شدد مشاركون في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر دولي تناول موضوع «ما بعد داعش: التحديات المستقبلية في مواجهة التطرف والتطرف العنيف»، أمس، بمراكش، على أن القضاء على تنظيم داعش بسوريا والعراق ليس انتصاراً نهائياً عليه، وإنما هو ولادة جديدة له بمناطق أخرى من العالم، وخصوصاً بليبيا ومنطقة الساحل والصحراء الكبرى وغرب أفريقيا والقرن الأفريقي وحتى وسط آسيا فوق التراب الأفغاني من خلال إنشاء قواعد خلفية جديدة ستكون مركزاً لتوجيه ضربات في مختلف بقاع العالم، خصوصاً بأوروبا والولايات المتحدة، اعتماد على الأساليب الإرهابية المستجدة المعروفة بـ«الذئاب المنفردة». وأوضح حبوب الشرقاوي، رئيس فرقة مكافحة الإرهاب بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب، في محاضرة افتتاحية استعرضت «المقاربة الأمنية للمملكة المغربية المعتمدة في مواجهة تحديات التطرف العنيف»، أن أغلب التحليلات والدراسات التي تواكب العمليات الإرهابية التي تنفذ عبر مجموعة من دول العالم، تجمع على أن المتطرفين التابعين لتنظيم داعش طوروا من أساليبهم القتالية، التي أصبحت تتجه بنسبة كبيرة إلى اعتماد أسلوب «الذئاب المنفردة»، كما هو الشأن في العمليات الإرهابية التي عرفتها كل من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وغيرها من الدول، وهو أسلوب خرج إلى الوجود نتيجة نجاح الأجهزة الأمنية في تضييق الخناق على العناصر المتطرفة التي لم تجد بداً من اللجوء إليه لما يتميز به من سرية وصعوبة في الرصد من طرف الأجهزة الأمنية، وهو سيكون، من دون شك، الأسلوب الذي سيعتمده، لا محالة، معظم المقاتلين العائدين إلى بلدانهم الأصلية عقب سقوط التنظيم من أجل اقتراف جرائمهم الإرهابية، مما يؤكد أن درجة الخطر ماضية في الارتفاع إلى أعلى مستوياتها. وقال الشرقاوي إن مختلف المعطيات الواردة من المنطقة السورية - العراقية تشير، بشكل لا يترك مجالاً للشك، إلى «اقتراب نهاية نشاط التنظيم الإرهابي المسمى (داعش)، وذلك نتيجة تشديد الخناق عليه من مختلف الجبهات من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، من جهة، وكذا من طرف روسيا التي تدعم مع بعض الدول النظام السوري من أجل القضاء على (داعش) وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى، حيث أصبح وجود (داعش) مجرد مسألة وقت لا غير».واعتبر الشرقاوي أن امتداد هذا التنظيم الإرهابي، الذي لم يقتصر على الساحة العراقية - السورية، وإنما تجاوزها، ليشمل المنطقة المغاربية والساحل والصحراء الكبرى وغرب أفريقيا من خلال بروز تنظيمات وجماعات إرهابية موالية له، يؤكد أن هذا «الظاهرة الإرهابية عموماً أصبحت غير قابلة للتجزئة، وغير مقتصرة على منطقة جغرافية معينة، وإنما أضحت عابرة للحدود وتهدد العالم برمته، وهذا مكمن الخطر، إذ لو تم القضاء على (داعش)، فالتحدي المقبل هو محاربة آيديولوجيته حتى تندثر، وذلك عن طريق الفكر، لأن الفكر يواجه بالفكر».ولاحظ الشرقاوي أنه في مقابل اقتراب انتهاء فترة عيش تنظيم داعش بالمنطقة السورية - العراقية، فإنها، على العكس من ذلك، «تزداد قوة وتمدداً على مستوى منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء الكبرى»، مع تشديده على أن ذلك هو «أهم التحديات الأمنية التي ستواجه دول المنطقة، إن لم نقل إننا في طور مواجهتها الآن، خصوصاً أن غالبية دول المنطقة المعنية بذلك تعرف اضطرابات وظروفاً سياسية واقتصادية غير مستقرة تساهم في تعبيد الطريق أمام هاته الشبكات الإرهابية والمساعدة في انتشار الظاهرة الإرهابية، خصوصاً أتباع هذا التنظيم الإرهابي، أخذاً بعين الاعتبار التفكك الحاصل في مقومات بعض هذه الدول على مستوى مؤسساتها المحورية، خصوصاً السياسية والأمنية والعسكرية، مما سيمنح، من دون شك، تفوقاً عسكرياً خطيراً لصالح الشبكات الإرهابية، سواء بليبيا أو مالي أو دول غرب أفريقيا التي تعاني الأمرين من الضربات الإرهابية للتنظيم المسمى (بوكو حرام) الذي يعتبر منذ 2015 فرعاً من فروع تنظيم داعش».من جهته، تحدث محمد العاني، المدير العام لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود» للدراسات والأبحاث، في جلسة الافتتاح، عن عدم وضوح في قراءة أسباب وأهداف ظاهرة الإرهاب، سواء تعلق الأمر بالحواضن الآيديولوجية والثقافية الحاملة للتطرف من جهة المسلمين، أو الفعل ورد الفعل في السياق الغربي.وشدد العاني لـ«الشرق الأوسط»، على أن «داعش» قد يكون انتهى كـ«دولة»، غير أنه ما زال ينتشر كفكر، وقادر على التكيف والتحول، معتبراً أن التنظيم لم يكن له أساس واقعي، ولكن الفكرة كانت في إرهاب الناس بشكل يفقد الثقة بين الشعوب والمجتمعات.فيما شدد محمد بنصالح، مدير «معهد غرناطة» للبحوث والدراسات العليا بإسبانيا، على أن شباب المنطقة العربية يعاني من «مرحلة التيه»، ولذلك يبحث عن «اليقين» الذي تقدمه «السلفيات المعاصرة وتيارات أخرى»، مع تشديده على أن هذا الوضع لا يهم المنطقة العربية، فقط، بل تعيشه حتى أوروبا. وتوقف بنصالح عند إشكالية نعاينها في التعامل مع ظاهرة التشدد، و«تتمثل في عدم اعتماد صانع القرار السياسي على الباحث الأكاديمي».ويركز مؤتمر «ما بعد داعش: التحديات المستقبلية في مواجهة التطرف والتطرف العنيف»، الذي تنظمه مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» للدراسات والأبحاث، بتعاون مع «معهد غرناطة» للبحوث والدراسات العليا، بمشاركة خبراء وباحثين مختصين من العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة، على «التفكير الجماعي والنوعي والاشتغال البحثي على قراءة ظاهرة التطرف، في مرحلة ما بعد الاندحار الميداني لتنظيم داعش، الذي لم يرافقه لحدّ الساعة اندحار آيديولوجي في أذهان أتباعه، ناهيك من خطورة تفرّعاته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية».ويتضمن برنامج المؤتمر، الذي يختتم اليوم السبت، سبع جلسات، تتناول، فضلاً عن جلسة الافتتاح، «المُحدّدات المؤثرة في اعتناق آيديولوجيا التطرف، و«ما بعد داعش: الإرهاب في أفريقيا وأثره على الأمن العالمي»، و«التنظيمات الإرهابية في مرحلة ما بعد داعش: استراتيجيات الانتشار ومآلات التحولات»، و«ما بعد داعش: التهديدات الإرهابية لأوروبا والعالم العربي»، و«السجون بين انتشار الآيديولوجيا (الجهادية) ومراجعات الجماعات التكفيرية»، و«مستقبل الظاهرة (الجهادية) في مرحلة ما بعد (داعش)».
مشاركة :