رانيا الغزاوي تغير أنماط الحياة وازدياد الضغوطات النفسية التي تواجه الإنسان، إضافة إلى انتشار الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة غير الصحية والتدخين، والعزوف عن ممارسة الرياضة، كلها عوامل أثرت بطريقة أو بأخرى في تراجع الصحة وإلحاق الأضرار بالقلب وانسداد الشرايين، ما ترتب عليه زيادة أعداد المصابين بالسكتة القلبية المفاجئة التي أصبحت تهاجم كل الأعمار بلا رحمة.المؤسسات الصحية المعنية تؤكد ضرورة تدريب أفراد المجتمع على الإنعاش القلبي الرئوي، عبر مراكز متخصصة ليسهل على كثيرين التعامل مع من يصابون بالإغماء؛ نتيجة التوقف المفاجئ للقلب، كدور مساند للأطباء، للمساهمة في إنقاذ أرواح كثيرين هم بحاجة لعدة ضغطات، فبضع دقائق هنا تفصل بين الحياة والموت.. دقائق حرجة يعيشها المصابون بالنوبات القلبية، حياتهم متوقفة على ضغطات صدرية يقوم بها المسعف لإنقاذ قلب مريض وإعادته للحياة. أكدت الدكتورة لطيفة الكتبي استشارية طب الأسرة، ومديرة شؤون الأكاديمية الطبية بالخدمات العلاجية الخارجية في أبوظبي، الدور التوعوي الذي تقدمه الخدمات العلاجية الخارجية، من خلال الحملات التي يطلقها مركز الإنعاش القلبي الرئوي التابع لها، ومنها الحملة الماضية للتدريب على الإنعاش، التي استهدفت أكثر من 8000 شخص من 88 جهة حكومية وخاصة في إمارة أبوظبي، مشيرة إلى أن التوقف المفاجئ للقلب قد تزايد في الآونة الأخيرة، وأن المراهقين والبالغين أصبحوا أكثر عرضة له، ما يعزز أهمية تدريب الأفراد على إسعاف الآخرين، حيث أظهرت الدراسات أن الإنسان الذي يعاني مشاكل صحية مزمنة، معرض لتوقف قلبه في الأماكن العامة والمنزل بنسبة 70%، لذلك فإن وجود شخص مدرب على كيفية إجراء الإنعاش القلبي في الأماكن العامة، قد يكون فارقاً بين الحياة والموت.أفضل برنامجوقالت الدكتورة مها الفهيم، مديرة إدارة التعليم والتدريب بمدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي: «إيماناً منا بضرورة الدور التوعوي للأفراد عبر المنشآت الصحية، تتضمن مدينة الشيخ خليفة الطبية، أفضل برنامج تدريبي للإنعاش القلبي في إمارة أبوظبي، والذي تنظمه إدارة التعليم والتدريب المستمر، حيث تم تكريمنا من جمعية القلب الأمريكية في مركز تدريب الإنعاش القلبي في العام الماضي، عن تدريب 4000 شخص من الأطباء والممرضين في مدينة الشيخ خليفة الطبية والعاملين في منشآت «صحة»، وتم تنظيم حملة توعوية في شهر مارس/آذار الماضي، في حديقة أم الإمارات، تم خلالها تدريب طلاب بعض المدارس الحكومية والخاصة على الإنعاش القلبي الرئوي، كما ينظم المركز ورش عمل دورية للزوار، تُقدم لهم شرحاً عملياً لطريقة إنعاش القلب. وتأتي هذه الحملات التوعوية إيماناً منا في مدينة الشيخ خليفة الطبية، بدور الإنعاش الذي ينقذ أرواحاً عديدة».الثلاثي القاتلوأكد الدكتور عمر الحريري استشاري ورئيس قسم أمراض القلب بمستشفى مدينة زايد بمنطقة الظفرة، أن النوبات والسكتات القلبية تأتي بشكل مفاجئ وتزداد نسبة المصابين بها على مستوى العالم، حيث أشارت إحدى الدراسات الحديثة التي أجريت مؤخراً إلى أن 250 ألف شخص يتوفون سنوياً في أمريكا، جراء توقف القلب المفاجئ. وأوضح أنه يتردد على عيادة أمراض القلب في المستشفى سنوياً، نحو 2500 مريض قلب بمعدل 208 حالات شهرياً، منهم 15 إلى 20 حالة مصابة بنوبات قلبية حادة، يستقبلهم قسم الطوارئ بمستشفى مدينة زايد، ويتم تحويلهم إلى مستشفى المفرق ومدينة الشيخ خليفة الطبية لاستكمال العلاج وعمل القسطرة، وتعود نوبات توقف القلب إلى العديد من الأسباب أهمها الثلاثي القاتل، المتمثل في التدخين في عمر مبكر، والأمراض الوراثية كالسكري، وارتفاع الضغط وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، مشيراً إلى أن المصابين بالأمراض المزمنة، هم أكثر عرضه لنوبات توقف القلب؛ لذلك تأتي ضرورة تناول الأدوية الخاصة بالسكري أو الضغط، والقيام ببعض الرياضات الخفيفة كالمشي لتنشيط عمل الدورة الدموية، التي تساهم في إنعاش القلب.ودعا إلى أهمية زيارة طبيب القلب كل 6 أشهر لمن يعانون الأمراض المزمنة، إضافة إلى الإقلاع عن التدخين، تفادياً لحدوث السكتات القلبية. إنذار أولي من جانبه أوضح الدكتور هاني صبور، استشاري أمراض القلب والأوعية الدموية بمستشفى كليفلاند كلينك في أبوظبي، أن أكثر أمراض القلب شيوعاً في دولة الإمارات، هو انسداد الشرايين وتصلب الشرايين التي تنتج عن زيادة معدل الكوليسترول في الدم، وارتفاع نسبة النيكوتين التي تُحدث في بعض الحالات توقفاً مفاجئاً للقلب، إضافة إلى العوامل الوراثية والتاريخ المرضي للعائلة وزواج الأقارب، الذي يجعل الشخص معرضاً لتكرار التوقف المفاجئ للقلب بنسبة 40%، بعد عام أو عامين من التوقف الأول، مشيراً إلى أن متوسط العمر للمرضى في دولة الإمارات يتراوح بين 30 إلى 40 عاماً ممن يواجهون التوقف المفاجئ للقلب، والأعداد في تزايد مستمر مع تسارع نمط الحياة، والافتقاد للحياة الصحية، مما يدعو للقلق. وأشار إلى ضرورة التنبه لأهم الأعراض التي تصيب الشخص قبل أن يتوقف قلبه، والتي تعد إنداراً أولياً، كالشعور بألم شديد في منطقة الصدر والتعرق وضيق التنفس والاختلاج، ويتوجب على من يتواجد برفقة المريض أن يستدعي الإسعاف على وجه السرعة، وفي حال تعرض المريض لحالة من فقدان الوعي المفاجئ، يتم التأكد من النبض ثم عمل التنفس الصناعي والبدء بالقيام بعدد من الضغطات المتتابعة باستخدام كلتا اليدين على منطقة الصدر، إلى أن يصل فريق الإنقاذ المختص، لافتاً إلى ضرورة تأهيل أفراد المجتمع ليتمكنوا من قيام بالإسعافات الأولية ومحاولة إعادة تشغيل قلب المريض مرة أخرى، حيث إن توقف القلب لمدة تزيد على ثلاثين دقيقة، يؤدي لموت خلايا الدماغ التي تتغذى على الأكسجين، الذي يحمله الدم ويُضخ عبر القلب إلى الدماغ وباقي أعضاء الجسم. وقد يصاب الإنسان بالتوقف المفاجئ في الأماكن العامة، لذلك تأتي أهمية توفير جهاز الإنعاش الرئوي في الأسواق التجارية والحدائق والأماكن التي تجمع أعداداً كبيرة من الأشخاص، إضافة إلى أهمية التدريب على القيام باستعمال هذه الأجهزة، وتوفير الدورات التدريبية اللازمة للإسعافات الأولية، للعاملين في المؤسسات المختلفة. المرتبة الثانية من جهته قال الدكتور أبوبكر إبراهيم استشاري أمراض القلب بمستشفى برجيل في أبوظبي، إن حجم المشكلة بات كبيراً، حيث تزداد نسبة المصابين بالسكتة القلبية سنوياً، لتحتل وفيات أمراض القلب المرتبة الثانية بعد وفيات السرطان في العالم، والسبب الرئيسي يعود لحدوث السكتات القلبية المفاجئة الناجمة عن الانسداد المفاجئ للشرايين التاجية؛ نتيجة ارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون في الدم والتدخين، موضحاً أن 50% من المرضى الذين يترددون على عيادة القلب، يعانون مشاكل صحية في الشرايين التاجية، التي تسهل عملية توقف القلب في أي لحظة، إضافة إلى بعض أمراض القلب التي قد تؤدي لتوقف القلب المفاجئ ومنها: اعتلال وضعف عضلة القلب، ووجود خلل في ضربات القلب كالتسارع أو التباطؤ، وضيق أو ارتجاع صمامات القلب، إضافة للعيوب الخلقية للقلب وتضخمه، كما أن إصابة المريض بأمراض أخرى كالضغط والسكري تجعله أكثر عرضة من غيره للإصابة بتوقف القلب والسكتة القلبية، حيث يكون الخطر مضاعفاً لأن عدم السيطرة على نسبة السكر في الدم، قد تحدث مضاعفات على القلب. أكثر عرضةولفت الدكتور محمد اندرون استشاري طب القلب التداخلي بمستشفى ميديكلينيك في أبوظبي، إلى أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بالسكتات القلبية من النساء، حيث تزيد نسبة المدخنين من الرجال على النساء في العالم، وتم استقبال 300 حالة خلال ثلاثة أشهر، لمصابين بالنوبات القلبية أغلبيتهم من الرجال، مشيراً إلى ضرورة الانتباه إلى الأعراض التي يمر بها المريض قبل أن يصاب بتوقف القلب المفاجئ أو السكتة القلبية، حتى يسهل تحديد الحالة وإمكانية التعامل معها حتى وصول فريق الإنقاذ. ومن هذه الأعراض: التعرق الشديد وآلام الصدر والاختلاج، وهو القيام بحركات تشنجية لاإرادية ثم صعوبة التنفس، ويليها اختلال التوازن وحدوث الإغماء والغياب عن الوعي.ضرورة التوعية والتقت «الخليج» عدداً من أفراد المجتمع الذين أكدوا ضرورة توعية المجتمع وتدريب أفراده على إسعاف الحالات التي تتعرض بشكل مفاجئ لنوبات توقف القلب، حيث طالب عبد المنعم الشحي، بتوسيع دائرة التوعية بشكل أكبر وعرض برامج تثقيفية وفيديوهات من قبل القائمين على المنشآت الصحية، تتضمن شرح طريقة إسعاف المرضى عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي. ويرى أنها الوسيلة الأنسب لإيصال المعلومات والتحذيرات الهامة، عبر منبر اجتماعي يتصفحه الملايين يومياً.من جانبه أكد يوسف الدرمكي؛ كونه يعمل في مجال الإنقاذ والحوادث، ضرورة الإلمام بالإسعافات الأولية كالتنفس الصناعي وإنعاش القلب بالضغط باليدين، التي تعد الفارق الأهم في حياة مريض السكتة القلبية، حيث يمكن للفرد المدرب على الإنعاش القلبي أن يعيد الحياة لقلب إنسان قبل وصول الفريق المختص؛ شريطة التحقق من توقف القلب. ويرى محمد الحوسني، أن المعرفة بالإسعافات الأولية ما تزال غائبة لدى عدد كبير من الأشخاص، كما أن ثقافتهم فيها لا تتجاوز معالجة الجروح، مؤكداً ضرورة المعرفة بطرق إنقاذ الحالات التي تتعرض لسكتة قلبية أو أي طارئ، ما يعزز من سلامة المجتمع ككل، مطالباً بتكثيف حملات التوعية بالإنقاذ.وقال عبدالله الشميلي:«يجب أن يستثمر حب الخير لدى أفراد المجتمع، وأن يتم تشجيعهم على تقديم الواجب الإنسان ي بتعلم أساسيات الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي، بالتنسيق بين الجهات والوزارات لتدريب العاملين فيها، وتأهيلهم من خلال تنظيم حملات دورية محددة زمنياً، والتركيز على فئة الشباب من الجنسين». وأوضحت أحلام العلي، أن الكثير من الأشخاص يرغبون في تقديم المساعدة لكن المهم أن يكون الشخص لديه الخبرة والمعرفة الصحيحة في التعامل مع حالات توقف القلب؛ للمساعدة في إنقاذ الحالات في الأوقات الحرجة. وأشار إيهاب الأميري، إلى ضرورة إعادة النظر في المقررات الدراسية وأهمية إضافة الإسعافات الأولية كمادة أساسية بشقيها النظري والعلمي، منذ المرحلة الإعدادية وحتى مراحل دراسية متقدمة، ليستفيد منها النشء في التعامل مع الحالات التي قد يصادفونها في المناطق العامة، كالمدارس والأسواق والحدائق العامة.وعبرت موزة المزروعي عن رأيها في مسالة تدريب المجتمع على الإنعاش القلبي للمصابين. وقالت: «لا أستطيع أن أتخيل أنني أجلس بجوار شخص ممدد على الأرض، وأقوم بعمل الإسعافات له، لأنني أخاف ولا امتلك الجرأة لهذا الفعل، لكن أعتقد أنني سأغير نظرتي ولن أمانع في تقديم يد العون إذا تطلب مني الأمر ذلك؛ شريطة أن أحصل على الدورات اللازمة لذلك، فما أجمل إنقاذ إنسان من موت محقق». أجهزة الإنعاش في مراكز التسوق تعتبر الإمارات من أوائل دول المنطقة، التي تستخدم جهاز مزيل الرجفان الآلي على نحو جماهيري، في العديد من المؤسسات ومراكز التسوق والأماكن العامة، بناء على توجيهات القيادة الشرطية، ورافق ذلك عقد العديد من الدورات التدريبية وورش العمل، حول كيفية استخدامه لدى الكبار والصغار بإشراف ومتابعة إدارة الطوارئ والسلامة، بالقيادة العامة لشرطة أبوظبي. وأثبت الجهاز فعاليته في خفض نسبة وفيات توقف القلب في الدول المستخدمة للجهاز، فنسبة الوفيات نتيجة توقف القلب المفاجئ في العالم تتجاوز 90% من إجمالي الحالات، واستخدام هذا الجهاز أدى إلى خفض نسبة الوفيات إلى ما دون 30%.ويتم خلال عمليات التدريب التعريف باستخدامات جهاز مزيل الرجفان الخارجي الآلي، عند ظهور أعراض قصور في الدورة الدموية على شخص يشتبه في إصابته بسكتة قلبية.
مشاركة :