بدايةً عزيزي القارئ أقطع على نفسي عهداً وأعدك أن هذا سيكون آخر مقال عن الحمار– على الأقل في الفترة الحالية- فبعد المقال الأول في هذه السلسلة "اسأل الحمار يا ابني؟" ثار المدافعون عن حقوق الحمير فما كان منا إلا التوضيح في المقالة السابق "بحبك يا حمار"، والتي أثارت بدورها موجة أكبر من ردود الفعل، فوجدت الرسائل تنهال عليّ من قبيل "إيش فيك، عسى ما شر، ليش دكتور، شالميانه، إنت والحمار؟"، وغيرها العديد من الرسائل التي لا يتسع المقال لذكرها ولا يتناسب المقام مع عرضها حفظكم الله. غير أن الملحوظة الأساسية التي توقفت عندها، أن الكثير من الرسائل– إن لم يكن معظمها- كانت ردة فعل ورسائل مبنية على قراءة عنوان المقال "بحبك يا حمار" فقط، ومن الواضح جداً أن الكثيرين لم يلتفتوا إلى نص المقال وما فيه من قصة أو عبرة أو عرض لسبب تسمية المقال بهذا الاسم، أو أن ثقافتنا قشور العناوين دون فتح الروابط، وهنا الطامة الكبرى، فالجميع يتجاوب ويرد ويتفاعل مع عنوان المقال، ولا يدري ما في داخله من كلمات، وكأن عصر السرعة جلعنا ننظر إلى عناوين وهوامش النصوص التي تأتينا فقط، ولا نفكر في المحتوى، وربما تحتاج هذه الظاهرة إلى دراسة وتحليل عميق، لأننا مع الهواتف الذكية والمحمولة نتعامل كل يوم مع مئات وأحيانا آلاف الرسائل والمحتويات والمعلومات، ومع ذلك لا تزيد معرفتنا ولا تزيد ثقافتنا، بل نزيد جهلاً وتأخراً وبلادة، فهل يرجع السبب الى أننا نتعامل مع هوامش النص، أم نتعامل بشكل سطحي مع المحتوى الذي يرد إلينا، أم أننا- والعياذ بالله- أصبحنا كالحمير تحمل أسفارا، ولا تدري قيمة هذه الأسفار، ولا تعلم منها شيئا، فالمحمول قيم والحامل "حمار". وبقليل من التركيز أخي القارئ سيصلك القلق الذي وصل إليّ من ردود الفعل حول هذا المقال، وستبدأ بالتفكير حول كم الرسائل التي تأتيك يومياً ولا تنظر الى محتواها، وتقوم فقط بتصنيفها كرسائل دينية أو رسائل ترفيهية أو رسائل مجاملات أو غير ذلك؛ بل إننا أحيانا نقوم بإعادة إرسال رسائل لا ندري محتواها، وقد نكون قد علمنا فقط من عنوانها وشكلها أنها دينية أو رسائل تهنئة أو رسائل الصباح والمساء– وآه منها رسائل التصبيح والتمسية– وما تفعله من إزعاج للناس، خصوصا التي يتم إرسالها عبر التطبيقات الإلكترونية والاشتراكات التي يقوم بها البعض لإرسال الرسائل بشكل يومي، دون أي جهد منهم، وهم لا يدرون ما يسببونه من إزعاج للناس في الصباح والمساء، وهم متكئون على وسائدهم أو نائمون في غرفهم، (يا أخي أذيتونا برسائلكم الإلكترونية الباردة التي لا روح فيها)، لأنها تصدر من جهاز لوحي، ونحن كرهنا الألواح عديمة الروح والحس، وانتبهوا جيداً لأن هذه التطبيقات تسمح بجعل أجهزتكم معرضة للاختراق والتجسس. أما رسالتي للسادة كبار السن (المتقاعدين)، فيا حجي أنت لست مركزاً لنقل الأخبار، فكلما وصلك خبر– حتى لو كان قديماً- وأنت لا تدري، تقوم بنشره وتوزيعه على قائمة الأسماء على هاتفك، فتقودنا إما إلى الجنون أو العيش في ذكريات ما قبل التاريخ، رجاءً انتبهوا فليس كل ما يصلكم قابلاً لإعادة النشر والتوزيع، انتبهوا يا سادة حتى لا تنتحر منا الهواتف النقالة. أما الشباب الذين يعرفون أنفسهم فأقول لهم (عيب... وكفى... وخلك مع آخر حمار!) أرجوحة أخيرة: لا ترد على اللي ما فهمته ولا ترسل اللي ما قريته كشفت جهلك وما سترته وحملت علماً ما وعيته
مشاركة :