أنقرة – تعهد الرؤساء التركي والروسي والايراني الأربعاء خلال قمة في أنقرة بالتعاون من أجل التوصل إلى "وقف دائم لإطلاق النار" في سوريا، بحسب بيان صدر في ختام القمة الثلاثية في أنقرة. كما أعلنوا التزامهم بتعزيز وحدة أراضي وسيادة سوريا فيما تتنافس الدول الثلاث على تعزيز نفوذها في الأراضي السورية في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة لسحب قواتها في القريب العاجل بحسب ما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء. إلا أن القمة تأتي في الوقت الذي تسعى كل دولة من الدول الثلاث لتأمين مصالحها في سوريا، وسط تحرك على أكثر من جبهة لملء الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الأميركي. وتعتبر القمة قمة تسويات بين الدول الثلاث المتدخلة في الصراع السوري والتي تقف في الوقت ذاته على طرف نقيض من الأزمة، حيث تدعم كل من موسكو وطهران نظام الرئيس السوري بينما تدعم أنقرة فصائل معارضة تعمل على الاطاحة بالأسد. وكرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيريه الروسي والإيراني فلاديمير بوتين وحسن روحاني "عزمهم على التعاون الكثيف في سوريا بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين أطراف النزاع"، وفق البيان. واتهم روحاني الولايات المتحدة بدعم تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا ودعا كافة الدول إلى احترام استقلال سوريا حليفتها العربية الرئيسية. وقال في مؤتمر صحفي في أنقرة "بعض البلدان وبينها أميركا تساند جماعات إرهابية مثل الدولة الإسلامية في سوريا التي تخدم مصالح هذه الدول... إيران تعتقد بعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية.. الحفاظ على استقلال سوريا أولوية بالنسبة لطهران". وقال بوتين في المؤتمر الصحفي المشترك للرؤساء الثلاثة في ختام القمة إن "المباحثات الثلاثية جرت بجو عملي وبناء. وبحثنا النواحي الرئيسية للوضع في سوريا وتبادلنا الآراء حول الخطوات اللاحقة التي تهدف إلى ضمان تطبيع الأوضاع في هذا البلد لأمد طويل". وأكد التزام روسيا وتركيا وإيران بالمساهمة في تعزيز سيادة واستقلال وسلامة أراضي سوريا. وقال إن "هذا الموقف المبدئي له أهمية خاصة على خلفية المحاولات المتزايدة لإشعال الخلافات الأثنية والطائفية في المجتمع السوري وتقسيم البلاد مع الحفاظ على مخاطر النزاعات في الشرق الأوسط لسنوات طويلة". كما أعلن الرئيس الروسي أن الدول الثلاث اتفقت على توسيع التعاون بينها بشأن سوريا ضمن اطار اتفاق عملية أستانا، في اشارة الى اللقاءات التي جرت في العاصم الكازاخية وانتهت باتفاق على مناطق لخفض التوتر في سوريا. لكن اتفاق استانا جرى انتهاكه مرارا من قبل قوات النظام السوري ومن قبل المعارضة وكانت موجة العنف والقصف الغوطة الشرقية المشمولة بالاتفاق شاهدة على أوسع انتهاكات للاتفاق. واعتبر بوتين أن عملية استانا أثبتت فاعليتها، مضيفا أنها ساهمت في تراجع مستوى العنف في سوريا بشكل جذري. وأعلن أيضا أن الدول الثلاث وهي الدول الضامنة لاتفاق استانا، اتفقت على تنسيق الخطوات لمحاربة الإرهاب وتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين. وأضاف أنه أطلع نظيريه التركي والإيراني على ما بذلته روسيا من جهود الجهود لانقاذ حياة آلاف المدنيين في الغوطة الشرقية. وكان بوتين يشير إلى توصل موسكو لاتفاق على خروج المسلحين من المنطقة، لكن العملية التي استهدفت الغوطة الشرقية أسفرت في النهاية عن مقتل مئات المدنيين بغطاء جوي روسي وواجهت خلالها روسيا انتقادات غربية واتهامات بالمشاركة في حرب ابادة. وقال الرئيس الروسي أيضا "اتفقنا على توحيد الجهود لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع في سوريا. ويدور الحديث قبل كل شيء عن بناء منشآت البنية التحتية والمؤسسات العامة"، مشيرا إلى أن الشركات الروسية قد بدأت تشارك في هذا العمل، بما في ذلك في المناطق التي كانت تحت سيطرة المسلحين. وتحدث بوتين عن مشاريع اعادة الاعمار داعيا جميع الدول للمساهمة في ذلك مؤكدا أنه إلى جانب التسوية السياسية فإنه "من الضروري أن يعيش السكان في ظروف طبيعية، ولن يتسنى ذلك دون مساهمة كبيرة من الخارج". وقال ايضا إنه تم التأكيد خلال القمة الثلاثية على ضرورة عدم تسييس الملف الانساني وعلى ضرورة تنفيذ القرار الدولي رقم 2401 الرامي إلى تخفيف معاناة المدنيين على كامل الأراضي السورية. اجتماع ثنائي مغلق وقد عقد بوتين وروحاني الأربعاء اجتماعا مغلقا في أنقرة استمر لأكثر من ساعة على هامش مشاركتهما في القمة الثلاثية بشأن سوريا. وقبيل اللقاء، قال بوتين في تصريحات صحفية إن موسكو وطهران يواصلان العمل معا لإيجاد حل للمسائل العالقة مثل الأزمة السورية. وأضاف أن لقاءه مع نظيره الإيراني في أنقرة يشكل فرصة لتطوير العلاقات الثنائية. وقال روحاني إن البلدين يمتلكان وجهات نظر متقاربة جدا حيال قضايا إقليمية مثل الأزمة في سوريا، مضيفا "لدينا 3 أهداف مهمة هي إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا وعودة اللاجئين إلى بلادهم وتحديد مستقبل سوريا ومصيرها بإرادة شعبها". ولم يقدم الرئيسان المزيد من التوضيحات لكن الاجتماع المغلق بينهما يشير إلى قضايا خلافية بين الدول الثلاث وإلى تسويات محتملة تتعلق بالوجود العسكري التركي في شمال سوريا خاصة بعد سيطرة القوات التركية وفصائل سورية موالية لها على مدينة عفرين واعتزام أنقرة توسيع عملياتها شرقا لتشمل عددا من المدن الخاضعة لسيطرة الأكراد ومن ضمنها منبج حيث تتواجد قوات أميركية. ويرجح أن بوتين وروحاني بحثا هذه المسألة خاصة مع اعلان الرئيس الأميركي عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا قريبا، ما يعني أن هذا الانسحاب سيتيح لتركيا فرصة التمدد في شمال سوريا. وتتنافس الدول الثلاث على تثبيت اقدامها وتعزيز نفوذها في سوريا وملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي. ويأتي اجتماع بوتين وروحاني أيضا لبحث مسائل تتعلق بملف اعادة اعمار سوريا وسط خلافات معلنة بين البلدين الداعمين للنظام السوري. وأثار استثار الروس بمعظم العقود ومنها عقود ضخمة تتعلق بقطاع الطاقة السوري وبالبنية التحتية، غضب طهران التي تشعر بأنها تعرضت للخديعة من قبل موسكو ودمشق.
مشاركة :