في بيتنا مراهق...

  • 4/8/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من خلال عملي في مجال الاستشارات الأسرية، كانت تتردد عليّ إحدى الأمهات والتي تنشد المساعدة في ما يخص أولادها، خصوصاً ابنها الذي هو في سن المراهقة. كانت تلك السيدة حريصة جداً على أبنائها وتربيتهم أفضل تربية. فهي ما تفتأ توجه إليهم النصائح والإرشادات بشكل متواصل. ولربما وصل ذلك إلى استخدام نبرات الصوت المرتفعة والصراخ. وبالمقابل لم تكن ترى منهم سوى اللامبالاة والانصراف عن توجيهاتها، ونتيجة لذلك أصابتها حالة من الانهيار النفسي أدى معها إلى حالة اختفاء للصوت موقتة ألزمها الفراش فاستسلمت لليأس والاكتئاب، مما اضطرها للتفاهم مع أولادها باســتخدام لغة الإشارة تارة والكتابة تارة أخرى. ولكن ما فــاجــأهــا وأصابها بالصدمة أن ابنها المراهق أقبل عليــها ليقــول: «أحبك كثيراً يا أمي حين لا تصرخين في وجهي». عندها أدركت الأم أن الحرص على تربية الأبناء وخاصة في سن المراهقة لا يكون بالعويل والصراخ والتــضييق عليهم، بل سيؤدي ذلك إلى نتائج عكسية، وبدأت تغير من طريقة تعاملها مع أبنائها.إن التعامل مع الأبناء وخاصة المراهقين منهم تحتاج منا إلى تفهم هذه المرحلة العمرية التي يمرون بها، نظراً لحساسيتها وخطورتها على تكوين وبناء شخصية المراهقين. حيث تبدأ هذه المرحلة من سن الطفولة المتأخرة وحتى بلوغ سن الرشد، فمن جهة نعاملهم كالأطفال ونحرمهم من مزايا الكبار وحقوقهم، ومن جهة ثانية نحاسبهم على أخطائهم بدعوى أنهم لم يعودوا أطفالاً، مما يزيد من إرباكهم وحيرتهم.إن مرحلة المراهقة ليست مجرد تغيرات جسمية فقط، إنها تغيرات شاملة عقلية وانفعالية واجتماعية يبحث فيها المراهق عن ذاته واستقلاليته، ورغم أن هذه الاستقلالية ستبقى منقوصة بسبب الاعتماد على الوالدين، إلى أنه من الواجب مراعاة حاجاته لينمو هذا المراهق نمواً سليماً، ومساعدته في الشعور بالرضا عن نفسه لما قد ينتابه من تغيرات تؤرقه و ينظر إليها كعيوب ترافق نموه، لذلك ومن هذا المنطلق نراه متقلبا في مزاجه وسلوكياته، فتارة يتصرف كالأطفال وتارة كالكبار، وتارة يغمره الشعور بالانطواء وأحياناً تنتابه الحماسة والتسرع واللامبالاة والضيق من تدخلات الكبار في حياته.لقد دلت الدراسات أن المراهقين الذين يشعرون بالرضا عن أنفسهم هم الأكثر تعايشاً وتوافقاً مع محيطهم ممن يفتقدون هذا الشعور.إن تعرف الوالدين على ما ينتاب المراهق من أحاسيس وشعور وصراعات والتي ترافق نموه وتطور شخصيته يساعدهما على الأخذ بيده لكي ما يصل إلى بر الأمان.ومن هذه الصراعات التي يعيشها المراهق الصراع بين الأحاسيس المتغيرة بالنقص والكمال والصراع الأخلاقي ما بين العيب والحرام وبين التحرر والانضباط وكذلك الصراع في الاستقلالية وحتمية الاعتماد على الأسرة، وكذلك الصراع بين الهواية والإعداد للحياة العملية والاحترافية لتأمين حياة لائقة مستقبلاً.وبنــاء عــلى ما سلف، كان من واجب الأســـرة ونخـــص هنا الأبوين أن يراعــوا الصعــوبات والصراعاتالــتي يعاني منــها أبناؤهم المراهــقون وأن يقوموا بمساعدتهم وتـــوفير بيئة مريحة ومطمئنة قدر الإمكان لهــم، وأن يعمدوا لبعض الإجــراءات والتي ســنذكر بعضا منها: أولاً: خلق مناخ وبيئة مريحة تجنبه المتاعب النفسية والقلق.ثانياً: التواصل مع المراهق ومعرفة مشاعره وعدم ازدراءها، والمساعدة في حل المشاكل التي يواجهها.ثالثاً: اعتماد المرونة في التعامل والحرص على التوجيه وليس العقاب.رابعاً: تكليفهم بالأعمال التي تتناسب مع إمكانياتهم لإشباع الرغبة في الاعتماد على النفس، شرط أن تتوافر لهذه الأعمال فرص النجاح تفادياً لتدني مفهوم الذات لديهم.خامساً: المساعدة في اكتشاف ميولهم الدراسية والمهنية لأن فيه تأمين لاستقرارهم النفسي والشعور بالرضا لديهم.سادساً: تدريبهم على ضبط انفعالاتهم وعدم الحكم على الأمور قبل إدراك الظروف المحيطة بها، وهنا يكون دور الأبوين كقدوة فلا يعقل أن نطلب منهم ضبط انفعالاتهم ونحن غير قادرين على ذلك.سابعاً: تعويدهم حسن النقد و النقد الإيجابي، بحيث يكون انتقادهم للأعمال والمواقف وليس للأشخاص. ثامناً: إعدادهم لما قد يصادفهم من زيف مدعي المثالية، وللأسف هم كثر، لأن ذلك سبب لهم صدمة ومزيداً من الإحباط.تاسعاً: وهذه يتشارك بها المعلمون مع الأبوين في عدم تكليفهم بأعمال يرونها طفولية، بل يجب أن تكون هذه الأعمال مناسبة لإمكانياتهم و تشبع رغباتهم.عاشراً: مساعدتهم في الانخراط بالعمل الجماعي التعاوني وتنمية مشاعر( النحن ) وليس ( الأنا ) لديهم. وقبل الأخير نقول تجنب استخدام العقوبات المهينة لما لها من تأثيرات سلبية على الأولاد وخاصة المراهقين منهم. وأخيراً عدم زج الأبناء في مشاكل الوالدين الخاصة بينهما، مما قد يؤدي إلى خلل واضطراب نفسي في تكوين شخصية المراهق.إن الحديث يطول والمراهقون ليسوا نسخة واحدة ومتطابقة، كذلك أولياء الأمور، لذا وجب أن تكون معاملة كل مراهق حسب شخصيته وظروفه، وعدم التسرع في الأحكام، والتحلي بالصبر وعدم استعجال النتائج فلابد في نهاية المطاف تؤتي هذه المساعي ثمارها لنفخر بأبنائنا ويفخروا بنا.* كاتبة ومستشارة جودة الحياةTwitter: t_almutairiInstagram: t_almutairiiEmail: talmutairi@hotmail.com

مشاركة :