أدى ضعف الإنفاق الاستهلاكي في الأشهر الأخيرة إلى نوع من الحيرة في الأوساط المالية بالولايات المتحدة، وربما كانت الإجابة تكمن في حرص المُقرضين على تقديم الأموال. ارتفعت نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو مقياس واسع لإنفاق الأسر، بنسبة 0.2% فقط في يناير وفبراير الماضيين، وفقا لبيانات وزارة التجارة الأميركية. كان هذا أبطأ من زيادة بلغت نسبتها 0.4% في الدخول خلال نفس الفترة، مما يوحي بأن الأميركيين يوفرون هذا الفارق. وأظهرت سلسلة بيانات منفصلة أن مبيعات التجزئة تراجعت للشهر الثالث على التوالي في فبراير وهو أمر مخيب للاقتصاديين الذين حققوا مكاسب طفيفة خلال نفس الشهر. هذه الأرقام تبعث على الحيرة في الأسواق المالية الأميركية فمن المتوقع أن يسهم النمو الملحوظ في سوق العمل في زيادة الإنفاق بنسبة مماثلة أو أحياناً تفوق هذا النمو وخاصة أن النمو في سوق العمل في الولايات المتحدة صاحبه زيادة في الأجور وتخفيضات ضريبية بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالفعل تطبيقها. فلماذا إذن لا يقدم الأشخاص على زيادة الإنفاق؟ قد يرجع ذلك جزئياً إلى الأضرار الناجمة عن موسم الأعاصير القوي الذي ضرب مناطق متفرقة من الولايات المتحدة في العام الماضي، حيث هرع المستهلكون لاستبدال السيارات أو الأجهزة المتضررة بعد تلك العواصف وبعد أن انتهوا من ذلك تباطأت حركة الشراء. ولكن أشار الخبراء الاستراتيجيون في شركة الاستشارات والاستثمار كانتور فيتزجيرالد إلى وجود سبب آخر محتمل، وهو تشديد معايير الإقراض من قبل شركات بطاقات الائتمان وتمويل السيارات وغيرها من الجهات المُقرضة مما قد يمثل ضغطاً على المستهلكين. ومنذ عام 2011، وجد المسح الفصلي للاحتياطي الفيدرالي الخاص بالائتمان على القروض أن هناك تراجعاً مستمراً في تطبيق المعايير اللازمة لتقديم القروض لطالبيها خاصة بطاقات الائتمان والقروض الاستهلاكية. هذا الأمر تبدل منذ العام 2016، وطبقاً للمؤشرات فإن المُقرضين بدؤوا التشديد في عمليات الإقراض للأشخاص. وأثبت المسح أن عددا من البنوك والشركات المُقرضة تزيد من التشدد في المعايير بشكل مستمر. وهذا قد يبدو منطقياً بالنظر إلى المبلغ الذي اقترضه المستهلكون في السنوات الأخيرة. وتظهر بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي أن أرصدة الديون المنزلية الإجمالية في زيادة مطردة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفي نهاية العام الماضي تجاوزت ذروتها السابقة في 2008 بمقدار 473 مليار دولار. وأكدت شركات بطاقات الائتمان، بما في ذلك كابيتال وان وسينكروني فاينانشيال، أنهم شددوا معايير الإقراض على مدى العامين الماضيين استجابة لارتفاع حالات التخلف عن السداد أو العجز عن السداد. وكذلك شددت شركات تمويل السيارات من إجراءاتها الخاصة بتقديم القروض. عندما يحدث هذا، سيجد المستهلكون الذين يحصلون على درجات ائتمانية أقل صعوبة في تأمين قروض السيارات أو الحصول على بطاقات ائتمان جديدة. وبالتالي سيكون من الطبيعي أن يكون هناك تأثير على معدلات الإنفاق على الرغم من زيادة الدخل، فالديون التي تراكمت على المستهلكين في السنوات الأخيرة يمكن أن تشكل عبئاً على الاقتصاد لبعض الوقت.
مشاركة :