحسين الاقتصاد. يوجد لدينا تحديات هنا، لكن يجب علينا القيام بها. أحد الزائرين الأمريكيين قال لي شيئًا مثيرًا حقًا. لقد قال إن الأمريكيين لا يدركون الفرق بين أمرين – بين الغاية، وبين الطريقة. الغاية هنا هي التنمية والحقوق والحرية. والطريقة للوصول إليها، في النظرة الأمريكية، يكون من خلال الديمقراطية، لكن الطريقة للوصول إليها في المملكة العربية السعودية تكون عبر نظامنا الأكثر تعقيدًا. جيفري غولدبيرغ: دعنا نتحدث عن الشرق الأوسط بشكل أوسع. هل تعتقد أن الشعب اليهودي له الحق في أن يكون لديه دولة قومية في جزء من موطن أجداده على الأقل؟ محمد بن سلمان: أعتقد عمومًا أن كل شعب، في أي مكان، له الحق في العيش في بلده المسالم. أعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في امتلاك أرضهم الخاصة. لكن يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام عادل ومُنصف لضمان الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعية بين الشعوب. جيفري غولدبيرغ: لا يوجد لديك اعتراض على أساس ديني بشأن وجود إسرائيل؟ محمد بن سلمان: أؤكد أن لدينا مخاوف دينية حول مصير المسجد الأقصى في القدس وحول حقوق الشعب الفلسطيني. هذا ما لدينا. ليس لدينا أي اعتراض على وجود أي أشخاص آخرين وفق معاهدة سلام منصفة. جيفري غولدبيرغ: لطالما كانت المملكة العربية السعودية، بشكل تقليدي، مكاناً لإنتاج الكثير من الدعاية المعادية للسامية. هل تعتقد أن لديك مشكلة مع معاداة السامية في بلدك؟ محمد بن سلمان: بلدنا ليس لديه مشكلة مع اليهود. نبينا محمد تزوج امرأة يهودية. لم يملك صديقاً من اليهود فحسب – بل تزوج من اليهود. وجيرانه كانوا يهود. يوجد الكثير من اليهود في المملكة العربية السعودية قادمون من أمريكا ومن أوروبا للعمل. ولا توجد مشاكل بين المسلمين والمسيحيين واليهود. لدينا مشاكل مثل تلك الموجودة بين بعض الناس في أي مكان في العالم. لكنه النوع العادي من المشاكل. جيفري غولدبيرغ: هل تعتقد أن إيران تجعلكم قريبين من إسرائيل؟ وبدون إيران، هل يمكنك أن تتصور حالة تمتلكون فيها مصالح أخرى مشتركة مع إسرائيل؟ محمد بن سلمان: تشكل إسرائيل اقتصادًا كبيرًا مقارنةً بحجمها كما أن اقتصادها متنامي، ولعل هناك الكثير من المصالح الاقتصادية المحتملة التي قد نتشاركها مع إسرائيل، متى كان هناك سلام مُنصف، فحينها سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول كمصر والأردن. جيفري غولدبيرغ: إنني أشعر بالفضول حول شبابك. فهذه مهمة معقدة جدًا بالنسبة لشاب محمد بن سلمان: إنني أؤمن أن البشر يتعلمون حتى آخر يوم في حياتهم. وأي شخص يدّعي معرفة كل شيء لا يعرف شيئًا حقًا. وما نحاول القيام به هو أن نتعلم بسرعة، ونفهم بسرعة، وأن نكون محاطين بأشخاص أذكياء. ولا أعتقد أن شبابي يشكل مشكلة. وأعتقد أن أفضل الاختراعات جاءت على أيدي شباب. وشركة آبل خير مثال. فشركة آبل تم إنشاءها من قبل ستيف جوبز عندما بدأ في الابتكار في أوائل العشرينات من عمره. الأمر ذاته ينطبق على مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك تم إنشاؤه من قبل شاب لا زال صغيرًا. أعتقد أن جيلي يمكنه إضافة الكثير. جيفري غولدبيرغ: من الأمور التي كان يمتلكها ستيف جوبز هي الحرية. فقد عاش في بلد حيث يمكنك فيه فعل أي شيء. ولا أظن أن أي شخص قد يصف السعودية كمكان يمكنك القيام فيه بأي شيء من منظور حقوق الإنسان، ومن منظور الحرية. محمد بن سلمان: في السعودية يمكنك القيام بأي شيء تريده والعمل على تطوير أي مشروع بالطريقة التي تريدها في المجال التجاري. هناك معيار مختلف فيما يتعلق بحرية التعبير. فلدينا في السعودية ثلاثة خطوط لا يمكنك اجتيازها -أي شخص بوسعه كتابة ما يريده والتحدث عما يريد، دون تجاوز هذه الخطوط. وهذا الأمر لا يعتمد على ما ينصب في مصلحة الحكومة بل على مصلحة الشعب. الخط الأول هو الإسلام، فلا يمكنك تشويه سمعة الإسلام أو التجاوز عليه. وهذا الأمر لمصلحة الشعب السعودي. والخط الثاني -للتوضيح- في أمريكا مثلاً، يمكنك انتقاد شخص وشركته أو وزير ووزارته. بينما في السعودية يمكنك انتقاد وزارة وشركة، ولكن بناء على ثقافة السعوديين، فإنهم يرفضون التجاوزات الشخصية، ويؤمنون بضرورة الابتعاد عن شخصنة الأمور. هذا جزء من الثقافة السعودية. والخط الثالث هو الأمن القومي. فنحن في منطقة لا تحيط بها المكسيك وكندا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. بل لدينا تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وحماس وحزب الله والنظام الإيراني، وحتى قراصنة. لدينا قراصنة يخطفون السفن. لذا فأي شيء قد يمس الأمن القومي، لا يمكننا المخاطرة به في السعودية. فلا نريد أن نرى الأمور التي تحدث في العراق تحدث في السعودية. ولكن بخلاف ذلك، فالشعب يمتلك الحرية للقيام بما يحلو له. على سبيل المثال، لم نحجب تويتر. أو إمكانية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك وسناب شات. جميعها، متاحة لكل السعوديين. لدينا أكبر نسبة من الأشخاص الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. في إيران يقومون بحجب مواقع التواصل الاجتماعي كما هو الحال في بعض البلدان الأخرى. السعوديون لديهم حرية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم. جيفري غولدبيرغ: لست متأكدًا ما إذا كان تويتر أمر جيد للحضارة. ولكن هذا سنتركه للنقاش المستقبلي معك. شكرًا جزيلًا لك.
مشاركة :