«عانية الزواج» موازنة سنوية... ترهق جيوب السعوديين

  • 9/12/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم يغلق عبد اللطيف عبيد باب منزله منذ صباح اليوم الذي حددته العائلة ومجموعة من الأصدقاء والأقارب ليكون موعداً لتلقي «عانية الزواج»، وهي مساعدات عينية ومالية جرت العادة أن تقدم للمقبل على الزواج مساعدة اجتماعية أصيلة. يعد عبد اللطيف وعائلته القهوة وصحن الفاكهة لاستقبال المساندين الذين غالباً ما يمكثون بضع دقائق ويغادرون بعد أن يتركوا وراءهم «العانية». تعد مجموعة من الأقارب لائحة بما ينقص من لوازم العريس، بين أثاث وأدوات كهربائية، وتطرحها على العائلة والأصدقاء، فيما يفضل كثر أن تكون مساعدات سرية، فتوضع المبالغ المالية داخل أظرف مغلقة يكتب على بعضها اسم مقدمها، فيما يستغني البعض عن كتابة الاسم، لكنها تعرف بعد أن يقدمها صاحبها يداً بيد. يقول عبد اللطيف: «حدث هذا الأمر في زواجي الأول قبل عقدين. ولا أزال أذكر هذه الصورة الاجتماعية الفريدة حين دخل علي جاري وصديقي وأفراد عائلتي وهم يباركون زواجي قبل شهر من موعد الزفاف. وأكثر ما أثر فيّ خجل الكثيرين وهم يمدون لي العانية معتذرين على تواضعها، لكنها كانت بالنسبة إلي كنزاً لا يقدر بثمن، إذ يكفي أنها لخصت مدى الحب والترابط بيننا». جمع عبد اللطيف حينها مبلغ ٢٥ ألف ريال، إلى جانب عدد كبير من رؤوس الماشية. وفي حسبة بسيطة استنتجها: «لم أخسر في زواجي كثيراً، والسبب عانية أهلي وجيراني أصدقائي». ويقول: «حين أتسلمها أكون وقعت إقراراً غير مباشر بوقوفي مع أبناء مجتمعي، فلا يمكن أن تمر مناسبة من دون أن أكون حاضراً ومساهماً». بدأت العانية كتحرك اجتماعي في البادية، تفرضه القبيلة على أبنائها، ولا يمكن أن يُغفر للمتخلفين عنه. لكن هذه العادة تسللت إلى أبناء الحضر بعدما انتقل البدو مع الزمن إلى المدن، إضافة إلى ساكني الأرياف، لتشابه المناخ الاجتماعي والترابط الذي يجمع أفراده. فاقتصر الأمر على أفراد العائلة، من إخوان وأخوات وأعمام وأخوال، وتوسع حالياً ليشمل الأقارب والأصدقاء. ثم طوّر أبناء المدن هذه العادة الاجتماعية، وأدرجوها ضمن مهمات جمعيات الأسر الأهلية التي أنشأتها العائلات تطوعياً في ما بينها، لدعم مناسباتها ونشاطاتها. يقول أحمد الراشد: «أدرجنا عانية الزواج ضمن مهمات جمعية العائلة التي تستقبل مساهمات شهرية على شكل أسهم يدفعها كل فرد بحسب مهنته ومكانته، يصرف من تلك الأسهم على مساعدة المقبلين على الزواج من العائلة». ويضيف: «بهذه الطريقة، نجحنا في تجاوز الحرج الدائم الذي تسببه الزيجات المتتالية لأفراد الأسرة، والتي توجب على كل فرد أن يقدم مبلغاً للعريس، ما استدعى معالجة سريعة للوضع، ولقينا ترحيباً كبيراً ومساندة أكبر، فنجحنا في إنعاش جمعية العائلة وتقويتها من خلال الأثر الذي لمسناه». تتنوع «العانية»، التي استمدّت اسمها من «الإعانة» (المساعدة)، باختلاف المناطق والقبائل، وإن كانت حالياً ترتكز على دفع مبالغ مالية يدفعها بعضهم قبل الزواج، فيما يفضل بعضهم الآخر أن تسلم إلى يد العريس وسط حضور المدعوين كبهرجة عالية، وتسجيل موقف. ولا تخلو قصص العانية من الطرافة، ففي إحدى الزيجات من أبناء المدن الذين لم يعتادوا على طقوس تقديم العانية، والتي تبدأها بعض القبائل بإنشاد شعر الشيلات (شعر شعبي مغنى)، بعد أن يصطفوا في صفوف يتقدمهم كبير القبيلة ووجهاؤها، شقت مجموعة من الأصدقاء صمت قاعة الزواج بتلك الشيلات حتى وصلوا إلى صديقهم وسلموه العانية في مشهد وثقته كاميرات أجهزة الجوال. وفي موقف لا يقل طرافة، استقبلت قبيلة وفد قبيلة أخرى خارج قاعة الزواج، وبعدما عرفوا بأنفسهم وأنهم حضروا بغية تهنئة العريس وتقديم العانية له، رد أفراد قبيلة العريس بالترحيب وبأنهم حضروا إلى حفلة الزواج الخطأ، وما كان من أبناء القبيلة الثانية إلا أن أصروا على تقديم العانية على رغم أن العريس ليس هو المقصود، في مشهد قل أن يرى ويؤكد أصالة هذه العادة وتأثيرها في المجتمع. ومن المواقف أيضاً، وقوع مشاجرات في قاعة الاحتفال في أكثر من زواج، سببها الرئيس تقديم عانية لا تليق بالمتزوج وعائلته. ففي إحدى الزيجات، انقض عريس على أحد المدعوين باللكم والشتم بعدما اكتشف أن المظروف الذي سلمه الأخير إياه كإعانة تضمن مبلغاً لا يزيد على ٥٠ ريالاً (13 دولاراً)، الأمر الذي عده العريس إهانة لا تغتفر، خصوصاً أنه دفع له في زواجه قبل سنوات أكثر من ١٥٠٠ ريال (400 دولار)، وتحول الزواج إلى معركة بالأيدي، انتهت بمصالحة جماعية. حوادث مشابهة دفعت عائلات إلى تحديد قيمة العانية وعدم تقديم أقل من المبلغ المحدد. فإحدى القبائل رأت أن أدنى مبلغ يمكن دفعه هو ٥٠٠ ريال (133 دولاراً)، فيما رفعت قبيلة السقف قليلاً وحددته بمبلغ ١٥٠٠ ريال، ولا يستثنى من الدفع من هم خارج المنطقة أو يعملون في الخارج، ويسمح لهم بتحويل بنكي عنوانة «عانية فلان». يقول عبد العزيز ناصر عن العانية: «إنها واجب اجتماعي، ولكنها مرهقة مادياً. ففي العام الواحد يجب أن تكون لديك موازنة خاصة اسمها العانية، فلا تفرح إن دفع لك في زواجك مبلغ وقدره كذا، لأنك سترده وأكثر في مناسبات لاحقة». ويضيف: «شهدتُ شخصياً عانيات كثيرة، منها من أعفى الزوج من دفع إيجار منزل طوال سنة كاملة، فيما سددت مجموعة أخرى تكاليف صالة الأفراح التي أقيم فيها الزفاف، وآخرون دفعوا قيمة رحلة شهر العسل للعروسين، فضلاً عن صور أخرى يندرج بعضها ضمن لائحة البذخ المغلف بغلاف المساعدة».

مشاركة :