استكمالًا للمقالات السابقة حول مهددات الأمن الوطني، ثمة موضوع يرقى الآن ليكون أحد مهددات الأمن الوطني. إنه (التعصب الرياضي) الذي تطور في السنتين الاخيرتين، وبلغ ذروته في الأسابيع الاخيرة. لعبة التعصب الرياضي يدخلها الآن لاعبون جدد، بالذات ممن هم محسوبون على الدعوة الإسلامية! اهتمام الناس بالاتصال الذي جرى بين إحدى الأمهات وبين محطة (UFM) لتشتكي وتحذر من خطورة (اللعبة التي تجري في الوسط الرياضي) على حد وصفها، حيث حوّل الرموز الإدارية والإعلامية هذا القطاع إلى مباريات إعلامية في الفضائيات وفي الصحف، وفي وسائط التواصل الاجتماعي سعيًا وراء الإثارة والتكسب الرخيص. هذه الأم كانت حاسمة في تحذيرها عندما دعت رواد الإثارة إلى التعقل والإحساس بالمسؤولية، ومثل كل الأمهات اللاتي يعشن همّ المباريات وما يترتب عليها من توتر وخصام، قالت لرواد الإثارة (لن أبرئ ذمتكم إذا أبنائي وصل الخصام بينهم إلى العنف الخطير)، بسبب الشحن الإعلامي المتواصل. هذه الأم قالت على الفضاء ما يود كثيرون قوله عما يحدث في الوسط الرياضي من مشاحنات وتعصّبات، ورفع رايات، واستمرارها سوف يضيفها إلى مهددات أمننا الوطني لأن ضحاياها المراهقين والشباب. المراهقون فكريًا في وسائل الإعلام يختطفون قطاع الرياضة، وتهوّرهم سوف يكرّس القيم السلبية غير الوطنية وغير الإنسانية في الرياضة، ويحوّلها من نشاطٍ حضاري وأداة للتربية وتعزيز السلوك الإيجابي إلى نشاط مدمّر للأخلاق والسلوك وباعث للعنف، ومهدِّد للنسيج الاجتماعي الوطني الذي نتعب جميعًا على تقويته والمحافظة عليه. من الأمور السلبية في الرياضة المحلية إضعاف (صورة الحكام). هذا الرمز للقانون والانضباط أصبح الطرف الأضعف في المعادلة، فلم يعُد له هيبة، وتكرّست الصورة السلبية للحكام السعوديين بعد إبعادهم عن تحكيم المباريات الكبرى رضوخًا لرغبة بعض قيادات الأندية الرياضية وبعض الجمهور والإعلاميين المتعصبين، فبعض الإداريين في الأندية وجدوا في الحكام الهدف الأسهل الجاهز لتبرير إخفاقاتهم في إدارة الأندية. ماذا يتكرّس في تصورات وفي ذهنية الشباب من صورة عن القانون/ النظام وهيبته واحترامه عندما يرون التعامل مع الحكام بهذه الطريقة، وحتى عندما يرون اللاعبين في المباريات لا يتورعون عن الإساءة للحكام. إذا أخطأ الحكم أو أساء التصرف لا يحاكمه الإعلام او الإداريون أو الجمهور. يجب أن يقال للشباب إن الذي يتعامل مع إخفاقاته هي مؤسسات اعتبارية قادرة على النظر للامور بحيادية. هكذا تتحوّل الرياضة إلى نشاط للتربية القانونية الحضارية. رموز الرياضة من المراهقين الجدد من حقهم السعي لبناء مجدهم في فضاء الإعلام، ولكن لا يحق لهم ترتيب (التمثيليات الإعلامية) المثيرة، فهذا خلل أخلاقي في الممارسة، وكارثة في حق بلادنا، فالرياضة مجال استقطاب خصب للشباب ومسار عملي يفترض أن يكون أداة لبناء المواطن الصالح. الأندية يجب إعدادها لتكون مؤسسات للتنشئة الاجتماعية الرشيدة. نحن مجتمع نامٍ، والشباب يشكّلون الأغلبية في الكتلة السكانية، وقاعدة الطلب التي يوجدها هذا الجيل الضخم توفر فرصة للاستثمار الوطني الذي يعظم القيمة المضافة للرياضة في الاقتصاد الوطني. علينا استثمار الرياضة لتكون آلية للبناء.. وليس تدميرها بالممارسات السلبية على الشباب وعلى أمن بلادنا.
مشاركة :