«اسم مؤقت»: ألغاز مصرية في قصة بوليسية

  • 9/12/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بحبكة بوليسية معقدة، وبمجموعة متشعبة من الألغاز، عُرِض في موسم الدراما الرمضانية مسلسل «اسم مؤقت» من بطولة يوسف الشريف، شيري عادل، رامز أمير، شيرين الطحّان وعمرو عابد، سيناريو محمد سليمان عبدالمالك، وإخراج أحمد جلال. في هذا العمل يقدم عبدالمالك عمله الدرامي الثاني بعد مسلسل «باب الخلق»، عدا عن تجربة فيلم «عزبة آدم»، ويبدع في ضبط حبكاته، عبر شبكة علاقات وألغاز صيغت في شكل مُحكم، بل ويضع يده على توليفة مميزة، تستطيع أن تخطف عين المشاهد، خصوصاً بعدما قام بغزل بعض القضايا التي شغلت الشارع المصري (انتخابات الرئاسة، الاختفاء الغامض للصحافي رضا هلال قبل عشر سنوات، مقتل الفنانتين ذكرى وسوزان تميم) في لُحمة الدراما، لذا كان بديهياً أن يستهل فريق العمل كل الحلقات بجملة تنويهية تقول إن أي تشابه بين أحداث المسلسل والواقع هي وليدة خيال المشاهد ويُسأل عنها أولئك الذين شوهوا الواقع. تبدأ الأحداث برجل الأعمال يوسف رمزي (يوسف الشريف) الذي يعود من بريطانيا ليدعم مرشح الرئاسة رأفت الراوي (زكي فطين) أمام منافسيه، مرشح التيارات الدينية مجدي عبدالعزيز (صبري عبدالمنعم) ومرشح النظام السابق اللواء حافظ مشهور (سامي المغاوري). يتعرض يوسف لحادث سطو على سيارته، ويتلقى ضربة على رأسه ليفقد الذاكرة على إثرها، ثم ينخرط في رحلة البحث عن نفسه وحياته المفقودة، لتتكشف الحقائق، ويتضح أنه كان قاتلاً محترفاً وأحد رجال التنظيمات الدولية التي تتحكم في مصائر الناس والشعوب من طريق حركة رأس المال وشبكة فساد واسعة، فيجد في رصيده أسماء عدة مزورة، مثل مراد الشيشي وأحمد غريب وممدوح داغر، تقمصها أثناء مهماته السابقة قبل أن يفقد الذاكرة، ليتحول كل اسم حمله هذا الشخص وعرفه عن نفسه إلى مجرد اسم موقت، وهوية محددة بوقت. أما المهمة الجديدة فهي إحداث فوضى في المشهد السياسي وإيقاع مرشحي الرئاسة الأبرز في صدامات وصراعات. لا مجال هنا لسرد مختصر للقصة، بخاصة أن كاتب السيناريو نجح وفريق العمل في ضخ كمية كبيرة من الألغاز والنقلات الدرامية. ولكن في المقابل، سيجد المشاهد نفسه مضطراً لابتلاع بعض علامات الاستفهام، أو ما يجوز تسميته بثغرات في الحبكة، في الحلقات الأولى برضاه، عملاً بالحكمة التي تقوم عليها الأعمال القصصية (دعني أخدعك... دعني أنخدع). تساؤلات من نوعية لماذا كشف رفيق (أيمن القيسوني) عن اسمه للدكتور أيمن صديق (رامز أمير)؟ وكيف كان رجال فارس عسكر (محمد مرزبان) بتلك السذاجة ولم يفتشوا مرافقي يوسف رمزي عندما حبسوهم في مزرعة آل عسكر؟ وغيرها من التساؤلات التي تبقى عالقة، وسرعان ما تذوب في تعاقب الألغاز والدراما البوليسية وجرائم القتل المتعاقبة. الخيال الجامح، هو العمود الفقري لـ «اسم مؤقت»، فكمية جرائم القتل المعروضة تبدو كبيرة، وإن كانت مقبولة في سياقها الدرامي، ومعايشة الكواليس التي تُدار عبرها البلد، بل وربما العالم برمته، تُحدث نوعاً من الصدمة عند المتلقي: رؤوس أموال عملاقة وشخصيات غامضة وعملاء مزدوجون، كل هذا جرى تضفيره بوقائع حقيقية. هذه التوليفة منحت المسلسل إيقاعاً لاهثاً، فلا يمر مشهد واحد من دون إضافة علامات استفهام جديدة، وإماطة اللثام عن مجموعة تساؤلات أخرى، ما يثري العمل. كذلك، منحت الوقائع المصرية التي جُدلت في أحداث العمل، طعماً مصرياً للحكاية المعروضة، ولن يجد المشاهد نفسه أمام شاب وسيم يحمل حقيبة ظهر ويطوف المدينة لحل الألغاز أو للوصول إلى عقار يوقف تحول زوجته إلى «زومبي» مثلاً، على طريقة ألعاب الفيديو غيم الأميركية، إنما هناك حكايات تضاهي الواقع المصري، وتمنح العمل نكهة محلية حرّيفة ومحببة. يرفع الممثلون قيمة العمل بأداء مقنع، لا تشوبه المبالغات وليس باهتاً في المقابل، وعلى رغم ندرة الأسماء الرنانة في فريق العمل، إلا أن المواهب اليافعة وخبرات المخضرمين تنوب عن ذلك، فشيري عادل تواصل مراكمة رصيد لنفسها بأداء راق ولا تكتفي بكونها أحد أجمل الوجوه في السينما المصرية، ورامز أمير كذلك يقدم بإجادة دور الضحية المتورطة مصادفة في الصراع، أيضاً المغني الأسمر أمير صلاح من فريق «بلاك تيما» يكشف قدرات تمثيلية جيدة ومستعدة للتطور، حتى أيمن القيسوني الذي بدأ مسيرته كفتى إعلانات نراه يؤدي بثبات وثقة. والحقيقة أن الأداء التمثيلي لم يترهل كذلك، على مستوى الممثلين الأكبر سناً، ولا حتى على مستوى الكومبارس، الأمر الذي يحسب لمصلحة المخرج أحمد جلال. النقطة الأخيرة التي تجدر الإشارة إليها، هي تعثر الحوار على مرات متباعدة ومعدودة في الخطابية، بجمل وصفية غير ملتحمة بالدراما ولا مصاغة على هيئة مشاهد وأحداث، مثل ذلك كلام أيمن عن الطبقة المتوسطة الآخذة في التهاوي، والتي تحلم بالسفر إلى بلدن الخليج، في حين كانت الأحداث بعيدة تماماً عن تناول مثل هذا الهم المجتمعي. أياً يكن الأمر، يجيد فريق العمل اختيار موضوعه، فالتابو السياسي حاضر في موضوع الانتخابات، وهو ورقة رابحة في ظروف مثل التي تمر بها مصر، يغازل الجماهير ويعدهم بإجابات عن التساؤلات المتداولة بينهم والتي تتضخم حتى تغدو بالونات أسطورية... كل هذا مغزول في حبكة بوليسية عصرية وشيقة قوامها ووقودها الخيال الجامح.    

مشاركة :