"من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، إذ تطغى الأوليغاركية (أو سيطرة الأقلية من التجار وأصحاب العمل) على القطاع الخاص في شتى دول مجلس التعاون، ويتضح ذلك جلياً في وجود ما يسمى بوكالات إنتاج واستيراد بعض السلع، التي عادة ما تسيطر عليها فئة من العائلات التجارية أو من المقربين من السلطة"، الفقرة السابقة مقتبسة من كتاب الثابت والمتحول 2017، الخليج والإصلاح الاقتصادي في زمن الأزمة النفطية، وهو أروع بحث للواقع الريعي المريض في دول الخليج، ساهم فيه باحثون جديون من دول المنطقة، أمثال جاسم السعدون وعلي الكواري وغيرهما. لكن ما الحل إذا كان القطاع العام متخماً بجيوش الموظفين، هم بطالة مقنعة يتسلمون الأجور وفق قاعدة الانتماء للجنسية الوطنية لا كمقابل للعمل، وعلى الضفة الأخرى هناك القطاع الخاص الذي يتم تصويره على أنه مصباح علاء الدين السحري لإنقاذ الاقتصاد، وهو في الواقع محتكر من قبل القلة من العائلات في المنطقة، والتي تُؤثِر اليد العاملة الأجنبية كقوة عمل حقيقية منتجة تملك مهارات مهنية غير متوفرة عند العمالة الوطنية! أيضاً هناك تساؤل مشروع عن طبيعة هذا القطاع الخاص الذي ليس هو قطاعاً صناعياً منتجاً، بل هو في أغلبه مجرد وكالات تجارية لشركات أجنبية كبرى، مهمة التاجر الوكيل فيه تسهيل عمله حسب مدونة قانون التجارة والشركات التجارية للدولة، وحسب قواعد "دهان السير" تماشياً مع الأعراف المهيمنة في الدولة. كيف يمكن حل هذه المعادلة الصعبة، قطاع عام غير منتج ويغلب عليه الفساد، وقطاع خاص تابع للأول بفساده وعلله، لا يمكنه استيعاب الشباب القادمين لسوق العمل في مثل الظروف الحالية. تقدم الدراسة السابقة (الثابت والمتحول) بعض التصورات لحل المعضلة، مثل "رفع المستوى التعليمي وتنويع مؤهلات المواطنين..."، وتضرب الدراسة بمثل تعليم ركوب الدراجة الهوائية، فهذه لا يمكن تعلمها بالكتب والدراسات النظرية، وإنما بالتجربة عبر الممارسة العملية، وتقترح الدراسة أيضاً "رفع تكلفة الأيدي العاملة الأجنبية عن طريق فرض الرسوم، وإلغاء نظام الكفالة المتبع حالياً، والسماح للعامل الأجنبي باختيار عمله..." ومن اقتراحات الدراسة كذلك "... التخلص من مواصفات الأوليغاركية في السوق، وتشابك المال والسلطة، عن طريق فتح باب المنافسة على تقديم السلع والخدمات أمام الجميع..."؛ كذلك تقترح الدراسة "... النظر في استخدام الضرائب (مثلاً على أرباح الشركات) مع سياسة التوطين وغيرها، لتحفيز وتغيير هيكلة بعض مؤسسات القطاع الخاص، فمعظم دول العالم تعتمد على الضرائب، منخفضة أو عالية، لإصلاح اختلالات الأسواق الاقتصادية وسوق العمل". كلها اقتراحات وتصورات معقولة ورائعة، ينقصها فقط لكي توضع على المحك العملي، إرادة سياسية واعية وحازمة لدى السلطة، وتكون هذه مستعدة لتحمل تكلفتها السياسية في دول العائلة والعشيرة التي رفعت وكرست شعار "من صادها عشى عياله". أولى الخطوات هي القضاء على الفساد، وهذا لا يكون من دون إصلاح سياسي يسبق أو يتعاصر مع الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، في حالتنا، حتى الآن، لم يحدث شيء غير إطلاق التصريحات والوعود بمحاربة الفساد وتحقيق الإصلاح دون نتائج حقيقية، فالجماعة هم الجماعة وهذا سيفوه وهذه خلاجينه، هو يملك "الرولز رايز" ويمد قدمه مستريحاً خلف السائق، فكيف له أن يتعلم ويعلم ركوب الدراجة...!
مشاركة :