كتائب وكتبة يلحون على تعديل دستور في علبة الهدايا

  • 4/5/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من وقت لآخر، تحلو لي مراجعة دستور 2014، وبعدها أغمض عيني، وأترحم على الحالمين بالعدل، على الشاعر سيد حجاب كاتب الديباجة وعنوانها “هذا دستورنا”، وفيها إقرار بأن “ثورة 25 يناير- 30 يونيو، فريدة بين الثورات في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة”. أقرأ الدستور وأتخيله هدية لم تغادر علبة أنيقة تغلفها، ولا ينشغل الساديون من عجائز الفرح بالدعوة إلى فك أسر الدستور، وإنما يلحّون على تعديل مادة ربما لا ينعم بها إلا الرئيس القادم، كما جرى في دستور 1971، وفيه نص على جواز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية متصلة، وتمّ تعديل المادة 77 عام 1980 لتصير “ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى”، لم يستفد منها أنور السادات، وأهديت إلى حسني مبارك، إلى أن أنقذتنا منه ومنها ثورة 25 يناير 2011. تعديل الدستور في سياق ملتهب، لا يقل وحشية عن بناء جدار برلين. أتأمل صورة فوتوغرافية قد تكون لوحة لفنان، وفيها تمشي سيدة على رصيف، وتشكل ساقاها ضلعي مثلث قاعدته بين قدميها، وما بين القدمين هو ما كان جدارا، ويشي التكوين التشريحي المتماسك لساقيها بأنها ولدت بعد هدم الجدار، ولعلها لا تنتبه إلى ذلك؛ إلى بقايا الجدار لا إلى ساقيها، لولا وجود لوحة تذكارية حذو حجارة الرصيف كتب فيها بحروف بارزة “جدار برلين 1961- 1989”. الجدار شاهد على جرائم قتل لمواطنين حاولوا عبوره، وعلى لحظات رعب، مقامرات بالأرواح للفوز بنظرة لأقارب حرّم عليهم اللقاء، وفي إحداها يرفع أب ابنه لكي يراه جده على الجانب الآخر، في حين تراقب الزوجة الطريق؛ خوفا من رصاصة يطلقها قناص فينهي هذا النوع البدائي من التواصل العائلي المحظور، ولو بنظرات وكلمات غير مسموعة. صمد الجدار 28 سنة، ثم قضت سيرورة التاريخ وإرادة البشر أن يكون ذكرى. كما صمدت المادة التي عدلها السادات 31 عاما، واستهلكت أطنانا من الأوراق والأحبار والأعمار وأرواح أكثر من 841 شهيدا منهم 551 شهيدا في 28 يناير 2011؛ “جمعة الغضب”، في ساحات أغلبها يخلو من مراكز للشرطة. الذين تدور أعمارهم حول الثمانين عاشوا عقودا في التغني بحكمة مبارك، وانحنت أرواحهم تحت ظلاله، ثم انتقدوه بحدة بعد خلعه، واليوم يسعون إلى تكرار التأبيد وفتح مدد الرئاسة، وكأن ثورة لم تمر بمصر الرهان على القدرة غير المحدودة للإرادة البشرية وتعبيرها الأصدق تمثيلا في موجات ثورية متلاحقة، والإيمان بالمصائر، كل ذلك يطمئن الحيران، ويمنحه أملا في تجاوز أيّ منحنٍ مهما بدا طوله، مهما كان التداعي الطوعي للكتبة والكتائب. وفي الحالة المصرية تصدق آية “وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ”؛ فالذين تدور أعمارهم حول الثمانين عاشوا عقودا في التغني بحكمة مبارك، وانحنت أرواحهم تحت ظلاله، ثم انتقدوه بحدة بعد خلعه، واليوم يسعون إلى تكرار التأبيد وفتح مدد الرئاسة، وكأن ثورة لم تمر بمصر. تدعوني المواقف المعلنة لهؤلاء إلى اختيار نماذج أعلى صوتا، ممن أفنوا أعمارهم في الخدمة، في الدبلوماسية والصحافة، وشبعوا مناصب وعطايا، ويفترض أن يتدبروا خريف الأعمار بالصلاة والاستغفار والاستعداد للقاء وجه الله ذي الجلال. إلا أنهم استبقوا إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، وطالبوا بتعديل الدستور. لا يكتفي مصطفى الفقي بعدم رفض أي يد تمتد إليه، من أي تيار، لا فرق بين انتماء إلى جمال عبدالناصر ومن يكفرونه دينيا مثل الإخوان، وكان يعلن الولاء لعائلة مبارك، وظل يراهن عليه حتى يومه الأخير، وبعد سقوطه، مبارك بالطبع، سارع الفقي إلى جنة الإخوان، وبادر بتهنئة القيادي الإخواني عصام العريان بتأسيس التنظيم لحزب “الحرية والعدالة”، وقال إن الحزب “بداية طيبة لنا كلنا. وناس كتير كتير كتير عايزة تخش الحزب… حتى أقباط.. كتير ناوين على كده”، واستحلفه بنقل مباركاته وتحياته إلى محمد مرسي ومحمد الكتاتني؛ لأنه لم يستطع الوصول إليهما. الفقي الآن (74 عاما) مدير لمكتبة الإسكندرية، وقبل إعلان نتيجة الانتخابات التي تأكد فيها فوز عبدالفتاح السيسي، قال في التلفزيون إن ثماني سنوات رئاسية مدة قصيرة، ويجب تعديل هذه المادة في الدستور. مرسي عطا الله -الذي بدأ حياته رئيسا لتحرير مجلة نادي الزمالك للألعاب الرياضية وأنهاها برئاسة مجلس إدارة مؤسسة الأهرام- كتب في صحيفة الأهرام، يوم إعلان نتيجة الانتخابات 2 أبريل 2018، يدعو إلى “تصويب الدستور!”. ما بين الأقواس هو عنوان مقاله الذي ينتهي غالبا بعلامة التعجب، والرجل مريض بعلامات التعجب، في محلها وفي غير محلها، وعلامة التعجب هنا ربما تزعج ولي الأمر، ويظنها سخرية من أمر تمّ تكليف عطا الله وغيره بالترويج له. وبعيدا عن التباس علامة التعجب فهو يحرض على تصويب الدستور والمرجعيات القانونية التي “جرى صكها تحت تأثير الهياج العاطفي وبعيدا عن ضرورات تحكيم العقل!”، وعلامة التعجب الأخيرة له أيضا، وقد تثير ضائقة الرئيس فيتذكر الخروج الكبير في 30 يونيو 2013 وما تلاه وصولا إلى الذروة في يوم التفويض (26 يوليو 2013). تلك لحظة من المستحيل أن تتكرر، وسكرة جمعية يراها عطا الله (75 عاما) هياجا عاطفيا مسؤولا عما آلت إليه الأحوال من تراجع اقتصادي وانقسام مجتمعي يبلغ حد الشقاق. ومن المستحيل أن تعيد الجماهير ذلك السيناريو لو مرت بالظرف نفسه، ولكن تلك اللحظة من الهياج العاطفي أتت بالسيسي رئيسا. أستبعد أن تكون هذه الأصوات نشازا، وتنطلق من عاطفة فردية ساذجة، فكيف لا تستفزها غيرة على الدستور المغلف في علبة الهدايا ولم يختبر عمليا؟ أليس فيهم رشيد يشير مثلا إلى المادة 145 وفيها “يتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفي نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية”. أما باب “الحقوق والحريات والواجبات العامة” فلا يتسع المقام لذكر مواده المغلّفة، وللقارئ أن يراجعه، ويترحم على شهداء الثورة، ويثق بأن الكارثة لو وقعت فلن يكتب لها عمر جدار برلين.

مشاركة :