تشاهد مقطعا مؤثرا فتجد عينيك تذرفان الدمع دون أن تستطيع منعها، يشتكي لك صديق ظروفه الصعبة فيبدأ قلبك بالخفقان وتحس أن جسدك يؤلمك، يفرح زميل بحدث معين فتجدك تشعر معه بالسعادة! نتساءل دوما ما سر شعورنا بالآخر ولماذا نتعاطف معهم وتنتقل مشاعرهم وأحاسيسهم إلى أجسادنا؟! السر يكمن هناك في دماغك، المكون مما يقارب 100 مليون خلية عصبية وكل واحدة منها تقوم بألف إلى عشرة آلاف اتصال مع خلية أخرى في الدماغ وبناء عليه وجدوا أن عدد التراكيب والتبديلات من جراء نشاط الدماغ يتجاوز عدد العناصر الأولية في الكون! ما يهمنا منها هنا خلايا اكتشفها العالم الإيطالي جياكومو ريزولاتي وزملاؤه تدعى "أعصاب المرايا" تنشط بمجرد مشاهدتك لشخص آخر يقوم بحركة معينة كما لو أنك تحاكي تصرفاته، قد يزعجك أن تكون مجرد مقلد أو إمعة ولكن في الواقع هذه الخلايا هي التي صنعت تاريخ اليوم فلولا هذه الميزة لكنا الآن لا نزال في العصر الحجري نطلق الصرخات ونهيم في البراري. قبل 75 ألف سنة حدث تطور مفاجئ وسريع في المهارات التي يتميز بها الإنسان بسبب الانتشار السريع جدا لعدد من المهارات التي يتميز بها الإنسان مثل استخدام الأدوات أو إشعال النار، أو استخدام الملاجئ وطبعا اللغة والقدرة على قراءة ما يفكر فيه الطرف الآخر وتفسير تصرفاته! تقليد الأفعال هذا هو ما يمكن وصفه بالثقافة وأساس التمدن الذي أسهم في انتشار وانتقال المعلومات بين الأفراد ومن ثم الجماعات! خلايا المرآة هذه ليست فقط مسؤولة عن تقليد الحركات التي نراها، بل تلعب دورا في تفهم مشاعر وأحاسيس الآخرين، وبفضلها يمكننا مشاركة من حولنا أفراحهم وأحزانهم والمواقف التي يمرون بها. وفي الأطفال بالذات يبرز عمل هذه الخلايا بسرعة محاكاتهم لتصرفات من حولهم وسرعة تعلمهم لذا يعتقد العلماء أن أصحاب طيف التوحد يوجد لديهم خلل في هذه الخلايا يفصلهم عما حولهم ومن حولهم، فلا يفهمون السبب وراء سعادة الناس بزواج أو تخرج أو قدوم مولود ولا حتى بكائهم على ميت أو حتى سبب صراخهم من أجل كوب انكسر. بواسطة هذه الخلايا تستطيع التعرف على الناس والتعلم منهم والتواصل معهم. هي نعمة من نعم الخالق عليك تمنحك إنسانيتك، أما عندما تنعزل عن الناس وتفقد الإحساس بهم وترفض مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم أعتقد أن لديك خللا في مرايا دماغك تحتاج إلى صقلها وتلميعها لتعود لطبيعتك الإنسانية التي تميزك عن باقي المخلوقات فالحيوانات مثلا تستطيع المحاكاة والتقليد ولكنها لن تشعر بأحاسيسك!author: د. هيا إبراهيم الجوهرImage:
مشاركة :