محمد بن سعيد الهلي: زايد كان يدعم أي فكرة تصب في خدمـة المجتمع

  • 4/6/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قال الشاعر والخبير التراثي محمد بن سعيد الهلي، إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان موسوعة في المعرفة والثقافة، كما كان إنساناً كريماً، محباً لكل من حوله، يتعامل معهم كأنهم أبناؤه. وقد رأيت فيه دائماً نموذجاً للإنسان الذي لا يتوقف عطاؤه عند حد، فقد شكل عمل الخير جزءاً أساسياً من مكونات شخصيته الفريدة. ومع إيمانه بأهمية التطور وسعيه لبناء دولة عصرية، كان يضع التراث على قائمة أولوياته واهتمامه، وكان ينظر إليه نظرة واعية باعتباره جزءاً من حياة الإنسان، لافتا إلى أن زايد، رحمه الله، كان يرحب بكل فكرة جديدة ومفيدة تصب في مصلحة الوطن وتهدف للحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وهو ما حدث معه عندما دعم فكرة إنشاء جمعية للتراث الشعبي في الإمارات وغيرها من الأفكار المفيدة. شخصية فريدة قال محمد بن سعيد الهلي، إن المغفور له الشيخ زايد كان يعتز بالتراث وبالقيم البدوية وتقاليد المجتمع، وكان نموذجاً للإنسان البدوي الذي يجمع بين البساطة والشجاعة والكرم والإيثار والتواضع. وهناك العديد من المواقف التي تعبر عن هذه الصفات مثل موقفه خلال حرب أكتوبر 1973 عندما أمر بقطع البترول عن الدول الداعمة لإسرائيل، وقال: «ليس البترول العربي بأغلى من الدم العربي»، رغم أن الدولة في ذلك الوقت كانت وليدة ولم تصل بعد إلى ما تشهده حالياً من قوة وتقدم. وأشار إلى أن صفات الشيخ زايد، رحمه الله، تتجسد في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يبذل ما في وسعه لإسعاد الجميع، لافتاً إلى أنه طلب من سموه، في لقاء بديوانه، أن يترفق بنفسه من كثرة العمل، فأجابه بأن الله لا يوفق من لا يخلص في عمله. حب وتكريم قال محمد بن سعيد الهلي، إن حب زايد لم يقتصر على أبناء الإمارات؛ فقد تم تنظيم احتفالات كبيرة باليوبيل الفضي لقيام الاتحاد، تضمنت العديد من الفعاليات التراثية والوطنية، من بينها رفع أطول علم في ذلك الوقت وكان طوله 1200 متر، وعندما طلب منه استلام العلم من الديوان، كان من الصعب حمله، فدعا الجمهور للمشاركة في حمل العلم، وسارع أبناء الوطن وتوافد معهم جموع من المقيمين من مختلف الجنسيات يطلبون المشاركة في حمل العلم تكريماً وحباً لدولة الإمارات ومؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وأكد الهلي، الذي جمعته بالمغفور له الشيخ زايد، العديد من المواقف والفعاليات المرتبطة بالتراث والشعر، لـ«الإمارات اليوم»، أنه وجد، من خلال اهتمامه بالبحث في مجال تراث الشعوب، أن مجتمع الإمارات لديه كنز من القيم والعادات والتقاليد والموروث الشعبي، وإذا لم ينقل هذا الكنز إلى الأجيال المقبلة فسيندثر، كما حدث في كثير من بلدان العالم، خصوصاً أن دولة الإمارات تضم مقيمين من جنسيات عديدة، لكل منهم عاداته وتقاليده الخاصة به. وأضاف أنه فكر في عام 1978 في تأسيس جمعية على مستوى الدولة للحفاظ على تراث الإمارات، ووجدت الفكرة ترحيباً في ذلك الوقت من أصحاب السمو الشيوخ في دبي، لافتاً إلى أنه ذهب بصحبة مستشار رئيس الدولة، أحمد خليفة السويدي، لمقابلة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وعندما تحدث إليه سأله زايد: كيف تتعامل مع التراث؟ فأجابه: «نأخذ من الماضي أفضله ومن الحاضر أفضله لنحافظ على هويتنا، ونؤمن بأن التراث كائن حي وليس جماداً»، فأمسك الشيخ زايد يد ضيفه ورفعها أمام الناس قائلاً: «هذا أملنا في المجتمع، وواجبنا أن نقف معه وندعمه». وذكر الهلي أن الشيخ زايد طلب منه أن يطلعه على برنامج عمل الجمعية قبل أن يقول له: «الثقيلة عليّ والخفيفة عليك، وسأرسل لك واحداً من أبنائي لمساعدتك في إدارة الجمعية». مراكز للفتيات ويتذكر الهلي، الذي يعد أول من نظم القرى والمعارض التراثية وأول من مثل تراث الإمارات خارج الدولة، لقاء آخر جمعه بالشيخ زايد بعد تأسيس جمعية إحياء التراث الشعبي بدولة الإمارات؛ عرض خلاله الهلي فكرة توسيع نشاط الجمعية ليشمل مراكز للنساء باعتبار المرأة تمثل أكثر من نصف المجتمع، وهي المسؤولة عن تربية الأجيال ونقل التراث إليهم وتنشئتهم عليه وعلى احترامه وتقديره، فرحب زايد بالفكرة وطلب منه التواصل مع جمعية نهضة المرأة الظبيانية وتوضيح الفكرة لمديرتها شمسة هزيم، والأماكن المقترح افتتاح المراكز فيها لتطلع بدورها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك على الفكرة على أن يتم تنفيذها بالتعاون مع الجمعية، وبالفعل تم الترحيب بالفكرة وافتتاح مراكز عدة في مختلف مناطق الدولة من الغويفات إلى الفجيرة. وتابع أن هذه المراكز ركزت على تقديم أنشطة مرتبطة بالتراث والتربية والتعليم، ووفرت المنطقة التعليمية مدرسات تولّين الإشراف عليها، وبعد ذلك تم افتتاح فصول لتعليم الكبار ومحو الأمية بها. وأضاف الهلي: «مع الوقت، اتسع نشاط الجمعية وتشعب، وفي عام 1990 زارني صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في منزلي، وأخبرني بأن الشيخ زايد أرسله للمساعدة في إدارة الجمعية كما سبق ووعدني، فقلت له سموك الرئيس وأنا النائب، وقام الشيخ محمد بتشكيل مجلس إدارة الجمعية، وشهد ذلك العام أول مشاركة لنا في احتفالات اليوم الوطني للدولة، وكان بمثابة مهرجان مكتمل تم فيه تمثيل مجتمع الإمارات ببيئاته المختلفة البحرية والصحراوية والجبلية والزراعية، حصلنا فيه على المركز الأول بين كل الجهات المشاركة في الاحتفالات. بعد ذلك بدأت مشاركاتنا خارج الدولة، والتي استمرت على مدى سنوات قمنا خلالها بتمثيل دولة الإمارات في العديد من الفعاليات والمهرجانات، وكانت البداية في مهرجان تراثي أقيم في بولونيا بإيطاليا بالتزامن مع كأس العالم لكرة القدم، بمشاركة 45 دولة من مختلف أنحاء العالم، واستطعنا أن نفوز بالمركز الأول فيه، كما أعلن ثلاثة أشخاص إسلامهم بعد أن شاهدونا نصلي وسألونا عن طبيعة الدين الإسلامي»، مشيراً إلى أنه في العام التالي أي 1992 قدمت إذاعة «بي بي سي» برنامج «من درر الشعراء» الذي قام بإعداده، وضم 13 حلقة تحدثت عن أبرز شعراء الإمارات وما قدموه من قصائد، وفي نهاية العام شاركت الإمارات في مهرجان تراثي بالمغرب وحصلت على المركز الأول على 38 دولة. في مدح زايد وأضاف الهلي: «في عام 1995 قمنا بمشاركة أخرى في مهرجان بالمغرب، وزار المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، جناح الدولة في المهرجان ودعا المشاركين في الوفد لتناول العشاء معه. وخلال زيارته ألقيت على مسامعه قصيدة كتبتها تعبيراً عن اعتزازي واعتزاز كل إماراتي به كقائد وأب وقلت في مطلعها: يا أملنا وسندنا والظهر..             يا من صاحب القلب الجسور وكنت كلما ألقيت بيتاً من أبيات القصيدة، استوقفني الشيخ زايد وبدأ في شرح معانيه للحضور من الجنسيات المختلفة. كما كتبت قصيدة أخرى في مدحه، رحمه الله، قلت فيها: يا شيخ منضوم القوافي تغناكْ               الشعر يلقى مزمله في كنوفكْ أمدحك بما يملي القلب جدواك               مدح الصدوق اللي يعرف معروفك زولك بعيني يجبرنّه مزاياك                لو غاب شخصك عن عيوني أشوفك وعندما سمعها الشيخ زايد أعجب بها. دعم موقف آخر يتذكره محمد بن سعيد الهلي، الذي قدم العديد من الأفكار والمبادرات المجتمعية والتراثية، ويعبر عن مدى حرص الشيخ زايد على دعم الأفكار الجديدة والمفيدة للمجتمع، قال: «كنت في جمع بصحبة المغفور له الشيخ زايد في منطقة الخزنة، وعرضت عليه فكرة تنموية. قلت: أفكر في جمعية تعاونية متعددة الأغراض على مستوى الدولة، تكون لها إدارة مركزية تتفرع منها إدارات منفصلة في كل إمارة، فدق صدري بأربع أصابع، وقال: رأسمالها عليّ؛ إذا ربحتوا رجعولي بيزاتي وشكراً لكم، وإذا لا فدى راسكم، وهو أمر ليس بغريب على زايد الذي كان يتعامل مع أبناء الشعب جميعاً باعتبارهم أبناء له».

مشاركة :